بين إهمال زوجي ومرض طفلي
د. صلاح بن محمد الشيخ
السؤال:
♦ الملخص:
امرأة متزوجة ولديها طفلٌ مريض، زوجُها يُهملها ويَجرحها بكلامه، وتسأل عن حل.
♦ التفاصيل:
أنا في التاسعة عشرة من العمر، متزوجة من قريب لي، رزقنا الله ولدًا، ولكن قدَّر الله أن يكون الطفل مريضًا، وهو الآن في العناية المركزة منذ أكثر من عام، وأنا يوميًّا أقوم بالذهاب للمستشفى لزيارته، مشكلتي أن زوجي لا يفهمني ولا يحترمني، ولا يقدرني، ولا يحس بمشاعري، فأنا مرهقة نفسيًّا بسبب طفلي، ولا أحتمل ضغوطًا أكثر، فأنا أسكن في منطقة بعيدة عن أهلي، وزوجي يجرحني بالكلام كثيرًا، فأبيتُ ليلي أبكي من الظلم الذي أراه منه، ولأني أريد طفلي في أحضاني، زوجي لا يخرجني للتنزه مثلًا كي أغيِّر من نفسيتي، ولا يقوم بواجباته تجاهي، ويقول لي: أنا مهما فعلتُ، فلن تقدري على تركي والذهاب لأهلكِ؛ يقصد بذلك لأن طفلي في المستشفى، أريد أن أذهب إلى أهلي، لكن طفلي كيف لي أن أراه؟ علمًا بأن منطقة أهلي تبعد عن المنطقة التي أنا فيها الآن 600 كيلو متر؟ ماذا أفعل؟ أفيدوني، علمًا بأني قد تكلمتُ مع والدته ووالده، لكن ما استطاعوا فعلَ شيءٍ.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين:
ملخص مشكلتكِ:
لديكِ طفل قدَّر الله عليه المرض، وهو في العناية المركزة منذ أكثر من سنة، وزوجكِ لا يراعي مشاعركِ وهمكِ، ويزيد من معاناتكِ بأسلوب غير مقبول، وتعيشين في حالة نفسية سيئة، وبعيدة عن أهلكِ ويشق الذهاب إليهم، وتطلبين المساعدة في حل هذه المشكلة، ومساهمة في حلها أوصي بالآتي:
١- احمدي الله تعالى على فضله وإحسانه، وأكثري من الاستغفار؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12]، ولأن الاستغفار سبب لتفريج الهموم، وجلْب الأرزاق، والخروج من المضائق؛ ففي سنن أبي داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لزم الاستغفار، جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب))، وإن كان في سنده مقالٌ، فإن المعنى صحيح.
٢- احتسبي الأجر واصبري على هذا البلاء، فالإنسان ربما يصاب بمصيبة في نفسه أو مصيبة في أهله وولده، فإذا قابل هذه المصائب بالصبر وانتظار الفرج والأجر من الله، صارت المصائب تكفيرًا لسيئاته ورفعةً في درجاته، وقد وردت الآيات والأحاديث الكثيرة في ذلك؛ فقال الله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلمٍ يُصيبه أذًى من مرض فما سواه، إلا حطَّ الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها))؛ [صحيح مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له))؛ [صحيح مسلم].
٣- أكثري من ذكر الله في نفسكِ وفي البيت؛ من قراءة القرآن وسورة البقرة، التسبيح والتحميد والتكبير، والأدعية عند الدخول والخروج والطعام والنوم وغيرها؛ فإن حياة القلب تكون بالذكر؛ ففي صحيح البخاري من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت))، وفي لفظ مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل البيت الذي يُذكر الله فيه، والبيت الذي لا يُذكر الله فيه مثل الحي والميت))، وبذكر الله تطمئن القلوب؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، فالراحة النفسية من الهمِّ والغمِّ في تعلق العبد بربه وكثرة ذكره، وإجلاله وتعظيمه.
٤- أكثري من الصدقة وفعل الخير للناس، ومساعدة الأرامل والأيتام؛ فكل ذلك سبب لراحة قلبكِ واستقرار نفسكِ وزيادة الأجور والحسنات.
٥- حافظي على فرائض الله تعالى بدءًا بتوحيده والبعد عن الشرك بأنواعه، ثم المحافظة على الصلاة المفروضة وبقية أركان الإسلام، واعلمي أن الصلاة فيها سر عظيم للراحة النفسية والقلبية؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر يفزع إلى الصلاة، وكان يقول: ((يا بلال، الصلاة الصلاة، أرحنا بها))، فحافظي على الفريضة أولًا، ثم تقربي إلى الله بالنوافل لتنالي محبة الله؛ ففي الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه))؛ [رواه البخاري].
٦- أكثري من الدعاء والتضرع لله تعالى بأن يربط على قلبكِ ويلهمكِ الصبر وأن يشفيَ ابنكِ ويعافيه، وألحي على الله بالدعاء وخاصة في أوقات الإجابة؛ ومنها: العبد وهو ساجد، وفي أدبار الصلوات، وبين الأذان والإقامة، ويوم الجمعة وغيرها (يمكن البحث عنها).
واعلمي أن الله تعالى قال: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]؛ فكوني واثقة بالله تعالى معتمدة ومتوكلة عليه؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3].
٧- كوني إيجابية، واجعلي الفأل نصب عينيكِ، ورتِّبي حياتكِ بما هو إيجابي؛ ففضل الله عليكِ كبير، إن ابتلاكِ في شيء، فقد أعطاكِ نعمًا كثيرة لا تُعد ولا تُحصى، فقط احمدي الله واشكريه واسأليه اللطف والرحمة، فهو الذي يكشف الضر، وهو الشافي والمعطي والمانع، فله الحمد والشكر.
٨- غيِّري من نمط حياتكِ مع زوجكِ، اهتمي بنفسكِ في مظهركِ وأناقتكِ وتبعُّلكِ، وأعينيه على نفسكِ بالصبر والاحتساب والرضا بقضاء الله وقدره.
٩- أنتِ لا زلتِ في مقتبل العمر، فقد تغيب عنكِ بعض الأمور الحياتية، حاولي أن ترتبطي بعلاقة مع الصالحات المؤمنات القانتات؛ فإنهن خيرُ مُعين لكِ بعد الله في تجاوز هذه المرحلة.
١٠- حاولي أن تشاركي في أعمال الخير بالانضمام إلى جمعيات الخير النسائية متطوعة؛ فهذا يخرجكِ من دوامة الفراغ القاتل والتفكير السلبي.
١١- حاولي مع زوجكِ بأسلوب راقٍ وكلام جميل أن تمدحيه وتذكري فضله وصبره، ومن ثَمَّ اطلبي منه زيارة لأهلك، وإن امتنع بداية، فلا تغضبي وترفعي صوتكِ، إنما تقبَّلي ردة الفعل، وكرري المحاولة.
١٢- درِّبي نفسكِ على شغل الفراغ بما يفيد: الاهتمام أكثر بالمنزل، القراءة والبحث، الانضمام إلى دورات مهارية في الحرف أو الأسلوب الأمثل للحياة الزوجية وغيرها.
أسأل الله العلي القدير أن يُلهمكِ الصبر على هذا الابتلاء، وأن يشفي ابنكِ، وأن يهدي زوجكِ وتعيشي عيشة السعادة في الدنيا والآخرة.
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك