أخلاق العرب وعاداتهم
أحمد تيمور باشا
مِن أخلاق العرب الحسنة وعاداتهم الطيبة:
الشجاعة، والعفَّة، والشهامة، والنجدة، وعلوُّ الهمَّة، والحميَّة، وحِفظ العهود، والإيفاء بالوعود، والمحافظة على الأعراض أشدَّ المحافظة؛ فقد كان الموت عندهم أسهلَ من العار؛ حتى أدَّاهم ذلك إلى دَفْن بناتهم وهنَّ أحياء؛ خشيةَ العار.
ومنها: المدافعة عن الجار، وحفظ الجِوار، والسخاء، والكرم، والضيافةُ للغريب والقريب، ومنها: الافتخار بشدَّة البأس، وعزَّة النفس، وإباء الضيْم، والولوع بالشِّعر؛ لأنَّه ديوان العرب، وبالحكم والأمثال، والحِلْم، والفصاحة، والغلو في حفْظ الشرَف، ومكانة النفس.
وكانت لغتهم من أعزِّ الأشياء لديهم؛ حتى إنَّهم كانوا يأنفون من مخالطة غير العرب؛ حفظًا لها من العُجْمة.
ومن عاداتهم السيِّئة: دفْنُ البنات وهنَّ أحياء خشيةَ العار، وقَتْلُ الأولاد خشيةَ الفقر، والغلوُّ في أخذ الثأر؛ حتى إنهم يشنُّون الحرب التي تُزهَق فيها النفوس الكثيرة في سبيل أخذ ثأر رجل منهم.
ومنها: المُنابَزة بالألقاب، ومنها: التَبَنِّي، وهو أن يجعل الولد غير الحقيقي الذي يُتَّخَذُ كالابن بمنزلة الابن الحقيقي، يَرِثُ ويُورَث.
ومنها: عبادة غير الله، وكانت عبادتهم على أنواع مختلفة، ولهم آلهة وأصنام كثيرة؛ كاللات، والعُزَّى، وهُبَل، ونَسْر، وسُوَاع، ويَغُوثَ، ويَعُوقَ، وغير ذلك.
وكان منهم من يعبد النجوم؛ كالشمس، والقمر، وعطارد، والمشتري، وغيرها.
ومن ذلك أسماؤهم: كعبدالعُزَّى، وعبديَغُوث، وعبدشمس، ونحوها، وكان في بلادهم من بينهم بعضُ النصارى، واليهود، والمجوس.
وكانوا قَبْلًا موحِّدين يعبدون الله على ملَّة إبراهيم الخليل وإسماعيل - عليهما السلام - ثمَّ اتخذوا الأصنامَ؛ لتكون واسطة بينهم وبين الله بزعمهم، إلى أن عبدوها، وقدَّموا لها القرابينَ، وذبحوا الذبائحَ على اسمِها.
فلمَّا وصلوا إلى هذه الدرجة من الجهل، والكفر، وعبادة غير الله - أرسل الله لهم رسوله المصطفى، ونبيَّه المرتَضَى؛ فأعادهم إلى الشريعة الحقَّة، شرِيعةِ إبراهيمَ وموسى وعيسى والأنبياء من قبلهم، فهداهم بعد الضلالة، وأرشدهم بعد الحَيْرة.
المصدر: مقالات لكبار كتَّاب العربية - المجموعة الأولى والثانية والثالثة (ص: 29).
اختيار: شبكة الألوكة.
أخلاق العرب وعاداتهم[1].
للعلَّامة المحقِّق أحمد تيمور باشا[2].
[1] كتاب "محمد رسول الله" للعلامة أحمد تيمور باشا ص 24 - 25.
[2] هو العلامة المحقِّق الأديب المشهور، ذو الأخلاق العالية، والمكارم الفذَّة، والتواضع الجم، والأيادي البيضاء على التراث وتحقيقه، وعلى العلم وطلابه: أحمد بن إسماعيل بن محمد بن محمد بن إسماعيل بن علي كرد، ينتمي إلى الأسرة التيموريَّةِ الكرديَّة الأصل، والتي كان لها وَجاهة، وفضل، ويَسار.
وُلد قبل وفاة والده بمائة يوم، وذلك عام 1288هـ، فنشأ يتيمًا في كفالة أخته الأديبة عائشة التيمورية.
حرص على العلم، وعلى لقاء العلماء والتلقِّي عنهم منذ صباه.
وكان مُولَعًا بالكتب والمخطوطات، وكان لفضل أسرته ويسارها أثرٌ في كونه يعيش في بحبوحة من العيش؛ فكان له من المال ما يُعينه على تحصيل الكتب والمخطوطات، وعلى بَسْط يده لإسعاد الفقراء، والجمعيَّات، وذوي الحاجات، مع حِرْصه التامِّ على إخفاء ما يبذُل، وكان معتزًّا بدينه ولغته وتراثه أيما اعتزاز، وكان يُجيد الفرنسية، والتركية، وكان منزله دوحةً عامرة بالزوَّار من الأعلام، وطلاب العلم، والوجهاء وغيرهم.
تزوَّج وهو في التاسعة عشرة من عمره، ورُزِق بثلاثة أولاد، ثم ماتت زوجتُه وهو في التاسعة والعشرين من عمره؛ أي: بعد زواجه منها بعشْر سنين، فلم يتزوَّج بعدها؛ خوفًا من أن يقترنَ بمن تنغِّص على أولادِه؛ فرضي أن يعيش بقيَّة عمره الأحد والثلاثين عامًا دون زواج.
وكان ذا عبادة وعفاف، وكان القرآن يُتلى في منزله، وتُسمع فيه الأحاديث الشريفة، ولم يكن ميَّالاً إلى اللهو، والبطالة، والمساخر.
وبالجملة، فقد كان أمَّةً في رجل، وكان محلَّ إجماع بين أهل عصره علمًا، وأدبًا، ونُبْلًا، وكرمًا، لا تكاد تجد من يذكره بسوء.
أُصيب في آخر عمره بمرض القلب، وكانت نوباته تُعاوِده بين الفَيْنة والأخرى، إلى أن تُوفِّي في الساعة الرابعة من صبيحة يوم السبت 27 من ذي القعدة عام 1348هـ.
وقد رثاه الشعراء، والأدباء، والعلماء: كالرافعي، والأمير شكيب أرسلان، والعلامة محمد الخضر حسين، وغيرهم.
كما ترجم له عدد كبير من معاصريه وغيرهم: كالعلامة محمد الخضر حسين، والعلامة محمد كرد علي، والعلامة الشيخ محمد رشيد رضا، والعلامة خير الدين الزركلي، وغيرهم.
وقد جمَعَ بعض تلك التراجم الشيخ الفاضل محمد بن ناصر العجمي في رسالة لطيفة سمَّاها: العلامة أحمد تيمور باشا ذكريات شخصية للعلامة محمد كرد علي، ويليه مقالات بأقلام معاصريه.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك