08-16-2014, 08:20 PM
|
عضو مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,232
|
|
من أسرار مفردات القرآن: القرية/المدينة
من أسرار مفردات القرآن: القرية/المدينة
يمكن رأب الصدع بين الفريقين :مثبتي الترادف في القرآن ونافيه باستثمار التمييز الهام الذي أقامه المنطقي "فريجة" بين "المرجع" و"المعنى" أو بين "التعيين" و"الدلالة"...فالمرجع هو الشيء الذي يشير إليه اللفظ ويعيِّنه -ماديا أكان أم غيره-والدلالة هو ما يفهم من اللفظ ،أو قل إن التعيين يربط اللفظ بالشيء في العالم الخارجي، أما الدلالة فهي تربط بين اللفظ والصورة الذهنية:
"مكة" و "أم القرى" اسمان يعينان مرجعا واحدا-هي المدينة المقدسة مبعث خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم -ومن هذا المنظور يمكن أن نحكم بترادف الاسمين...
لكن دلالة "أم القرى" تختلف عن دلالة "مكة" فقد يكون في أحد الاسمين –مثلا-من الثناء والتمجيد ما لا يوجد في الثاني...فلا نحكم من هذا المنظور بالترادف..
وكذلك "الزمخشري" و"صاحب الكشاف"، مترادفان من حيث الإشارة إلى مرجع موحد ،لكن اسم "صاحب الكشاف" يشمل لوازم دلالية غير موجودة في اسم "الزمخشري" من قبيل وجود كتاب ،عنوانه الكشاف ،وله مؤلف....فلا ترادف من هذه الجهة.
والمثال المشهور الذي وظفه "فريجة" للبيان هو :
نجمة الصباح، ونجمة المساء،
فالعبارتان تحيلان على جرم سماوي واحد هو كوكب "الزهرة "،فالترادف قائم ...
لكن الدلالة في العبارتين ليست مختلفة فحسب، بل هي متضادة!!
ومن دلائل اختلاف جهة التعيين عن جهة الدلالة أنه يمكن حمل أحد الطرفين على الآخر فيقال:
مكة هي أم القرى،
الزمخشري هو صاحب الكشاف،
نجمة الصباح هي الزهرة،
ولكن لا يحمل اللفظ على نفسه ، فلا يقال :
مكة هي مكة ،
ولا أم القرى هي أم القرى،
أو الزمخشري هو الزمخشري...
فهذه العبارات لغو محض، غير مقروءة إلا بتأويل.
على هذه القاعدة من التمييز يمكن المصالحة بين الفريقين فمن قال بالترادف كان ينظر إلى "المرجع"، ومن أنكر الترادف كان ينظر إلى" الدلالة" فآل الخلاف إلى الخلاف اللفظي.
بوسعنا الآن -إذا تقرر هذا المدخل النظري –أن نلمح العلاقة بين "المدينة " و"القرية" في المعجم القرآني..
أولا:
الكلمتان مترادفتان باعتبار التعيين، نقول هذا مستأنسين بموضعين في التنزيل من سورتي" الكهف" و"يس":
{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}[الكهف : 77]
{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}[الكهف : 82]
الآيتان وردا في سياق واحد ،والظاهر أن الحديث عن تجمع سكني واحد سماه "قرية "وسماه "مدينة"، ومن المستبعد جدا أن يكون الغلامان يسكنان في مدينة وجدارهما في أخرى....وهذا الاحتمال -على ضعفه - لايمكن أن يرد على الشاهد من سورة يس:
{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ}[يس : 13]
{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}[يس : 20]
لا شك أن الحديث عن مكان واحد فالقرية هي عينها المدينة التي جاء الرجل المؤمن من أقصاها لينصح قومه وهم أصحاب القرية الذين جاءهم المرسلون....
فلا مناص إذن من الحكم بترادف الكلمتين من جهة انطباقها على مصداق خارجي واحد.
ثانيا:
الكلمتان متباينتان باعتبار الدلالة...
وهذا ما سنبينه-بحول الله- من بعد، فالشواهد كثيرة وقد يطول الموضوع من جراء ذلك. ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|