خصائص أهل القرآن

[منتدى فرسان الحق]

خصائص أهل القرآن
عبد الله علي العبدلي



القرآن الكريم هو المُعجزة الباقية العُظمى الدائمة التي أيد الله بها نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، وهو أصدق كتاب، وأحسن حديث، وخير كلام، والمهيمن على الكتب من قبله، وقائد لمن تبعه إلى جنات النعيم، والمنجي من النيران، والمنقذ من الخسران، وشفيع لحملته يوم يقوم الأشهاد، والمؤنس في القبور، وشفيع لحملته يوم البعث والنشور، فإلى شيء من هذه الخصائص والفضائل لحملته:

أولاً: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته.

فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إن لله - عز وجل - أهلين من الناس" قيل: من هم يا رسول الله؟ قال "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته))([1]).

أي: حفظة القرآن العاملون به هم أولياء الله المختصون به اختصاص أهل الإنسان به سموا بذلك تعظيما لهم كما يقال بيت الله([2])

ثانياً: متعلموا القرآن ومعلموه هم خير الناس.

عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه))([3]).

وفي لفظ آخر: (( إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلَّمه))([4]).

أي: خير المتعلمين والمعلمين من كان تعلمه وتعليمه في القرآن لا في غيره إذ خير الكلام كلام الله - تعالى -فخير الناس بعد الأنبياء من اشتغل به([5]).

ثالثاً: أهل القرآن ومعلِّموه هم الربانيون.

قال الله - سبحانه وتعالى -: (...كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُون) [آل عمران: 97].

والمراد بالربانى: الإنسان الذي أخلص الله- تعالى- في عبادته، وراقبه في كل أقواله وأفعاله، واتقاه حق التقوى، وجمع بين العلم النافع والعمل به، وقضى حياته في تعليم الناس وإرشادهم إلى ما ينفعهم.

والمعنى: لا يصح لبشر آتاه الله ما آتاه من النعم أن يقول للناس اعبدوني من دون الله، ولكن الذي يعقل أن يصدر منه هو أن يقول لهم: كونوا رَبَّانِيِّينَ أي مقبلين على طاعة الله - تعالى -وعبادته وحده بجد ونشاط وإخلاص، بسبب كونكم تعلمون غيركم الكتاب الذي أنزله الله لهداية الناس وبسبب كونكم دارسين له، أي قارئين له بتمهل وتدبر([6]).

رابعا: حملة القرآن هم الأئمة في الصلوات.

ويدل على ذلك حديث أبي مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه ))([7]).

والظاهر أن المراد أكثرهم له حفظا ويدل على ذلك حديث عمرو بن سلمة قال: انطلقت مع أبي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسلام قومه فكان فيما أوصانا ليؤمكم أكثركم قرآنا فكنت أكثرهم قرآنا فقدموني([8])([9]).

وعن عبد الله بن عمر قال: لما قدم المهاجرون الأولون العصبة موضع بقباء قبل مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنا([10]).

وفي قوله: ((وكان أكثرهم قرآنا)) وفيه إشارة إلى سبب تقديمهم له مع كونهم أشرف منه([11]).

خامساً: صاحب القرآن يقدّم في الإمارة والرئاسة إذا أطاق حملها.

عن عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملتَ على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى! قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا! قال: فاستخلفتَ عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله - عز وجل -، وإنه عالم بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكم - صلى الله عليه وسلم - قد قال: (( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين)) ([12]).

يعني: من عمل بالقرآن رفعه الله في الدنيا والآخرة، ومن ضيع حدوده وضعه الله وإن كان شريفا([13]).

سادساً: حامل القرآن هو المقدم في أول منازل الآخرة، فيقدَّم على غيره في القبر في جهة القبلة إذا اضطررنا لدفنه مع غيره.

عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: كان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الرجلين من قتلى " أحد " في ثوب واحد ثم يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدَّمه في اللحد وقال: (( أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم))([14]).

ففي الحديث: أنه يقدم الأكثر أخذاً للقرآن على غيره لفضيلة القرآن، كنظيره في الإمامة في الحياة، ويقاس عليه سائر جهات الفضل إذا جمعوا في اللحد([15]).

سابعاً: منزلة حافظ القرآن عند آخر آية كان يحفظها.

عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها )) ([16]).

قوله: " وارتق " أمر من ارتقى يَرتقي، ومعناه: اصعَدْ إلى منزلك درجةً درجةً، فإن منزلَه بحسَب قراءته من الآيات، وهو معنى قوله: (( فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها)) وجاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر عدد درج الجنة([17])، فمًن استوفى قراءة جميع القراَن استولى على أقصى درج الجنة، ومن قرأ جزءا منها كان رقيه في الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب على قدر منتهى القراءة([18]).

ثامناً: حافظ القرآن مع الملائكة رفيقاً لهم في منازلهم.

عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران)) ([19]).

والمراد جودة التلاوة مع حسن الحفظ([20]).

وقوله - تعالى -: (( الكرام البررة))، أي خلقهم كريم، حسن شريف، وأخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة كاملة. ومن ها هنا ينبغي لحامل القرآن أن يكون في أفعاله وأقواله على السداد والرشاد([21]).

تاسعاً: يُلبس الحافظ لكتاب الله تاج الكرامة وحلة الكرامة.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حلِّه، فيلبس تاج الكرامة ثم يقول: يا رب زِدْه، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق وتزاد بكل آية حسنة )) ([22]).

عاشراً: يَشفع فيه القرآن عند ربِّه.

عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: (( اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه اقرءوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة))، قال معاوية: بلغني أن البطلة السحرة([23]).

ومعنى قوله: (( شفيعا لأصحابه)) أي: لقارئيه بأن يتمثل بصورة يراه الناس كما يجعل الله لأعمال العباد صورة ووزنا لتوضع في الميزان والله على كل شيء قدير([24]).

الحادي عشر: يكرم والدا حافظ القرآن يوم العرض على الله

ورد الدليل في والديه أنهما يكسيان حلَّتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها، وما ذلك إلا لرعايتهما وتعليمهما ولدهما، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول لصاحبه: هل تعرفني؟ أنا الذي كنتُ أُسهر ليلك وأظمئ هواجرك، وإن كل تاجر من وراء تجارته وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويُكسى والداه حلَّتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها، فيقولان: يا رب أنى لنا هذا؟ فيقال لهما: بتعليم ولدكما القرآن)) ([25]).

وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( من قرأ القرآن وتعلَّم وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن)) ([26]).

وبعد هذا:

يبغي أن يفرح حملة القرآن بالمنزلة العظيمة التي كتبها الله - عز وجل - لهم، وأن يستبشروا بكلام الله وكلام نبيه - صلى الله عليه وسلم - بحقهم والجزاء الذي ينتظرهم في العالم الآخر.

ولكن يجب أن يعلموا أن حفظ القرآن لا بد أن يكون خالصا لوجه الله - تعالى -، عاملين به، متدبرين له، وأن لا يُقصد بحفظه تحصيل منافع دنيوية؛ لأن القرآن ليس سلعة يتاجر بها في الدنيا، بل حفظه عبادة يقدمها العبد بين يدي ربِّه تبارك وتعالى، وبغير هذه النية لن يكون له أجر بل سيعذَّب على صرفه هذه العبادة لغير الله - عز وجل -.

ولا بد أن نشجع أنفسنا وأبناءنا على المضي في طريق القرآن، فإنه طريق الخير الذي لا شر بعده، وإذا كانت تصورات بعض الناس قاصرة بحق حملة كتاب الله - تعالى -، فتجد حالة من الإعجاب والتقرير والاحترام لذوي التخصصات العلمية، بعكس حافظ القرآن الكريم، فلا بد من تغيير هذا التصور لدى هؤلاء من خلال الحديث والكتابة حول هذا الموضوع، وبث ثقافة احترام حفظة القرآن الكريم؛ حيث أن احترام حملة القرآن وتقديرهم هو احترام القرآن نفسه.

نسأل الله - تعالى -أن يجعلنا هداة مهديين، عاملين بكتابه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

والحمد لله رب العالمين

___________________________________

([1]) أخرجه ابن ماجه، باب فضل من تعلم القرآن وعلمه (1/78)، رقم: (215)

([2]) فيض القدير (3/67).

([3]) أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه (6/192)، رقم: (5027).

([4]) أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه (6/192)، رقم: (5028)

([5]) التيسير بشرح الجامع الصغير (1/534).

([6]) التفسير الوسيط لطنطاوي (2/160).

([7]) أخرج مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة (1/ 465)، رقم: (673).

([8]) أخرجه البخاري، كتاب المغازي، (5/150)، رقم: (4302).

([9]) عون المعبود وحاشية ابن القيم (2/203-204).

([10]) أخرج البخاري، كتاب الأذان، باب إمامة العبد والمولى (1/140)، رقم: (692).

([11]) مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/69)

([12]) أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل من يقوم بالقرآن، ويعلمه، وفضل من تعلم حكمة من فقه، أو غيره فعمل بها وعلمها (1/559)، رقم: (817).

([13]) تطريز رياض الصالحين ص: (581).

([14]) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهيد (2/91)، رقم: (1343).

([15]) مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، (5/398).

([16]) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة (2/73)، رقم: (1464)، والترمذي، أبواب فضائل القرآن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (5/177)، رقم: (2914)، وقال الألباني في صحيح الترمذي برقم (2329)، حسن صحيح.

([17]) مصنف ابن أبي شيبة (6/120)، رقم: (29952)، شعب الإيمان، (3/380)، رقم: (1843).

([18]) شرح أبي داود للعيني، (5/381).

([19]) أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب (يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا) [النبأ: 18] (6/166)، رقم: (4937)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الماهر في القرآن، والذي يتتعتع فيه (1/549)، رقم: (798)، واللفظ للبخاري.

([20]) فتح الباري، لابن حجر (13/518).

([21]) تطريز رياض الصالحين ص: (580).

([22]) أخرجه الترمذي، أبواب فضائل القرآن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (5/178)، رقم: (2915).

([23]) أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة القرآن، وسورة البقرة (1/553)، رقم: (804).

([24]) التيسير بشرح الجامع الصغير (1/193).

([25]) أخرجه الطبراني في الأوسط (6/51).

([26]) رواه الحاكم (1/756).

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك