التيسير على من عجز عن أداء أحد واجبات الحج
أ. د. محمد جبر الألفي
(1) العجز عن الإحرام من الميقات:
إذا عجز مريد الحج أن يحرم من ميقات بلده، فعليه أن يحرم إذا حاذى أقرب المواقيت إليه يمنة منه أو يسرة.
ومن وجب عليه الرجوع للميقات، وعجز عن الرجوع إليه، سقط عنه وجوب الرجوع، وأحرم من موضعه، ثم يمضي، وعليه دم، وهذا الحكم باتفاق المذاهب[1].
(2) العجز عن التجرد من المخيط:
جاء في إجماع ابن المنذر: (وأجمعوا على أن المحرم ممنوعٌ من لُبس القميص والعمامة والسراويل والخفاف والبرانس)[2]، فإذا عجز عن التجرد خشية الضرر على نفسه، من برد أو حر أو مرض، أو كان ببدنه قروح يخشى زيادتها إذا تجرد من اللباس، فله أن يستر بدنه باللباس، للعذر في ذلك، ولا إثم عليه[3]، وتلزمه الفدية؛ إذ العذرُ لا يسقط الفدية؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾ [البقرة: 196]، جاء في بداية المجتهد: "فإن العلماء أجمعوا على أنها - أي الفدية - واجبة على كل من أماط الأذى من ضرورة لورود النص بذلك"[4]، وكذلك الحُكم فيمن غطى رأسه خشية الهلاك - من البرد أو الحر أو الصداع أو المرض - فيجوز له تغطية رأسه، ولا إثمَ عليه، وتلزمه الفدية باتفاق[5].
(3) العجز عن المبيت بمزدلفة:
من عجز عن المبيت بمزدلفة لمرض أو تعب أو شدة زحام، بأن وصل إليها بعد طلوع الفجر، أو أخطأ المكان، يسقط عنه المبيت ولا فديةَ عليه لعدم قدرته[6].
(4) العجز عن المبيت بمنًى:
من عجز عن المبيت بمنًى لعذر شرعي، كأن كان مريضًا يحتاج إلى المستشفى خارج منى، أو نحو ذلك، فعند الحنفية[7]، والأصح عند الشافعية[8]، وبعض الحنابلة[9]: أن المبيت بمنًى يسقط عن أصحاب الأعذار، ولا شيء عليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لأصحاب الأعذار من الرعاء وأهل سقاية الحاج بترك المبيت[10].
وعند المالكية[11]، وفي وجه عند الشافعية[12]، وهو المذهب عند الحنابلة[13]: أن المبيت خارج منى لا يجوز إلا لمن استثناه الدليل، وما عداهم يلزمه الدم بترك المبيت.
(5) العجز عن الرمي:
من عجز عن الرمي لمرض أو كبر سِنٍّ أو حبس أو عذر آخر، فلا خلاف بين الفقهاء في الترخيص له بالاستنابة، فيوكل من يرمي عنه، ويجزئه الرمي، ولا شيء عليه عند الجمهور[14].
وصرَّح المالكية بوجوب الدم على المريض ونحوه من أهل الأعذار؛ لأنه لم يرمِ، وإنما رمي عنه، وفائدة الاستنابة رفع الإثم[15].
(6) العجز عن الرمي نهارًا:
من عجز عن الرمي نهارًا، جاز له أن يرمي ليلاً، عند الجمهور[16]؛ لِما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم - كان يسأل يوم النحر بمنًى، قال رجل: رميت بعد ما أمسيت، فقال: ((لا حرج))[17]، وفي وجه عند الشافعية[18]، وهو المذهب عند الحنابلة[19]: أنه لا يجوز الرمي بعد غروب الشمس، فإن أخر الرمي إلى الليل، لم يرمِ حتى تزول الشمس من الغد.
(7) طواف الوداع للمريض:
يرى جمهور الفقهاء (الحنفية، والحنابلة، والأصح عند الشافعية): أن طواف الوداع واجب، يلزم من تركه دمٌ[20]، ولكنه يسقط عن الحائض والنفساء، كما تسقط الصلاة عنهما.
وعند المالكية[21]، وفي قول للشافعية[22]: أن طواف الوداع سنة، لا شيء في تركه؛ لأنه يسقط عن الحائض، وعن المكي ومن في حكمه، وهذا أرفق بأصحاب الأعذار من المرضى والمسنين ومَن تحدَّد موعد سفرهم ولم يتمكنوا من طواف الوداع.
[1] ابن نجيم، البحر الرائق: 3/ 86، القرافي، الذخيرة: 3/ 208، الشيرازي، المهذب: 1/ 273، ابن قدامة، المغني: 5/ 73.
[2] ابن المنذر، الإجماع، ص 18.
[3] ابن نجيم، البحر الرائق: 3/ 22، مالك، المدونة: 1/ 412، النووي، روضة الطالبين: 3/ 128، البهوتي، كشاف القناع: 6/ 133.
[4] ابن رشد، بداية المجتهد: 1/ 368.
[5] ابن الهمام، فتح القدير: 3/ 36، النفراوي، الفواكه الدواني: 1/ 381، النووي، روضة الطالبين: 3/ 128، ابن قدامة، المغني: 5/ 151.
[6] ابن نجيم، البحر الرائق: 2/ 600، الدردير، الشرح الكبير: 2/ 44، الشربيني، مغني المحتاج: 1/ 500، ابن قدامة، المغني: 5/ 379.
[7] الكاساني، بدائع الصنائع: 2/ 159، حيث المبيت عندهم سنة.
[8] النووي، روضة الطالبين: 3/ 106.
[9] ابن قدامة، المغني: 5/ 325، 379.
[10] مالك، الموطأ: 1/ 408، البخاري: 2/ 191، مسلم: 2/ 953.
[11] الدسوقي على الشرح الكبير: 2/ 48.
[12] النووي، روضة الطالبين: 3/ 106.
[13] البهوتي، كشاف القناع: 6/ 325.
[14] ابن نجيم، البحر الرائق: 2/ 612، الدردير، الشرح الكبير: 2/ 48، النووي، روضة الطالبين: 3/ 115، ابن قدامة، المغني: 5/ 379.
[15] القرافي، الذخيرة: 3/ 279.
[16] الكاساني، بدائع الصنائع: 2/ 137، القرافي، الذخيرة: 3/ 276، النووي، المجموع: 8/ 180.
[17] صحيح البخاري: 2/ 212 - 215، سنن أبي داود: 1/ 458.
[18] النووي، المجموع: 8/ 180.
[19] ابن قدامة، المغني: 5/ 295 - 296.
[20] الكاساني، بدائع الصنائع: 2/ 127، ابن قدامة، المغني: 5/ 336، النووي، المجموع: 8/ 252.
[21] الزرقاني، شرح الموطأ: طواف الوداع.
[22] النووي، المجموع: 8/ 254.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك