مؤتمر إسلامي عالمي
رعد الزويهري
إن الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ومن يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
ثم الصلاة والسلام على خير الأنام محمد ابن عبدالله وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام إلى يوم الدين.
أما بعد:
إن بالاتحاد قوة، وبالتعاون سنكسر الحواجز المكرسة، فإن كان هناك عمل يحتاج إلى ثلاثين يوماً، أي يستطيع الفرد الواحد إنهاء العمل المحدد من ذلك في يوم، فإذا أتينا مثلاً بعدة أشخاص ستتقلص المدة، وإذا جلبنا ثلاثين فرداً سينتهي المطلوب إنجازه في أربع وعشرين ساعة، وربما أقل.
فهذا يدل على أن الإنسان لديه طاقة محدودة النطاق فإن أجهد تلك.. هلك، وإن وزعها يحتاج إلى المزيد من الوقت، وقد يحتاج الشخص أن يكون هناك من يساعده أو يتخذه وسيلة للقيام بأمر ما، وقد يكون إنساناً أو حيوانا لعدم قدرته على القيام به.
ومن هنا نرى حكمة الله عز وجل من خلق هذا الكائن الضعيف، الذي لا يستطيع أن يقوم بكل شيء، بل بإطار معين. ولنتأمل تلك الآيات العظيمة، وكلام ربنا كله عظيم ومعجز بلفظه ومتعبد بتلاوته.
سنأخذكم إلى بعض الآيات التي تدل على أن الكون مسخر لهذا الآدمي:
1- قال تعالى: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزخرف: 32].
قال السعدي رحمه الله في تفسيره:
وفي هذه الآية تنبيه على حكمة اللّه تعالى في تفضيل اللّه بعض العباد على بعض في الدنيا ﴿ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ﴾ [الزخرف: 32] أي: ليسخر بعضهم بعضاً، في الأعمال والحرف والصنائع.
فلو تساوى الناس في الغنى، ولم يحتج بعضهم إلى بعض، لتعطلت كثير من مصالحهم ومنافعهم.
وفيها دليل على أن نعمته الدينية خير من النعمة الدنيوية كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].
2- قال تعالى: ﴿ وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ ﴾ [الزخرف: 12].
3- قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30].
من سنن الله التسخير... وعلى الإنسان أن يشكر الله على ما أنعمه عليه وأن يعمل بما أمره ويجتنب ما نهى عنه، فلم يخلق البشر عبثاً، بل كما قال تعالى:" ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56] وقد دخل علينا هذه الأيام المباركة شهر ذي الحجة، الذي فيه من الخيرات الجسام التي يجب على كل مسلم أن يستفيد من هذه الأمور التي سخرت لأجله ليستخدمها كوسيلة إما للتنقل أو ليتقوى بها جسده ونحوه، ليستطيع أن يؤدي ما خلق لأجله لعبادة الله وحده.
ما هي الثمار التي يجنيها من يكون أحد حجاج بيت الله الحرام؟!
سنورد لكم بعضاً منها:
ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺃﻡ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ، ﻗﺎﻟﺖ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﻧﺮﻯ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﺃﻓﻼ ﻧﺠﺎﻫﺪ، ﻗﺎﻝ: (ﻻ، ﻟﻜﻦَّ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺣﺞ ﻣﺒﺮﻭﺭ) ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ.
الله أكبر! فمن يستطيع أن يحج فليحج ويغتنم هذه الأيام المعدودة وقد وجدت أن من صدقَ العزيمة على أن يحج سيجد من التيسير ما الله به عليم.. وقد خضت هذه التجربة الإيمانية!
كيف لا يحصل له ذلك وهو من قصد ملك الملوك ورب السموات والأرض ورب كل شيء سبحانه وتعالى.
ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻘﻮﻝ: (ﻣﻦ ﺣﺞ ﻟﻠﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﺮﻓﺚ ﻭﻟﻢ ﻳﻔﺴﻖ، ﺭﺟﻊ ﻛﻴﻮﻡ ﻭﻟﺪﺗﻪ ﺃﻣﻪ) ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ.
كيف بك يا عبدالله، تقطع آلاف الكيلومترات، ولكن تغتاب وتتحدث بعرض هذا وتشتم هذا؟ فإنك لم تجن المقصود، بل ما بحثت وأتيت له مفقود، فحري بك أن تبتعد عن السفاسف من كلام أو معاملة غير لائقة ونحوها، واجتهد بالاشتغال بذكر الله وأداء النسك على أكمل وجه.
ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ: (ﻣﺎ ﻣﻦ ﻳﻮﻡ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﻖ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻪ ﻋﺒﻴﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻣﻦ ﻳﻮﻡ ﻋﺮﻓﺔ، ﺇﻧﻪ ﻟﻴﺪﻧﻮ ﺛﻢ ﻳﺒﺎﻫﻲ ﺑﻬﻢ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ، ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻣﺎ ﺃﺭﺍﺩ هؤلاء) ﺭﻭﺍﻩ ﻣﺴﻠﻢ.
سبحانك يا ربي ما أكرمك! تغفر لعبيدك العصاة الذين لم يحجوا لمن صام منهم هذا اليوم بأن تكفر خطاياهم.. ولمن هو ضيفك وأدى ما شرعت على النهج الصحيح؛ جعلته كمن دار به الزمن بلا ذنوب، إنها مكرمة جليلة، فلا تفتكم، واستغلوا الفرص من أول وهله فقد لا تعيشون إلى العام القادم، وقد تكونون من العائدين لهذا الشهر الفضيل.
فهذا المؤتمر الإسلامي العالمي، أو المؤتمر العالمي إسلامي، هو الحج. فكل مسلم يأتي من شتى بقاع الأرض لعبادة الله في مكان مخصوص أي: بالحرم المكي وبالمشاعر المقدسة من عرفة ومزدلفة ومنى وبوقت مخصوص أي بهذا الشهر.
وعندما نتأمل لباس الحاج نجده كالكفن وأنه يذكره بالموت وأنه لا فرق بينه وبين الغني إن كان فقيراً فلا تجد الغني بأبهى حلة، بل لباسهم واحد!
وعندما تراهم بذلك المشعر... تتذكر بأن هناك موعداً يحشر الله فيه مخلوقاته، فبه تتبادل الثقافات بين الشعوب وبه هدفهم واحد ومكانهم واحد.
فعلى كل حاج أن يتعرف على ماهية الحج:
من خلال أن يشتري كتاباً أو كتابين، أو يبحث عن طريق الشبكة العنكبوتية التي أصبحت وسيلة سهلة لنقل وأخذ المعلومات في هذا العصر، فلله الحمد على هذه النعمة، ويبحث عن طريق مواقع أو منتديات موثوقة عن الحج ويقرأ ليتفقه في دينه، وكي لا يقع بالمحظور ولكي يؤدي هذه الشعيرة بإخلاص وعلى أسس سليمة.
وأسأل الله أن يتقبل من الحجاج حجهم ومن الصائمين صومهم، وأن تسدد للمجاهدين في سبيلك رميهم، وأن تصلح شؤون أمتنا العربية على وجه الخصوص وأمتنا الإسلامية بشكل عام.
هذا والله أعلم. فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك