دلالة الإشارة
د. سامح عبدالسلام محمد
• وهي من الدلالات التي وقَع الاتفاق حولها بين الجمهور والحنفية معنًى ومبنًى؛ فهي عند الغزالي: (ما يتسع له اللفظُ من غير تجريد قصدٍ إليه)[1]، ويذكرها ابن السبكي: (... ودل اللفظ على ما لم يقصد، فدلالة إشارة)[2]، وعرَّفها البزدوي من الحنفية بقوله: (العمل بما ثبت بنظمه لغة، لكنه غير مقصود، ولا سِيقَ له النص، وليس بظاهرٍ من كل وجه)[3].
ومن أمثلتِها دلالة قوله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [البقرة: 187] على أن مَن جامَع في الليل من رمضان وأصبح جُنبًا، كان صومه صحيحًا؛ لأن مَن يجامع في آخر جزء من الليل، لا بد أن يصبحَ جُنبًا، فيستلزم عدمَ إفساد الصيام، ومع ذلك فإن هذا المدلولَ ليس بمقصودٍ من الكلام، ولكنه لازم للمقصود به من إباحة مباشَرة النساء إلى طلوع الفجرِ.
• ومفهوم دلالة الإشارة عند الجمهور لا يختلف عن مفهومها عند الحنفية، ما دام كلٌّ منهما يعتبرُها من اللازم غيرِ المقصود؛ فالنصُّ لا يدلُّ على المعنى بمنطوقِ عبارته؛ وإنما يشير إليه بالالتزام؛ لأن عبارته تستلزمه، فكانت دلالة اللفظ عليه بطريق الإشارة لا العبارة.
فلا يجد الناظرُ فرقًا بين الدلالتين عند الفريقين؛ فدلالة الإشارة من باب اللازم عند كلٍّ منهما، كما أنها ليست بمقصودة[4].
مع فارقٍ هام يتعلَّقُ بقوَّة دلالة الإشارة؛ فالحنفية جعلوها في المرتبة الثانية بعد دلالة العبارة، ومنهم من جعلها في نفس مرتبة دلالة العبارة، يقول التفتازاني: (اعلَمْ أن الثابتَ بالعبارة والإشارة سواءٌ في الثبوت بالنَّظم، وفي القطعية أيضًا عند الأكثر)[5]، أما الجمهور، فقد جعلوها آخرَ دلالات المنطوق غير الصريح؛ فهي أضعفُ دلالاته.
وثمرةُ هذا الفارق أنه إذا تعارَض حُكم مستنبط بدلالة الإشارة مع آخرَ مستنبطٍ بدلالة الاقتضاء، فإن الحنفيَّةَ يرجِّحون الحُكم المستنبط بدلالة الإشارة على الحُكم المستنبط بدلالة الاقتضاء، أما الجمهور، فيرجِّحون دلالةَ الاقتضاء على دلالة الإشارة.
[1] المستصفى (2/188).
[2] حاشية البناني على شرح المحلِّي على متن جمع الجوامع ص (238).
[3] كشف الأسرار؛ للبخاري (1/68).
[4] مناهج الأصوليين ص (119).
[5] التلويح على التوضيح (1/136).
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك