05-19-2023, 05:13 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 357,251
|
|
خطبة: وقفات مع آيات
خطبة: وقفات مع آيات
يحيى سليمان العقيلي
معاشر المؤمنين:
نقف اليوم مع آيتين من كتاب الله تعالى، نتدبر ما فيهما من معانٍ جليلة، وثمرات جميلة، ومواعظَ بليغة، تَلَوناها كثيرًا، ولكن التدبر والنظر يفتح من المعاني والعِبر ما لا يدركه المرء في تلاوة السرد والحَدْرِ؛ وكما قال ربنا جل وعلا: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29].
أما الآية الأولى؛ فهي قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152].
فاذكروني - أيها المؤمنون - بطاعتكم إياي فيما آمركم به، وفيما أنهاكم عنه، أذكِّركم برحمتي إياكم، ومغفرتي لكم؛ وعن سعيد بن جبير قال: "اذكروني بطاعتي، أذكركم بمغفرتي"، وعن الربيع قال: "إن الله ذاكرٌ مَن ذكره، وزائد من شكره، ومعذِّب من كفره".
ما أيسره من عمل، وأعظمه من جزاء! وما أرفعه من شرف! يا عبدالله، تذكَّر الله ربك وخالقك، وربَّ كل شيء ومليكه؛ فيذكرك؛ تذكره في نفسك، فيذكرك في نفسه، تذكره في ملأ، فيذكرك في الملأ الأعلى، تذكره في الرخاء، فيذكرك في الشدة، تذكره في العافية، فيذكرك في البلاء، تذكره في الضراء، فيذكرك في السراء.
روى ابن ماجه عن عبدالله بن بسر أن أعرابيًّا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن شرائع الإسلام قد كثُرتْ عليَّ فأنْبِئني منها بشيء أتشبَّث به، قال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله عز وجل)).
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدي إذا هو ذكرني، وتحركت بي شفتاه)).
وذِكْرُ الله تعالى أفضلُه ما تواطأ عليه القلب واللسان، وهو الذكر الذي يثمر معرفة الله ومحبته، وكثرة ثوابه؛ قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: "ما عمِل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله".
ثم قال جل وعلا: ﴿وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152]؛ أي: على ما أنعمت عليكم بهذه النِّعَمِ، ودفعت عنكم صنوف النِّقم، والشكر يكون بالقلب إقرارًا، بالنعم اعترافًا، وباللسان ذكرًا وثناءً، وبالجوارح طاعةً لله وانقيادًا لأمره، واجتنابًا لنهيه، فالشكر - عباد الله - فيه بقاء النعمة الموجودة، وزيادة في النعم المفقودة؛ قال تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7].
وفَّقنا الله لرضاه، وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
معاشر المؤمنين:
نقف مع آية أخرى؛ وهي قوله تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 197]؛ آية تسكُبُ في قلبك - يا عبدالله - الطمأنينة والثقة، وتملؤه باليقين والأنس، فخيرُك محفوظٌ عند الله جل وعلا؛ فهو الحفيظ العليم، وهو الودود الشكور تبارك وتعالى، وإن أردت مزيدًا؛ فهذا قوله تعالى: ﴿وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾ [آل عمران: 115].
وإن أردت كذلك يقينًا، فاستمع لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ [الأنبياء: 94].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تصدَّق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يُربِّيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فَلُوَّه، حتى تكون مثل الجبل))؛ [متفق عليه].
فلا تَمَلَّ – يا عبدالله - من أعمالك الصالحة، ولا يخذُلَنَّك الشيطان عنها بالتثبيط والتشكيك، وبالتيئييس والغفلة، ولا تستكثر على ربك شيئًا مما عملته أو ستعمله، ولا تستطيل الشهور والأعوام في طاعة الله، فربُّنا جل وعلا أوصى نبيه صلى الله عليه وسلم باستدامة العبادة حتى يلقاه؛ فقال سبحانه: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99]؛ يقول ابن الجوزي رحمه الله: "أسفًا لعبد كلما كثرُت أوزاره قلَّ استغفاره، وكلما قرُب من القبور، قوِيَ عنده الفتور".
فلنحمَدِ الله - عباد الله - أن هدانا للإيمان، ولندعُهُ بكرةً وعشيًّا أن يثبتنا على طاعته، وأن نستقيم على صراطه، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
__________________
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|