أمي وتعاملها مع زوجتي
د. صلاح بن محمد الشيخ
السؤال:
♦ الملخص:
رجل متزوِّج، يذكُر أن أمَّه تظلِم زوجته وتغار منها، وهي تتحمَّلها، ويسأل: ماذا يفعل؟
♦ التفاصيل:
انا متزوج من امرأة ملتزمة وطيبة جدًّا، كانت أمي تغار منها في بداية الزواج، وكذلك من زوجات إخوتي.
ظلمتْ أمي زوجتي كثيرًا، وأخبرت الجيران بأن زوجتي سيئة التدبير، وهي لم تكن سيئة، فقد كانت وقتها عروسًا جديدة، وكنت أواجه أمي بالكلام، فلا تنكره، لكن لا تريد أن تَعترف بخطئها.
اكتشفتُ أن أمي تطرُد زوجتي، فتذهب زوجتي إلى بيت أبيها ولم تفهم أن أمي أصلًا طردتْها، ولا تشكو لي ظنًّا منها أنها لم تُخطئ بحقِّها، وأسمع بأذني كلام أمي المهين لزوجتي، وهنا بدأت زوجتي تشعر أنها مظلومة، فأصبحت أخاف على أمي ليس من الدنيا، بل من الآخرة، فهي أصبحت تظلمهم وإن أتى أحد ليسألها، تحلف بالله العظيم كذبًا، وأكون أنا شاهدًا على حصول الموقف أمامي.
صارت أمي تُعامل زوجتي وزوجات أخي كأنهنَّ ضرائرُ لها، فأصبحت حياتي أنا وإخوتي جحيمًا، وأمي تُحرِّضنا على زوجاتنا بطريقة غير مباشرة؛ فإن قلت سأُحضر أغراض البيت للطبخ، تجلس وتقول: زوجاتكم في رفاهية دائمة، ولا أجد إنسانًا يعامل زوجته مثلكم.
أمي أيضًا لا تُحب أبناءنا، بل تطردهم، كذلك فهي تَحسُد نساءَنا على أتفه الأسباب، وتتمنى ألا نَملِك المال؛ حتى لا تتنعم زوجاتنا، مع أنها ميسورة جدًّا وهنَّ فقراء، وقد كتمتُ هذا الشيء في نفسي.
جاء أخي يشكو أمَّه من المشكلة، فأنكرتُ عليه ذلك، وقلت له إنه وهمٌ منه؛ حتى لا يغضب، وأمي دائمًا تضع نفسها موضع المظلومة، وتدَّعي المرض والإغماء لتنال الشفقة، وإن أشفقتُ على زوجتي في حمْلها أرى أمي تتصنَّع المرض، أنا دائمًا أقف إلى جانب أمي ضد زوجتي، وأتعمَّد أن أغلظ القول على زوجتي أمامها؛ لكي لا أغضبها، فماذا أفعل مع أمي؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين:
ملخص رسالتك:
معاناة مع والدتك في غَيْرتها على زوجتك، واكتشفت أنها تظلمها في القول، وتحاول أن تسترضيَها أحيانًا بالغلظة على زوجتك، وأنها تحرِّضك على زوجتك، وتدَّعي المرض لتلفت الانتباه للعطف عليها، وتخاف على أمك من الظلم، وتستشير كيف التعامل مع هذه الحالة:
الجواب:
تحليل المشكلة:
١- الصفات التي ذكرها السائل تنطبق على: الحماة المتسلطة، الغيورة، صاحبة المزاج المتقلب.
٢- المشكلة ليست على زوجتك فقط، إنما على العائلة برُمَّتها.
٣- تعدى الأمر إلى التحريض والتحريش بغرض الإفساد.
٤- اكتشفتُ السلوك من المعنيَّة بوضوح.
٥- حتى إن أخاك عانى من المشكلة نفسها.
٦- هناك أسلوب تقلُّب حال حضورك وحال غيابك في التعامل مع زوجتك.
٧- بيَّنتَ أن زوجتك ملتزمة وطيبة، وأنك تغلظ عليها القول من أجل إرضاء أمك.
تريد حلًّا للتعامل مع هذه الحالة، فأنصح باتباع هذه التوجيهات:
١- لا بد من تحليل المشكلة والاعتراف بها أنت وإخوتك، وتُناقَش بينكم بهدوء بعيدًا عن زوجاتكم وأمكم.
٢- العلم اليقيني أن الأم لا يعدلها شيء مهما بدر منها، وأنها صاحبة فضل، ولها السمع والطاعة في غير معصية، وأن طاعتها والإحسان إليها واجب؛ قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]، ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ يعني: صحبتي، قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك))؛ [متفق عليه]، وفي رواية: ((يا رسول الله، من أحق بحسن الصحبة؟ قال: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أباك، ثم أدناك أدناك))؛ [رواه مسلم].
فتعاملوا معها بحذرٍ أن تغضب أو تسمع ما يجرحها؛ فتقعوا في العقوق.
٣- لتعلموا أن هذه التصرفات من الأم صادرة عن غَيْرةٍ مفرطة؛ ولها أسباب عدة؛ منها:
أ- تشعر الأم أن الزوجات قد أخذن أولادها.
ب- ربما ترى منك الاهتمام الزائد بالزوجة أمامها، وتشعر بأنك تركتها وأخذتك منها، بينما كنت قبل الزواج الولد المدلل لأمك، فجاءت الزوجة وفقدت ذلك الحنان والدلال.
ج- ربما الزوجة تتفاخر بلباسٍ أو بتبعُّلٍ أمام أمك فتغار منها.
د- قد تقدم طلبات زوجتك على طلبات أمك، أو تخرج بزوجتك للنزهة ولا يكون لأمك نصيب.
هـ- ربما عند اجتماعكم يقتصر الحديث الجميل مع زوجاتكم، والأم في وادٍ آخرَ لا تشعر بالاهتمام.
و- ربما كانت الأم تحظى بميزات منكم فقدتها بعد زواجكم.
٤- عليك ألَّا تتجاهل المشكلة مع أخيك عندما أبلغك بها، بل تتدارس معه كيفية الحل.
٥- الاتفاق مع الزوجات أنت وأخوك بأن هذه والدتنا، وهي كبيرة في سنها وتحتاج حنانًا وطاعة، ونحن لا نهضم حقكم في التعامل الراقي، فقط نريد أن نتعامل مع المشكلة بالأسلوب الحسن والتعامل الراقي؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34، 35].
٦- كن إيجابيًّا عند زيارتك لوالدتك، وتغافل عن كل ما يصدر منها، وإذا حاولت التأنيب على الزوجة، فغيِّر الموضوع وتجاهله ولا تفتح صفحته.
٧- لا تظلم زوجتك بإهانتها أو سبها أمام أمك إرضاء لها؛ فهذا ليس من العدل والإنصاف.
٨- كما فهمت من رسالتك أنك تسكن في بيت مستقل عن منزل والدتك، هذا جيد للبعد عن الاحتكاك المستمر.
٩- هناك أمر مهم لكل العائلة في الاستقرار وعدم وقوع المشاكل، وهو الاستقامة على طاعة الله تعالى، والمحافظة على الصلاة، والمداومة على ذكر الله في المنزل، فالذكر طارد للشياطين، موجب للبركة والاطمئنان؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
١٠- الهدية لها وقر في القلب، فلو عملتَ برنامجًا لهذا بين الفترة والأخرى، فتكون هدية رمزية مقدمة منك ومن زوجتك لأمك، ولو كانت حلوى أو وردة أو أي شيء، فلها منزلة لدى المستهدف.
١١- النصح للأم بتقوى الله تعالى، وأن العبد مؤاخذ بما يقول ويفعل، وأن الله يحاسب يوم القيامة، ويقدم النصح بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حسب ظروف الأم في التقبل.
١٢- يفضل أن يكون هناك اتفاق مع إخوانك وزوجاتكم بالتوافق في أسلوب المعالجة؛ لتحس الأم بالتقدير، وأنها الكل في الكل، والكل يحترمها ويعلي من شأنها.
١٣- الدعاء والتضرع لله تعالى بأن يهديَ قلبها ويثبتها، ويصرف عنها سيئ الأخلاق، ويقذف في قلبها حبكم والرضا عنكم.
١٤- التحلي بالصبر والتحمل ومقابلة الإساءة بالإحسان.
أسأل الله القدير أن يجمع شملكم ويهدي أمكم، ويشرح صدوركم، وتعيشوا في سعادة ووئام، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك