كتاب الزكاة
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع
قوله: [[تجب بشروطٍ خمسةٍ: حريةٍ، وإسلامٍ، وملك نِصابٍ، واستقراره - أي: تمام الملك في الجملة - فلا زكاة في دَيْن الكتابة؛ لعدم استقراره؛ لأنه يملك تعجيز نفسه، ومضي الحول في غير المعشَّر، أي: الحبوب والثمار، إلا نتاج السَّائمة، وربح التجارة، ولو لم يبلغ نِصابًا، فإن حَوْلهما حَوْل أصلهما إن كان نِصابًا، وإلا فحول الجميع مِن كماله نِصابًا]][1].
قال في ((الشرح الكبير)): ((مسألةٌ: والشرط الرابع: تمام الملك، فلا زكاة في دَيْنِ المكاتب بغير خلاف علمناه؛ لنقصان الملك فيه، فإن له أن يُعجِّز نفسه، ويمتنع من أدائه.
مسألة: ولا تجب في السَّائمة الموقوفة، ولا في حصَّة المضارب من الربح قبل القسمة، على أحد الوجهين فيهما.
لا تجب الزكاة في السائمة الموقوفة؛ لأن الملك لا يثبتُ فيها في وجهٍ، وفي وجهٍ يثبت ناقصًا، لا يتمكَّن من التصرُّف فيها بأنواع التصرُّفات.
وذكر شيخُنا[2] في هذا الكتاب المشروح وجهًا آخر: أن الزكاة تجب فيها، وذكره القاضي.
ونقل مُهَنَّا عن أحمد[3] ما يدلُّ على ذلك؛ لعموم قوله عليه السلام: ((في أربعين شاةً شاةٌ))[4]، ولعموم غيره من النصوص، ولأن الملك ينتقل على الموقوف عليه في الصحيح من المذهب أشبهت سائر أملاكه.
وللشافعية[5] وجهان كهذين، فإذا قلنا بوجوب الزكاة فيه فينبغي أن يخرج من غيره؛ لأن الوقف لا يجوز نقل الملك فيه.
فصل: فأما حِصَّة المضارب قبل القسمة، فلا تجب فيها الزكاة، نصَّ عليه أحمد[6] في رواية صالح، وابن منصور فقال: إذا احتسبا يزكِّي المضارِب إذا حال الحول من حين احتسبا؛ لأنه علم ما له في المال، ولأنه إذا أبضع بعد ذلك كانت الوضيعة على صاحب المال - يعني: إذا اقتسما - لأن القسمة في الغالب تكون عند المحاسبة.
فقول أحمد يدلُّ على أنه أراد بالمحاسبة القسمة؛ لقوله: إن الوضيعة تكون على رَبِّ المال، وهذا إنما يكون بعد القسمة، وهذا اختيار شيخنا[7].
واختار أبو الخطَّاب وجوبَ الزكاة فيها من حين ظهور الربح إذا كملت نِصابًا إلا إذا قلنا: إن الشركة تؤثر في غير الماشية؛ لأن العامل يملك الربح بظهوره، فإذا ملكه جرى في الحول الزكاة، ولأن من أصلنا أن الزكاة تجب في الضالّ والمغصوب وإن كان رجوعه مظنونًا، كذلك هذا، ولنا أن المضارب لا يملك الربح بالظهور على روايةٍ.
وعلى روايةٍ: يملكه ملكًا غير تامٍّ؛ لأنه وقايةٌ لرأس المال، فلو نقصت قيمة الأصل أو خسر فيه، أو تلف بعضُه لم يحصل للمضارب، ولأنه ممنوعٌ من التصرُّف فيه، فلم يكن فيه زكاةٌ كمال المكاتَب، ولأن ملكه لو كان تامًّا لاختصَّ بربحه، كما لو اقتسما ثم خلطا المال.
والأمر بخلاف ذلك، فإن من دفع إلى رجل عشرةً مضاربةً فربح فيها عشرين، ثم اتَّجَر فربح ثلاثين؛ فإن الخمسين التي ربحها بينهما نصفان، ولو تم ملكه بمجرد ظهور الربح لملك من العشرين الأولى عشرة، واختصَّ بربحها وهي عشرة من الثلاثين، وكانت العشرون الباقية بينهما نصفين، فيصير للمضارب ثلاثون، وفارق المغصوب والضالّ، فإن الملك فيه تامٌّ، وإنما حيل بينه وبينه، بخلاف مسألتنا.
ومَن أوجب الزكاة على المضارب، فإنما يوجبها عليه إذا حال الحول من حين تبلغ حصته نصابًا، أو يضمها إلى ما عنده من جنس المال، أو من الأثمان إلا إذا قلنا: إن الشركة تؤثر في غير السائمة، وليس عليه إخراجها قبل القسمة كالدَّين، وإن أراد إخراجها من المال قبل القسمة لم يجز؛ لأن الربح وقاية لرأس المال، ويحتمل أن يجوز لأنهما دخلا على حكم الإسلام، ومن حكمه وجوب الزكاة وإخراجها من المال.
فصل: وإن دفع إلى رجلٍ ألفًا مضاربةً على أن الربح بينهما نصفان، فحال الحول وقد ربح ألفين، فعلى ربِّ المال زكاة ألفين.
وقال الشافعيُّ في أحد قوليه[8]: عليه زكاة الجميع؛ لأن الأصل له، والربح إنما نماء، ولنا أن حِصَّة المضارب له دون ربِّ المال؛ لأن للمضارب المطالبة بها ولو أراد ربُّ المال دفع حصته إليه من غير هذا المال لم يلزمه قبوله، ولا تجب على الإنسان زكاة ملك غيره.
وقوله: إنما نما ماله. قلنا: إلا أنه لغيره، فلم تجب عليه زكاته، كما لو وهب نتاج سائمته لغيره.
إذا ثبت هذا؛ فإنه يخرج الزكاة من المال؛ لأنها من مؤنته، فكانت منه كمؤنة حمله، ويحسب من الربح؛ لأنه وقايةٌ لرأس المال))[9].
وقال في ((الاختيارات)): ((ويصحُّ أن يشترط ربُّ المال زكاة رأس المال أو بعضه من الربح، ولا يُقال بعدم الصحة، ونقله المرُّوذي عن أحمد[10]؛ لأنه قد تحيط الزكاة بالربح، فيختصُّ ربُّ المال بعمله؛ لأنا نقول: لا يمتنع ذلك كما يختص بنفعه في المساقاة إذا لم يثمر الشجر، وركوب الفرس للجهاد إذا لم يغنموا))[11].
وقال في ((الإفصاح)): ((وأجمعوا على أن المكاتب لا زكاة عليه في ماله[12]))[13].
((واختلفوا فيما في يد العبد من المال:
فقال أبو حنيفة[14]، وأحمد في المشهور عنه[15]، والشافعيُّ في الجديد من قوليه[16]: الزكاة على السيد.
وقال الشافعيُّ في القديم[17]، وأحمد في الرواية الأخرى[18]: الزكاة على العبد إذا ملك. وهذا مبنيٌّ على المسألة: إذا ملَّك السيدُ عبدَه، هل يملَّك أم لا؟
وقال مالك[19]: إذا ملك مالاً فإن ذلك المال تسقط زكاته عن المالك؛ لأنه خرج عن يده، وعن العبد لأن ملكه قاصر)).
وقال في ((الفروع)): ((ولا تلزم قِنًّا ومُدبَّرًا، وأمَّ ولَدٍ وِفاقًا، فإن ملَّكه السيد مالاً - وقلنا: لا يملكه وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي - زكَّاه السيد وفاقًا لأبي حنيفة[20] والشافعيِّ[21].
وإن قلنا: يملكه فلا زكاة فيه، وفاقًا لمالك[22] فيهما، فلا فطرة إذًا في الأصحِّ.
وعنه[23]: يزكيه العبد.
وعنه[24]: بإذن السيد.
ويحتمل أن يزكيه السيد.
وعنه[25]: التوقف. ولا يلزم مكاتبًا - وفاقًا - لنقص ملكه؛ لأنه لا يرث ولا يورث.
وعنه[26]: هو كالقِنِّ.
وعنه: يزكِّي بإذن سيده ولا عشر في زرعه.
وإن عتق أو عجز أو قبض قسطًا من نجوم كتابته وفي يده نصاب استقبل المالك به حولاً، وما دون نصابٍ كمستفادٍ))[27].
وقال ابن رشد: ((اتفقوا أن الزكاة تجب على كل مسلم، حُرٍّ بالغٍ عاقلٍ مالكٍ للنصاب، ملكًا تامًّا[28].
واختلفوا في وجوبها على اليتيم والمجنون والعبيد وأهل الذِّمَّة، والناقص الملك مثل: الذي عليه الدَّين أو له الدَّين، ومثل: المال المُحبَّس الأصل.
إلى أن قال: وأما العبيد فإن الناس فيهم على ثلاثة مذاهبٍ:
فقومٌ قالوا: لا زكاة في أموالهم أصلاً، وهو قول ابن عُمر[29] وجابر[30] من الصحابة، ومالك[31] وأحمد[32]، وأبي عُبيد من الفقهاء.
وقال آخرون: بل زكاةُ مال العبد على سيِّده، وبه قال الشافعيُّ[33] فيما حكاه ابن المنذر[34]، والثوريُّ، وأبو حنيفة[35] وأصحابه.
يتبع
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك