كم مهنة تتقن؟
صالح الشناط
لي صديقٌ يتقن العديدَ من المهن، ولو تعطل شيء في بيته متعلقٌ بكهرباء أو ماء أو غيرها، لا يستعين بصاحب مهنةٍ لأنه قادرٌ على إصلاحها، وكذلك إذا ما طرأ عطلٌ في سيارته.
قلت له: يا فلان، كيف تعلمتَ كل هذه المهن؟. قال: "رحم الله الوالد، كان يدفعني أنا وإخوتي في كل صيف أثناء الإجازة للعمل، ليس لأجل كسب المال بقدر ما هو لأجل تعلم مهنة، حتى نضجتُ وأنا أتقن الكثير من المهن، فما كان صيف يضيع باللعب، ما عاد يصعب علي شيء".
بالمقابل أحد الأصدقاء، بعد أن تخرج من الجامعة بقي 3 سنوات يبحث عن عمل في تخصصه، حتى اضطر ليكون عاملاً في الورش الصناعية، فما كان يقوى ولا يتقن عمل شيء، لأنه ضعيف البنيان، عديم الخبرة والإتقان.
لماذا نرضى بتخصص واحد؟. أو مهنة واحدة؟. لماذا لا نسعى لأكثر من ذلك، حتى إذا ضاقت بنا الأحوال، وعصفت الأهوال ولم نجد مجالاً في اختصاصنا بحثنا عن فرصة في المجال الثاني؟. وربما الثالث والرابع؟.
يستطيع الإنسان أن يتعلم ويتقن العديد من المهن والوظائف، وليست تلك دعوة لعدم التخصص، بل هي دعوة للتخصص، بمعنى أن يبرع الإنسان في كل المهن والتخصصات التي يقبل عليها، ولذلك استخدمت كلمة "الإتقان" وليس مجرد القيام بالعمل.
يقول كابير سيغال Kabir Sehgal وهو مؤلف كتب حققت أكثر مبيعات في "نيويورك تايمز" و"ول ستريت جورنال"، ويتقين 4 تخصصات: "إن أكثر التساؤلات التي توجه لي: كم تنام؟ كيف تجد وقتاً لكل هذا؟ ودائما تكون إجابتي: أنام كثيراً وأُوجد الوقت لفعل كلّ هذا؛ ولكن هذه الأسئلة لا تصل إلى صميم ما يدفعني لفعل هذا. فالسؤال الأهم هو: لماذا تملك وظائف متعددة؟.
والإجابة تكون ببساطة: أشعر بالسعادة والإنجاز بسبب عملي في أكثر من مكان، وهذا ما يساعدني على أن يكون أدائي أفضل".
نعم إن النجاح في عدة مجالات وإتقانها يجعل الإنسان سعيداً وراضياً عن نفسه، حيث يشغلها بما يعود عليه بالنفع وعلى مجتمعه. إني لأعجب من بعض العرب أو غيرهم ممن يهاجر إلى الدول الأوروبية وكندا، ثم يعيش عالة على الدولة هناك. يبقى سنوات يقتات من المخصصات التي تدفعها الدولة لأبنائه! ترى ما قيمة تلك الحياة، هل هي مجرد: أكلَ، شربَ، نامَ؟.
ما هي إضافتك في الحياة، أين بصمتك؟. أين أثرك؟. هل تسهم في إعمار الأرض ونفع المجتمع؟. أين هي قيمة الحياة؟.
عندما أتيت إلى كندا وجدتُ أن بكالوريوس اللغة العربية والماجستير في التربية ليس هنا مكانها، ففرص العمل فيها ضئيلة جداً، حينها نبشت في مهن الماضي، فوجدت أني أصلح لأن أكون في بعض المهن، حيث كنت قد عملت بها أثناء الدراسة.
ونصيحتي للآباء أن ادفعوا بأبنائكم في العطل الصيفية إلى تعلم المهن الحرة، لا تظنوا أنكم ترأفون بهم وأنكم تخافون وحريصين عليهم؛ ولذلك تجعلون العطلة للعبهم، كلا فإن الرأفة والرحمة هي بأن تسهم في صناعة مستقبل ابنك وهو صغير، فتعلمه وتدربه وتهيئه ليكون رجلاً في المستقبل، وليس القصد من ذلك أن يكون رجلاً وهو طفل، فمن الأخطاء أن تجعل من ابنك رجلاً وهو طفل، دعه يعيش كل مرحلة بخصائصها، ولكن مع ذلك ساهم في صناعة مستقبله.
ولتعلم مهننة أو وظيفة عليك قبل البدء بالتأكد من التالي:
• عليك أن تؤمن بما تقوم به، فتعلُّم المهنة ليس صعباً ولكنه في الوقت نفسه ليس سهلاً، فإذا لم تكن مؤمناً بما أقدمت عليه فلن تصبر، وستسقط قبل الوصول.
• ضع هدفاً لنفسك واسألها لماذا أقوم بذلك؟ وكذلك ضع خطة للمهنة التي تريد أن تتعلمها.
• استفد من الإنترنت والفيديوهات التي تساعدك في تخصصك الجديد.
• اعلم أنه كلما زخرت قائمة تاريخك الوظفي employment history كلما ازدادت قيمتك، وأتيحت أمامك الفرص، وكما قيل في الحكمة: "قيمة كل امرءٍ يحسن".
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك