بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
{ هل هناك بِدعة حَسَنة ؟ }
في حديثِ جريرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنه ذَكَر أنَّ
النبيَّ ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم)، حثَّ على الصدقَةِ قال :
فجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ .
قَالَ : ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ
حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم)، يَتَهَلَّلُ
كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم)، :
مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ
عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ ،
وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا
وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيءٌ .
رواه مسلم .
قال الإمامُ الشاطبيُّ في الأجوبةِ عمّا يَستَدِلُّ بِهِ الْمُبْتَدِعَة في
هذا الحديثِ :
أَمَّا الْوَجْهُ الأَوَّلُ ; فَإِنّ قَوْلَه صلَّ الله عليهِ و سلَّم)،:
" مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً " الْحَدِيثَ . فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الاخْتِرَاعَ أَلْبَتَّةَ ..
ولَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الاسْتِنَانَ بِمَعْنَى الاخْتِرَاعِ ،
وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْعَمَلُ بِمَا ثَبَتَ مِنَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ ..
فتأمّلُوا أين قال رسولُ اللهِ ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم)، :
" مَن سُنّ سُنّةً حَسَنةً " وَ" مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً " ؟
تَجِدُوا ذلك فيمن عَمِلَ بِمُقْتَضَى المذكورِ على أبْلَغِ
ما يَقْدِرُ عليه حتى بِتِلكَ الصُّرَّةِ ، فانْفَتحَ بسببِه
بابُ الصَّدقَةِ على الوجهِ الأبْلَغِ ، فَسُرَّ بذلك رسولُ
اللهِ ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم)،حتى قال : " مَن سَنَّ في
الإسلامِ سنةً حسنةً .. " الحديثَ ، فَدَلّ على أنَّ السُّنَّةَ
ها هنا مثلُ ما فعلَ ذلك الصحابيُّ ، وهو العملُ بما
ثَبَتَ كَونُه سُنّةً ... ووجه ذلك في الحديثِ الأولِ ظاهرٌ
لأنه ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم)، لِمَا مَضَى على الصَّدَقةِ أوّلاً
ثم جاء ذلك الأنصاريُّ بما جاء به ، فانْثَالَ بَعده العطاءُ
إلى الكفايةِ ، فكأنها كانت سُنّةً أيْقَظَها رضي الله
تعالى عنه بِفِعْلِه . فليس معناه مَن اخْتَرَعَ سُنّةً
وابْتَدَعها ولم تكُنْ ثَابِتةً .
والوجهُ الثاني مِن وَجْهَي الجوابِ : أنَّ قولَه :
" مَن سَنَّ سُنّةً حَسنةً ... ومَن سَنّ سُنّةً سيئةً "
لا يُمْكِنُ حَمْلُه على الاختراعِ مِن أصلٍ ؛
لأنَّ كونَها حَسَنةً أو سيئةً لا يُعْرَفُ إلاّ مِن جِهةِ الشَّرْعِ ،
لأنَّ التّحْسِينَ والتّقْبِيحَ مُخْتَصٌّ بِالشَّرْعِ ، لا مَدْخَلَ للعَقْلِ فيه ،
وهو مذهبُ جماعةِ أهلِ السنة .
وإنما يقولُ به الْمُبْتَدِعَةُ ، أعْنِي : التحسينَ والتقبيحَ بالعَقْلِ ،
فَلَزِم أنْ تكونَ السُّنَّةُ في الحديثِ إما حَسَنةً في الشَّرْع ،
وإما قَبيحةً بِالشَّرْعِ . فلا يَصْدُقُ إلاّ على مثلِ الصّدَقةِ
المذكورةِ وما أشبهها مِن السُّنَنِ الْمَشْرُوعَةِ .
وتَبْقى السُّنَّةُ السيئةُ مُنَزّلةٌ على المعاصي التي ثَبَتُ
بالشرعِ كَونُها مَعاصيَ ، كَالْقَتْلِ الْمُنَبَّه عليه في حديثِ ابنِ آدمَ ،
حيث قال عليه السلام : " لأنه أوّلُ مَنَ سَنَّ القَتْلَ "،
وعلى البِدَعِ لأنه قد ثَبَتَ ذَمُّها والنهيُ عنها بِالشَّرْعِ،
كما تقدم
وأما قولُه : " مَن ابتدعَ بدعةَ ضَلالةٍ " فهو على ظاهرِه ،
لأن سَببَ الحديثِ لم يُقَيِّدْه بِشيءٍ ،
فلا بُدَّ مِن حَمْلِه على ظاهرِ اللفظِ .
ويَصِحُّ أنْ يُحْمَلَ على نحو ذلك قولُه : " ومَن سَنَّ سُنةً سيئةً " ،
أي : مَن اخْتَرَعَها ، وشَمِلَ ما كان منها مُخْتَرَعًا ابتداءً مِن
المعاصي ، كَالْقَتْلِ مِن أحَدِ ابْنَيّ آدَمَ ، وما كان مُخْتَرَعًا بِحُكْمِ الْحَالِ ،
إذ كانتْ قَبْلُ مُهْمَلَةً مُتَنَاسَاةً ، فأثَارَها عَمَلُ هذا العَامِلِ .
فقد عاد الحديثُ - والحمدُ للهِ - حُجّةً على أهلِ البِدَعِ مِن
جِهةِ لَفْظِه ، وشَرْحِ الأحاديثِ الأُخَرِ له . اهـ .
وممّا يدلُّ على أنَّ المقصودَ إحياءُ السُّنَنِ ،
وليس اختِراعٌ وإحداثٌ في دِينِ الله : ما جاء في حديثِ حذيفةَ
رضي الله عنه قَال : سَأَلَ رَجُلٌ ([1]) عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم فَأَمْسَكَ الْقَوْمُ، ثُمَّ إِنَّ رَجُلا أَعْطَاهُ فَأَعْطَى الْقَوْمُ،
فَقَال النَّبِيُّ ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم)، : مَنْ سَنَّ خَيْرًا فَاسْتُنَّ
بِهِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ وَمِنْ أُجُورِ مَنْ يَتَّبِعُهُ غَيْرَ مُنْتَقِصٍ مِنْ
أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ سَنَّ شَرًّا فَاسْتُنَّ بِهِ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ
وَمِنْ أَوْزَارِ مَنْ يَتَّبِعُهُ غَيْرَ مُنْتَقِصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا .
رواه الإمام أحمد ، وَصحّحه الألباني والأرنؤوط .
وما جاء في حديثِ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَال :
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ (( صلَّ الله عليهِ و سلَّم)، فَحَثَّ عَلَيْهِ ،
فَقَالَ رَجُل : عِنْدِي كَذَا وَكَذَا . قَال : فَمَا بَقِيَ فِي الْمَجْلِسِ
رَجُلٌ إِلاّ قَدْ تَصَدَّقَ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم)، مَنْ سَنَّ خَيْرًا فَاسْتُنَّ بِهِ ، كَانَ لَهُ أَجْرُهُ كَامِلا ،
وَمِنْ أُجُورِ مَنْ اسْتَنَّ بِهِ لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ،
وَمَنْ اسْتَنَّ شَرًّا فَاسْتُنَّ بِهِ ، فَعَلَيْهِ وِزْرُهُ كَامِلا ،
وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِي اسْتَنَّ بِهِ لا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا.
رواه الإمام أحمد وابن ماجه ، وَصحّحه الألباني والأرنؤوط .
والله تعالى أعلم .
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم.
§§§§§§§§§§§§§§§
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك