12-22-2022, 03:09 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 359,472
|
|
الأسرة والابتلاء بالعقم
الأسرة والابتلاء بالعقم
عدنان بن سلمان الدريويش
إن الولد نعمة جليلة من أعظم النعم التي يمنُّ الله بها على الإنسان، وهو زينة الحياة الدنيا؛ قال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46]، وللأولاد مصالح وفوائد كثيرة في الدارين لا يحصيها إلا الله من الصلة والبر والدعاء للوالدين والإحسان إليهما، واتصال النسب، وإحياء الذكر، والقيام بشؤونهما أحياءً وأمواتًا، وغير ذلك من المنافع العظيمة.
وقد يمنع الله الولد عن بعض الناس ويجعله عقيمًا؛ كما قال تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 49، 50].
وقد يلحق العقيمَ سواء كان رجلًا أو امرأة هَمٌّ وحزنٌ من جراء فَقْد الولد، وهذا أمر طبيعي من الفطرة، لا يؤاخذ عليه المرء شرعًا ولا يُلام على ذلك، فإن صبر واحتسب الأجر على الله وأحسن الظن بربه جُوزي أجرًا عظيمًا، وإن جزع وتسخط وأساء الظن بربه، فاته خير عظيم، وباء بالإثم الكبير.
وسعيُ العقيمِ في تحصيل الولد وبذل الأسباب لا يُنافي التوكل على الله ولا ينقص الإيمان، والإنسان مفطور على حب الولد، ويشترط في ذلك أن تكون الأسباب نافعة سواء كانت أسبابًا عادية مباحة مجربٌ نفعُها؛ كالتداوي بالعقاقير الطبية، أو أسبابًا شرعية دلَّ الشرع عليها؛ كالرقية ونحوها، ولا يجوز بحال تعاطي الأسباب المحرمة من السحر والدجل والأوهام وغير ذلك مما تذهب دين العبد، وتُفسد عقله، وتُضيِّع ماله.
والدعاء من أعظم الأسباب في حصول الولد؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ))، والحديث حسَّنه الألباني في صحيح الترمذي.
وهناك أمور على من ابتُلي بالعقم التفكُّر فيها وتأمُّلها:
1- أن يوقن أن ما من أمرٍ قضاه اللهُ وقدَّره إلا لحكمة بالغة، فإذا تفكر في فقد ولده أنه أمر قُدِّر عليه لحكمة- ولو خفيت عليه- حصل له التسليم التام والرضا بذلك، وهذه حالة إيمانية عظيمة، من استشعرها هان عليه الأمر.
2- أن ذلك من البلاء الذي يُبتلى فيه المؤمن في الحياة الدنيا ليرى الله صدقه من كذبه، وإيمانه من نفاقه، وتسليمه من تسخُّطه، وكل يُبتلى بنوع من البلاء، وقد ابتُلي بأغلى شيء فليصبر.
3- ما يترتب على الصبر من عظم الجزاء ودخول الجنة؛ فالجزاء من جنس العمل، فكلما عظم البلاء عظم الجزاء.
4- أنه ربما صرف الله عنه الولد لطفًا به، ودفع عنه أعظم الشرَّين لعلم الله السابق أنه لو رزق ولدًا لكان فتنة له في دينه وشغلًا عن طاعته وعذابًا له، كما قص الله سبحانه عن غلام الخضر حينما قتله؛ قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾ [الكهف: 80، 81].
5- أن هذا الأمر لم يخصه الله به؛ بل كتبه على طائفة كثيرة ممن قبله أو بعده، يشاركونه في فَقْد الولد، وأن الله كما فاوت بين الناس في الرزق؛ فجعل منهم الغني والفقير، فاوت أيضًا بينهم في هذا الباب؛ فجعل منهم عقيمًا ومنهم ولودًا، والتفكُّر في هذا يُهوِّن الأمر عليه ويُسلِّيه.
أسأل الله أن يرزق كل عقيم، وأن يجعله من الصابرين المحتسبين، وأن يجعل بيوتنا عامرةً بالطاعة والعمل الصالح وحسن الخلق، وأن يصلح لنا ولكم الذرية، وصلى الله على سيدنا محمد.
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|