05-30-2023, 04:49 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 357,566
|
|
جوانب هامة يجب أن تراعى في التعامل مع المواهب
جوانب هامة يجب أن تراعى في التعامل مع المواهب
عبدالستار المرسومي
اكتشاف المواهب ورعايتها واستثمارها علم وفن، فهو علم لأنه يعتمد على أسس منهجية ويحتاج إلى تنظير بمستوًى راقٍ، فمن المستحيل أن نتخيل أن تنمو موهبة في جو من الجهل والعشوائية، وهو فن لأنه يحتاج إلى سليقة ماهرة وبصيرة متفتحة وأدوات متوفرة وعقل يحسن استخدامها، واستنادًا لهذا الواقع فإن هناك أمور ينبغي أن تؤخذ بنظر الاعتبار في التعامل مع المواهب وهي:
أولًا: الموهبة ضرورة مرحلة ووسيلة مهمة للوصول إلى الأهداف الكبيرة، فالأمة التي ليس فيها مواهب أمة مجهولة المستقبل، فينبغي البحث عنها وبذل الوسع في ذلك، فبدونها لا يمكن أن يتحقق التقدم المنشود للأمم، فمن أجل ذلك ينبغي الالتفات إلى أصحاب الأفكار الخلاقة ومنحهم الفرصة الكاملة من أجل أن يدلو بدلوهم، لأن المشاريع الكبيرة تبدأ بأفكار، وهؤلاء هم حملة هذه الأفكار التي تغير بشكل حقيقي في مسيرة المجتمعات، وإن البحث عن هذه المواهب هو من واجبات أفراد الأمة عامة وهي من صميم واجبات قادتهم والمسؤولين عنهم بشكل خاص.
ثانيًا: يتطلب اكتشاف الموهبة وجود أفراد متخصصين يميزون بين الموهبة الحقيقية الفعالة والموهبة المزيفة المدَّعية، لأن المجتمعات ملأى بأدعياء المواهب، المتكسبين من هذا الأمر، الذين يجيدون مهارة الخداع في هذا النوع من التعاملات.
ثالثًا: إن التفريط بالمواهب والمبدعين من الأخطاء الاستراتيجية الجسيمة في مسيرة بناء الأمم، فلقد اهتمت الشريعة الإسلامية اهتمامًا لافتًا ومتميزًا بالمواهب ورعتها رعاية خاصة، وكلفتها بمهام عظيمة. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد صبر على خالد بن الوليد رضي الله عنه لمدة قد تصل إلى 20 سنة أو أكثر، قبل أن يأتي خالد رضي الله عنه ليضع نفسه ومهاراته تحت تصرف رسول الله رضي الله عنه ، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفرط به، لأنه كان يرى فيه موهبة من الصعب التفريط بها، وبقي ينتظر اليوم الذي يسلم فيه خالد رضي الله عنه، وبالفعل جاء ذلك اليوم وإن كان متأخرًا.
لقد ظهر من جيل الصحابة رضي الله عنهم ثلة موهوبة، استثمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم استثمارًا عمليًّا مثاليًّا، فكانوا خير سلف لخلف هذه الأمة.
وكان ثمن رعاية المواهب عند السلف الصالح لهذه الأمة غاليًا أحيانًا، فربما دفع عمر بن الخطاب رضي الله عنه حياته من أجل الاهتمام بموهبة كانت حاضرة في دولته، فلم يكن أبو لؤلؤة المجوسي إلا غلامًا عند المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وكان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه حريصًا أشد الحرص على إخراج المشركين من جزيرة العرب وقد فعل ذلك بالفعل، إلا أن ما كان يؤخر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن إخراجه أن أبا لؤلؤة كان قد وعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن يصنع له (رحىً) تعمل بالهواء، يعنى طاحونة تعمل بالهواء في ذلك الوقت، وكان عمر ينتظر هذا الإنجاز بفارغ الصبر، فقد قال له عمر:
• لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ: لَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَعْمَلَ رَحًى تَطْحَنُ بِالرِّيحِ فَعَلْتُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَاعْمَلْ لِي رَحًى.
قَال: لَإنْ سَلِمْتُ لَأَعْمَلَنَّ لَكَ رَحًى يَتَحَدَّثُ بِهَا مَنْ بِالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ )[1]، فكان من خبر عمر رضي الله عنه أنه دفع حياته ثمنًا لذلك فقد غدر به أبو لؤلؤة وقتله.
ولولا هذا الفهم الواعي والاهتمام البالغ بالمواهب والعلم والمبتكرين والعلماء، ما كان ظهر في الأجيال اللاحقة لجيل الصحابة رضي الله عنهم في الأمة الإسلامية موهوبون ومخترعون ونوابغ أمثال: الرازي وابن سينا وابن النفيس والجزري وابن الهيثم والخوارزمي والكندي والزهراوي وعباس بن فرناس وغيرهم ممن لا يعد ولا يحصى من المواهب في تخصصاتهم العلمية.
رابعًا: كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في رعاية المواهب ما عرف عنه بـ (الوسطية) التي كانت سبيلًا سار عليه أنبياء الله ورسله عليهم السلام من قبله صلى الله عليه وسلم ، وهو سبيل الصالحين من بعده، فلم يمنع موهبة بعض الصحابة أن يقومهم ويعدل من سلوكهم حين يخطئون، ويكافأهم وينتصر لهم حين يصيبون.
لذلك فإن وجود القائد المتخصص المسؤول عن الموهبة ضرورة عملية لابد من العمل على إيجادها من أجل مراقبة ومتابعة وتوجيه الموهبة بشكل أمثل.
خامسًا: الحذر كل الحذر من التفريط بإحدى المراحل الثلاث التي ينبغي أن تمر بها الموهبة، وهي مرحلة الاستكشاف ومرحلة الرعاية والاهتمام ومرحلة الاستثمار فهذه المراحل حاجتها ملحة جدًا ولا بد للموهوب من أن يمر بها، فلا يمنعنا جاهزية الموهبة أو ضغط الوقت أو الظروف التي يمر بها الموهوب أو من يحيط به من أن يجتاز هذه المراحل الثلاث، فالقفز عليها قد يؤدي إلى نتائج سلبية تضر بالموهوب وبالمجتمع على حد سواء.
سادسًا: الانتباه الشديد من أن تتحرك أطراف خارجية لاستثمار الموهوب وخاصة من قبل الأعداء، فإن غفلنا وحصل ذلك فإننا نكون قد بددنا ثروة عزيزة في متناول أيدينا ومنحناها للعدو ليستخدمها سلاحًا يمنعنا به من تطوير واقعنا وتحقيق أهدافنا، فليس أقسى على المرء من أن يقتل بسلاحه أو أن يستخدم ابن جلدته لذبحه.
سابعًا: إن بناء مؤسسات مهنية متخصصة ترعى المواهب لهو من الواجبات الملحة التي ينبغي ألا يُفرط بها في هذه المرحلة الحساسة من حياة الأمة، لكي نحقق التنمية الشاملة المتضمنة مسؤوليتنا عن مستقبل أجيال أمتنا، كما لابد من رفد هذه المؤسسات بالكوادر المتخصصة والأدوات وكل المستلزمات التي من شأنها أن تضمن نجاح عمل تلك المؤسسات، وتحقيق الأهداف التي أنشأت من أجلها.
ثامنًا: الموهوب بشـر؛ ويحتاج إلى ما يحتاجه بقية البشر من أمور في حياته ينبغي أن تُوفر له من قبل الأخرين، ويجب أن يُعتنى به عناية خاصة وتراعى مشاعره بشكل متميز، لا أن يعامل كصفقة تجارية يتم فيها استنفاد ما يمتلك من مهارة وإبداع لصالح الآخرين ثم يرمى على قارعة الطريق ليلاقي مصيره لوحده.
[1] الشريعة للآجري 1399.
__________________
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|