الفوضوية في الأسرة
الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
السؤال:
♦ الملخص:
شاب يذكُر أنه يعيش في أسرة فوضوية، يُهيمن عليها الكسلُ والاتِّكاليَّة، ويسأل عن حلٍّ.
♦ التفاصيل:
السلام عليكم، مشكلتي أن أخواتي البنات مهملات، مُتكلات على الخدم في كل صغيرة وكبيرة، وربما لو غُصَّتْ واحدة منهنَّ فإنها تنادي الخامدة كي تأتي لها بالماء، ولا أرى واحدة منهنَّ تتحرك من أجل تنظيف البيت، فهن يُلقين كل الأعمال على الخادمة.
اثنتان من أخواتي متزوجات، لكنهما مُقيمات معنا بشكل شبه يومي هما وأولادهما، كل واحدة منهما لها غرفة هي وأولادها، أما باقي الأخوات فغير متزوجات، وأمي وأبي لا يتكلمان والوضع قد أعجبهما.
لا أحدَ في العائلة معترضٌ على هذا الوضع، لذا أنا أكْرههم ولا أُحب أن ألتقي بهم، وأريد مقاطعتهم، صرتُ لا أُكلمهم ولا أُسلِّم عليهم حتى في العيد، ولا أجلس معهم على الطعام، فأنا أصنع طعامي بنفسي؛ لأني أكره الإهمال والاتِّكال، وأعُده نقصًا في الشخص، وتعطيلًا لوظيفة اليدين والرجلين، وهما نعمة من الله يجب استخدامُها فيما فيه صلاح للنفس، فماذا أفعل؟ جزاكم الله خيرًا.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فواضح من مشكلتك - إن كان الوصف واقعيًّا - أن أهل البيت تربَّوا على الكسل واللامبالاة والاعتماد على الغير.
ومثل هذه المشكلة قد استشرت وتمكَّنت، لذا فتخلُّصهم منها قد يكون صعبًا، وقد يحتاج إلى وقت وصبر وجهاد، ولذا فأقول عليك وفقك الله بالآتي:
أولًا: حاليًّا تعامل بقدر معقول من الحزم معهم مع شيء من التلطف؛ حتى لا تقطع الحبال بينك وبينهم.
ثانيًا: لا أوافقك أبدًا في مقاطعتك لهم وكُرهك لهم؛ فهم من رحِمك التي يجب أن توصل، وليس الواصل بالمكافئ، ولك أجرٌ عظيم على صبرك ونصحك لهم.
ثالثًا: لا أوافقك في يأسك من صلاح أحوالهم، فاستعنْ بالله كثيرًا، وادعُ لهم كثيرًا.
رابعًا: إن تيسر تعريفهنَّ على نساء نشيطات نظيفات من الأقارب أو الجيران، ففي ذلك خير كثير إن شاء الله؛ لِما يستفيدونه منهم مِن سلوك حسن وتوجيه رفيقٍ سديد.
خامسًا: أكثر من الاستغفار والاسترجاع.
سادسًا: لعلك تُطلعهم على رسائل واتساب أو مقاطع تُبين أهمية الهمة والنظام والنشاط، وتبين سلبيات الكسل والفوضى.
سابعًا: القارئ لمشكلتك يَخلُص إلى أنك تطمح إلى أهداف سامية تصطدم في نظرك بواقع مخالف لها داخل أسرتك التي عبَّرت عنها بما يمكن أن يسمى اختصارًا بـ(الفوضوية)، وتسأل عن الحل.
ثامنًا: تَشْكَرُ كثيرًا على طموحك للمعالي.
تاسعًا: لا أُوافقك أبدًا على ما لمحته من يأسك من بلوغ القمة، ومن صلاح أحوال أسرتك.
عاشرًا: ما دمت نويتَ نيَّةً طيبة، فأوصيك بألا تنسى الاستعانة بالله سبحانه والتوكل عليه لتحقيق أهدافك؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].
حادي عشر: كن بذرة طيبة وقدوة صالحة في أسرتك.
ثاني عشر: وأول خطوة للبذرة الصالحة هي صدق الالتزام الديني والقدوة الحسنة، بالمحافظة على الواجبات الشرعية، وخاصة الصلاة في أوقاتها؛ لأن ذلك أعظم تنظيم، فمن فرَّط أو تساهل بأداء الصلاة وسائر الشعائر التعبدية، في أوقاتها وبشروطها، وأركانها وواجباتها وسننها - فهو الفوضى حقًّا، وهو لما سواها أضيع وأكثر فوضوية.
ثالث عشر: عند بداية سلوكك الطريق الصحيح عبادة وترتيبًا ونظافة، قد تواجه عقبات واستهزاءً واتهامًا بالتعقيد، وهذه سنة جارية لمن سلك طريقًا صحيحًا ودعا إليه؛ قال سبحانه:﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 1 - 3].
رابع عشر: عليك بمجاهدة نفسك على التزام الشعائر التعبدية، وتنظيم أوقاتك، وإظهار النظافة والنشاط أمامهم؛ ليقتدوا بك، ولا تستعجل الثمرة؛ لأنك مأجور على كل حال؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن سنَّ في الإسلام سُنة حسنة، كان له أجرها وأجر مَن عمل بها مِن بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وِزرُها ووزرُ مَن عمل بها مِن بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا))؛ [أخرجه مسلم في صحيحه].
ومثل هذا الحديث ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من دعا إلى هدًى، كان له من الأجر مثل أجور مَن تبعه لا ينقص ذلك مِن أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام مَن تبعه لا ينقص ذلك مِن آثامهم شيئًا))، وهكذا حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من دلَّ على خير، فله مثل أجر فاعله)) [أخرجهما مسلم في صحيحه].
خامس عشر: وتذكر أن مَن حولك تعودوا مددًا طويلة على شيء من اللامبالاة والكسل وضَعف النظافة، حتى أضحت ديدنًا ومنهجَ حياة، ومثل هؤلاء قد يحتاجون إلى وقت طويل وصبرٍ ومصابرة، لكن العاقبة إن شاء الله حميدة، طال الزمن أم قصُر؛ قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].
سادس عشر: كلما واجهتك مصاعبُ أو سخريات، فتذكَّر أن الأنبياء عليهم السلام واجهوا أشد من ذلك؛ كفرًا وعنادًا وسخرية، واتهامًا بالسحر والجنون، فصبروا وظفروا.
سابع عشر: أعيد وأكرِّر: لا تنسَ كثرة الاستغفار والاسترجاع والصدقة؛ فلهذه الثلاثة مع رابعها وهو الدعاء - أثرٌ عجيب وقوي ومشهود في تذليل العقبات، وتيسير الصعوبات، وكشف الكربات.
حفِظك الله، ورزقك الإخلاص والصبر والثبات، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك