10-07-2014, 10:46 PM
|
مشرف
|
|
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 7,826
|
|
حول ما يستهلك في العيد من البضائع
حول ما يستهلك في العيد من البضائع
مجلة التمدن
لما أراد يراعي أن يمج ظلامه على صفحات القراطيس، ليخط ما تجود به القريحة، عن البضائع التي تستهلك في العيد، وأخذت الأفكار تتوارد علي؛ فسرعان ما خطرت ببالي تلك الفكرة التي استوحيتها من قوة الأمة وضعفها:
اعتاد السوريون، وغير السوريين من الأمم الشرقية؛ أن يستهلكوا في أعيادهم كثيراً من البضائع الأجنبية: كالملبوسات، والألعاب، والحلويات ونحوها، وينفقون نقوداً لا تحصى على الملاهي الأجنبية، ويدعون زوراً وبهتاناً أن كل شيء أجنبي: أبهج، وألذ، وألطف من كل شيء وطني يماثله.
لذلك، نرى أن التجار الأجانب يفدون إلى بلادنا: ليبيعوا سلعهم، وليأخذوا ما بأيدينا من «أصفر رنان» ليزدادوا به قوة فوق قوتهم، ويزيدوننا ضعفاً ووهناً.
نحن نشتري الألعاب، والحاجات الأجنبية؛ وهم يبتاعون بدراهمنا قذائف جهنمية يلقونها علينا، ويسوموننا بها وبغيرها من مكائدهم السياسية، وحيلهم الدبلوماسية سوء العذاب، وألوان الاضطهاد.
ولو أن العقلاء في الشرق تنبهوا إلى هذه الفكرة، ونهوا مَن تحت إمرتهم عن ابتياع مثل هذه البضائع التي تتسرب أثمانها إلى الجيوب الأجنبية! لكان في الأمة من يروج المصنوعات الوطنية التي تتسرب أثمانها إلى الجيوب الوطنية، ويعمل على قتل الروح الأجنبية بكل قواه.
زد على ذلك، أن هناك مدارس تبشيرية أجنبية وغير أجنبية تربي تلاميذها ناشئة البلاد، تربية غربية محضة، فلا يروق في أعين هؤلاء الطلاب إلا الأجنبي.
فلو سطعت شمس الشرق عليهم، وانبعث شعاع القمر على وجوههم؛ لقالوا: إنما هذه الأشعة مأخوذة عن الغرب.
ولو أتيتهم بحجج دامغة، وبراهين ساطعة قالها رجال الشرق، وأساطين العروبة؛ لقالوا: إن هذا إلا أساطير الأولين، ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة، إن هذا إلا إفك مفترى! دعونا من هذه الترهات، فإنا نود أن نستضيء بضياء الغرب اللامع، ونقتبس من مدنيتهم الزاهرة، بأن اتركوا تعاليم الأقدمين وأقبلوا على سنن رجال العصر، عصر المدنية والنور.
اسـتـرشـد الـغـرب بـالـمـاضـي فـأرشـده
ونـحـن كـان لـنــا مــاضٍ نـسـيـنــاه
إنـا مـشـيـنـا وراء الـغـرب نـقـبـس مـن
ضـيـائــه فـأصـابـتـنــا شـظــايــاه
ولو أن رجال الأمة وعقلاءها، ولا سيما الأساتذة والمفكرين، غرسوا في نفوس أبناء هذه الأمة وناشئتها، روح الاكتفاء بمصنوعات الوطن، ونمّوا في أفكارهم وأفهموهم أن الأجنبي لم يأت لبلادنا إلا ليسلبنا ما بقي لدينا من تراث الآباء والأجداد: من مال، وعادة، وخلق؛ ونبهوهم إلى قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 34]: لانتبهت الأمة، ولنهضت من غفلتها، فوثبت وثبة الليث على كل شيء أجنبي فحطمته، ولعملت العمل كله على مقاطعة الأجانب وبضائعهم.
وإن في بلادنا والحمد لله، ما يكفينا لسد حاجاتنا على اختلاف أنواعها، وتعدد أصنافها؛ لهذا كان من ألزم واجباتنا شعباً وحكومة أن نعمل متضامنين بكل ما أوتينا من قوة، على تدعيم الصناعات الوطنية، لا يفرق بيننا في ذلك خلاف على مذهب، أو شقاق في مبدأ، فالصناعة في عصرنا هذا الآلي عماد الرخاء، وسبيل الأمم إلى التقدم والارتقاء وإن أسعد أيام حياتنا: هو اليوم الذي نرى فيه إنتاجنا المحلي في مختلف الجهات يفي بحاجة الاستهلاك في البلاد ويفيض.
المصدر: مجلة التمدن الإسلامي
السنة الأولى، العدد الأول، 1354هـ
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|