02-22-2023, 01:22 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 360,081
|
|
الأبرار والعتق من النار
الأبرار والعتق من النار
خميس النقيب
تتعدَّد النفحات في شهر رمضان، وتكثُر القربات، وتتنوَّع الطاعات، تكثُر الأسواق في العشر الأواخر منه، فهناك أسواق للصدقات، وأسواق للقرآن، وأسواق للقيام، وأسواق للتهجد، وأسواق للدعاء، وأسواق لصلة الأرحام، وأسواق للاعتكاف والانقطاع لله، وهناك أسواق خاصة للعتق من النار!
العتق من النار؛ يعني النجاة من النار والفوز بالجنة، وهذا الأمر غاية الفلاح والنجاح والفوز، قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ [آل عمران: 185].
إن كثيرًا من المؤمنين الأبرار يخشون ربَّهم، يرجون رحمته ويخافون عذابه، يستغيثون به في كل عام من رمضان أن يَعتق رقابَهم من النار، لقد بشَّرهم نبيُّهم وحبيبهم بأن الله يعتق رقاب العباد في كل يوم وليلة من رمضان عند الفطر، ولكل عتيق دعوة مستجابة.
عن أبي سعيد الخُدْري مرفوعًا: إن لله - تبارك وتعالى - عتقاءَ في كل يوم وليلة - يعني: في رمضان - وإن لكل مسلم في كل يوم دعوةً مستجابة؛ أخرجه البزار في كشف الأستار.
إنهم يُخلصون العبادة لله، ذاكرين شاكرين، منيبين مخبتين، حامدين مكبِّرين، مسبِّحين مهللين، قال صلى الله عليه وسلم: لن يوافي عبد يوم القيامة يقول: "لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله، إلا حرَّم الله عليه النار"؛ رواه البخاري.
إنهم يرجون رحمة الله، ويتعوَّذون من عذاب الله، ويُلحون في الدعاء أن يعتق الله رقابَهم، يبكون من خشية الله، يَذرفون دموع التوبة، دموعَ الخشية، دموع الاعتراف بالذنب، دموع التعوذ من النار وطلب العتق؛ قال صلى الله عليه وسلم: "لا يَلِجُ النار رجل بكى من خشية الله، حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخانُ جهنَّم في منخرَي مسلم أبدًا"؛ رواه الترمذي وغيره بسند صحيح.
البكاء من خشية الله يكثُر عند الأبرار في العشر الأواخر، وخاصة مع قرب انتهاء الشهر، والبكاء من خشية الله سبب في أن يكون المرء تحت ظلِّ عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظلُّه، "ورجل بكى من خشية الله".
الدمعة التي تُذرف لله أشرفُ الدمعات وأرقُّها وأرقاها، إنها الدمعة التي تغسل الخطايا والذنوب، إنها الدمعة التي فيها رضا الرب جل جلاله، خاصة في شهر رمضان شهر القرآن، حريٌّ بالمسلم أن يعود إلى ربه، ويستغفر من ذنبه، ويستأنف الطريق اليه، وأن يقفَ عند الآيات وما فيها من العبر والعظات، عندها تتحرك القلوب وتتأثَّر، تتطهَّر وتخشَع، تفرَح بالقرآن، وتتمتَّع بالصيام والقيام، وتفوز بالعتق من النيران.
يكثُر العتقاء من النار في أيام الصوم في رمضان بمغفرة ذنوبهم، وقَبول عبادتِهم، وإجابة دعواتهم وحِفظهم من المعاصي التي هي أسباب العذاب، وهذا الوعد بهذا الكسب العظيم يشحذ هِمَمَهم، ويقوِّي إيمانهم، ويُطمئن قلوبهم، ويريح بالَهم، ويدفَعهم للتسابق إلى إحسان عبادتهم، وإخلاص صيامهم، وعِمارة أوقاتهم بما يزيد قُرْبَهم من ربِهم، عسى أن يفوزوا بكَرَمه بالعتق من النار؛ عن ابن مسعود مرفوعًا: له تعالى عند كل فطر من شهر رمضان كلَّ ليلة - عتقاءُ من النار ستون ألفًا، فإذا كان يومُ الفطر أَعتَقَ مثل ما أعتَق في جميع الشهر ثلاثين مرة ستين ألفًا؛ رواه البيهقيُّ في "شُعَب الإيمان"، وقال المُنذري: "وهو حديث حسن لا بأس به في المتابعات".
فضلًا عن عتقاء كل يوم، يعتق الله تعالى ليلة عيد الفطر بعدد ما أعتَق في شهر رمضان، وهذا فضلٌ كبير من الله الكريم القدير سبحانه، يتلطَّف على عباده، فيعتق رقابهم ويغفر ذنوبهم ويرفع قدرهم.
الأبرار يدخلون أسواق العتق من النار، فيخرجون مجبورين موفَّقين مُجابين، فلكل عتيق دعوة مستجابة، ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]، وهذا يشجع الصائمين للإكثار من الدعاء وسؤال ربهم إجابةَ دعَواتهم، وتلبية حوائجهم، وتفريج كُرَبهم، وإزالة همهم، وتحقيق أمنيَّاتهم، عسى إنْ كانوا من العتقاء أنْ تُستجاب دعواتُهم، فليتحرَّ الصائمون إخلاصَ الدعاء، خاصة عند الإفطار.
إن العتقاء يَحصلون على الحرية، الحرية من الموبقات، الحرية من السيئات، الحرية من الأوزار والشر والأشرار، الحرية بعد أن كانوا عبيد الكاس والطاس، عبيد الدرهم والدينار، عبيد الأهواء والأوهام، عبيد الكذب والضلال، عبيد النفاق والشقاق، وبالتالي ينضموا للأبرار الاحرار، وينتظروا ما أعدَّ الله لهم من خير وجنات وأنهار، ﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 198].
اللهم اجعَلنا من عبادك الأبرار وأعتِق رقابنا ورقابَ آبائنا وأمهاتنا وعلمائنا ومُحبينا من النار.
__________________
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|