مقتطفات طبية من كلام ابن القيم
عائشة جلال الأصفر
في هذا المقال اخترتُ لكم بعض الفوائد الطبية التي وجدتها من خلال مطالعتي لكتاب "الطب النبوي لابن قيم الجوزية"، وهي تتناول طبيعة الداء وفعالية الدواء، وستجدون مدى مطابقتها لأصول وقواعد الطب الذي توصل إليه العلماء حديثًا، ويعملون بها الآن، وقد قسمتها إلى أربع فوائد:
الفائدة الأولى: الغذاء قبل الدواء والبسيط قبل المركب:
يقول ابن القيم: "وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء، لا يُعدَل إلى الدواء، ومتى أمكن بالبسيط، لا يعدل إلى المركب".
يبيِّن ابن القيم في كتابه أهمية العلاج بالغذاء، والبَدء به في كل الأمراض، لكن إن لم يفلح ذلك، فإنه يدعو الشخص إلى أن يلجأ للعلاج بالأدوية، ثم يبين للطبيب المعالج أن يستخدم الأدوية المكونة من مركبات بسيطة، فإن لم يفلح ذلك استخدم الدواء ذو المكونات المعقدة، وهذا التدرج الذي يوضحه ابن القيم هو الذي يستخدمه الطبيب الحاذق؛ وكمثال من واقعنا اليوم: أمراض انسداد الشرايين والدهون الثلاثية تُدفَع بالحمية، وتناول الغذاء الصحي المليء بالخضروات والفواكه الخالي من الدهون والدسم، فإن لم يستطع الشخص أن يغير نظامه الغذائي، فسيضطر إلى تناول الدواء الذي يعمل على إذابة الدهون لمنع انسداد الشرايين، فإن زادت حالته، اضطر إلى أدوية أكثر تعقيدًا أو إلى إجراء عملية، وهكذا في معظم الأمراض.
الفائدة الثانية: التقليل من استخدام الأدوية:
يقول ابن القيم: "ولا ينبغي للطبيب أن يُولَعَ بسقي الأدوية؛ فإن الدواء إذا لم يجد في البدن داء يحلله، أو وجد داءً لا يوافقه، أو وجد ما يوافقه فزادت كميته عليه أو كيفيته - تشبَّث بالصحة وعبث بها".
وهنا نبَّه ابن القيم الأطباء في هذا النص إلى الحذر من وصف الدواء لكل مرض؛ فبعض الأمراض يشفى المريض بمجرد مقاومته الداخلية من جهاز المناعة الذي وهبه الله إياه، أو بمجرد تعديل نظامه الغذائي كمرض السكري في بداياته مثلًا، وقال أنه إذا شرب المريض ذو المرض الخفيف دواءً لا يحتاج إليه، أو يمكنه الاستغناء عنه، فإنه قد يتلف أي عضو يواجهه داخل الجسم.
الفائدة الثالثة: أمراض أهل المدن والبادية وعلاجها:
يقول ابن القيم: "الأمة والطائفة التي غالب أغذيتها المفردات أمراضُها قليلةٌ جدًّا، وطبُّها بالمفردات، وأهل المدن الذين غلبت عليهم الأغذية المركبة يحتاجون إلى الأدوية المركبة؛ وسبب ذلك أن أمراضهم في الغالب مركبة، فالأدوية المركبة أنفع لها، وأمراض البوادي والصحاري مفردة، فيكفي في مداواتها الأدوية المفردة".
وفي هذا الموضع من الكتاب يوضح ابن القيم الفرق بين الأمراض التي تصيب أهل البادية وأهل المدن، وكيف أن أهل البادية تصيبهم الأمراض البسيطة؛ وذلك بسبب غذائهم السليم الذي لا يحتوي عادة على المكونات الموجودة في غذاء أهل المدن، فهم يشربون ويأكلون مما ترعاه وتحصده أيديهم، أما أهل المدن فبسبب ما يملكون من حضارة وازدهار، فإن نظامهم الغذائي يحوي العديد من المواد التي بينها ما يضر بالجسم؛ لذا فإنه ينصح أهل البادية باستخدام الأدوية البسيطة عند المرض، أما أهل المدن فينصحهم باستخدام الأدوية المركبة؛ لكونها أكثر تأثيرًا وقضاء على المرض، وهذا الاختلاف بين أهل البادية وأهل الحضر ملاحظ في كل زمان.
الفائدة الرابعة: أهمية تحديد الجرعة الدوائية:
يقول ابن القيم: "أن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب حال الداء، إن قصر عنه لم يزله بالكلية، وإن جاوزه أوهى القوى، فأحدث ضررًا آخر".
وهنا ذكر ابن القيم أهمية المقدار والجرعة المناسبة التي يجب أن يسقيَها الطبيب للمريض، فذكر قصة الرجل الذي أصابه داء في بطنه زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمره الرسول بشرب العسل، فلم يبرأ من مرضه حتى شرب المقدار الذي يستوجب الشفاء بإذن الله، كما ينبه القارئ إلى ضرورة الانتباه لعدم زيادة الجرعة لاستعجال الشفاء مثلًا؛ فقد تُحدِث مرضًا آخر بدلًا من أن يبرأ من مرضه الحالي.
هذا ما أحببتُ مشاركتكم به من الفوائد، ومن أراد الاستزادة، فعليه بكتاب "الطب النبوي لابن قيم الجوزية"، ففيه ما يغني الشخص عن مطالعة الكثير مما كُتب في الطب البديل، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك