شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 9 > منتدى العقيدة
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: نعمة الحسان مصحف مقسم صفحات ثابتة واضحة 604 صفحة كامل المصحف المصور فيديو (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: ب حفص الحذيفي مصحف مقسم صفحات ثابتة واضحة 604 صفحة كامل المصحف المصور فيديو (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1436 عام 2015 سورة 024 النور (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1436 عام 2015 سورة 012 يوسف (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1436 عام 2015 سورة 014 إبراهيم (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1436 عام 2015 سورة 026 الشعراء (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1436 عام 2015 سورة 013 الرعد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1436 عام 2015 سورة 023 المؤمنون (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1436 عام 2015 سورة 011 هود (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1436 عام 2015 سورة 010 يونس (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 05-11-2015, 01:31 AM
منتدى اهل الحديث منتدى اهل الحديث غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 5,969
افتراضي الرحمن وسبب خلق الإنسان

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد

من فضل الله علينا ورحمته بنا أنزل إلينا سورة تعرفنا على اسم من اسمائه ألا وهي سورة الرحمن. قال تعالى:
الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) ... وتفسير هذه السورة يحتاج إلى مجلدات فلذلك نركز على بعض هذه الآيات.

افتتح الله هذه السورة باسمه "الرَّحْمَن" الدال على سعة رحمته ثم ذكر ما يدل عليها من نعم دينية ودنيوية وأخروية وختمها بذكر بركة اسمه.
قال الرحمن تبارك اسمه: علم القرآن(2). وهذه الجملة خبر عن إسم الرحمن فالله عز وجل علم عباده القرآن، ألفاظه ومعانيه، ويسر عليهم حفظه وتدبره وعلومه كل ذلك برحمته، وهذه أعظم منة وأعظم إبتلاء ! فإن هذا الكتاب رحمة لأنه كلام الله فهو هدى وشفاء ورحمة ونور وروح تحيا به القلوب وهو الحبل الذي بيننا وبينه سبحانه وهو فرقان بين الحق والباطل و...قال الله: ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ( البقرة 2) و قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ( الإسراء 82). وقال الله : وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52 الشورى). والآيات كثيرة.. ولكن أكثر الناس لا يؤمنون قال الله: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30 الفرقان ).
وهو أعظم إبتلاء لأنه بتصديقه يدخل الإنسان الجنة وبتكذيبه يدخل النار قال تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34)الزمر، ولأنه سبب لبقاء الناس على وجه الأرض فإذا إقتربت الساعة رفع القرآن من الصدور والسطور فلا يبقى على وجه الأرض حينها إلا شرارها كما جاء في الحديث المرفوع الذي رواه الطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :لَيُنْتَزَعَنَّ هذا القرآن من بين أظهركم ، قيل له : يا أبا عبد الرحمن : كيف يُنتزع وقد أثبتناه في قلوبنا وأثبتناه في مصاحفنا ؟ قال : يُسْرَى عليه في ليلة فلا يبقى في قلب عبد ولا مصحف منه شيء ، ويصبح الناس كالبهائم " ثم قرأ قول الله تعالى : ( ولئن شئنا لَنَذْهَبَنَّ بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلاً ) الإسراء / 86 ..

ثم قال الرحمن : خلق الإنسان (3). فالله عز وجل خلق آدم برحمته أي خلقه ليرحمه رحمة أبدية والدليل هذه الآية وقوله تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) هود.
وما أخرجه ابن أبي حاتم عن طاوسٍ أنّ رجلينِ اختصما إِليهِ فأكثرا فقال طاوسٌ اختلفتما وأكثرتما قال أحد الرّجلينِ لِذلِك خلِقنا فقال طاوسٌ كذبت قال: أليس اللّه يقول ولا يزالون مختلِفِين إِلا من رحِم ربّك ولِذلِك خلقهم قال: لم يخلقهم لِيختلِفوا، ولكِن خلقهم لِلجماعةِ والرّحمةِ.
وما أخرجه عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ قَالَ: لِلْرَحْمَةِ وَرُوِيَ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ مِثْلُ ذَلِكَ.
وما قرن في القرآن بشأن الربوبية مع الرحمة قال تعالى: وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90 طه)
وما جعله الله من الآيات السماوية والأرضية الدالة على رحمته قال تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) البقرة.

والله جعل لرحمته الأبدية شروطا:

أولها التوبة من الشرك :
قال تعالى :قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) الزمر...
وهذه الآيات أنزلت في قوم من أهل الشرك، قالوا لما دعوا إلى الإيمان بالله: كيف نؤمن وقد أشركنا وزنينا، وقتلنا النفس التي حرّم الله، والله يعد فاعل ذلك النار، فما ينفعنا مع ما قد سلف منا الإيمان. فنزلت هذه الآية.

ثانيها العبادة:
قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهم اسْجدوا لِلرَّحْمَنِ قَالوا وَمَا الرَّحْمَن أَنَسْجد لِمَا تَأْمرنَا وَزَادَهمْ نفورًا (60 الفرقان)
وقال: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56) الذاريات.
ولا يحصل هذا إلا بطاعة الله بإتباع كتابه لقوله تعالى: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( الأنعام 155)
وطاعة رسوله بإتباع سنته لقوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (النور 56).
ويجمعهما قوله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (آل عمران 132)
وقوله تعالى عن دعاء موسى عندما إختار سبعين رجلا لميقات الله ليعتذروا لقومهم الذين عبدوا العجل، فعندما وصلوا طلبوا رؤية الله فأخذهم الله بعظمة قولهم ثم اسغفر موسى وقال: وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) الأعراف.
فلن ينال أحد هذه الرحمة حتى يتقي الله بإجتناب الشرك والمعاصي وإتيان الزكاة أي زكاة النفس بطاعة الله وإجتناب معاصيه ولا يكون ذلك إلا بتصديق كتاب الله عز وجل وبإتباع نبيه صلى الله عليه وسلم.

وثالثها الإجتماع على العبادة وعدم الإختلاف فيها:
كما قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ..(119) أي خلقهم للجماعة والرحمة. قال تعالى:إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( الحجرات10)

ولهذا خلق الله الموت والحياة وجعل الناس خلائف الأرض ليبلوهم فيما أتاهم، أي هل يستبقون إلى رحمة الله أم إلى سخطه، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ( الأنعام 165).أي سريع العقاب لمن عصى أمره وغفور رحيم لمن أطاعه. وقال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الملك.

وإعلم أنه لا بد من دوافع للناس للإتيان بهذه الشروط والدافع الأكبر هو معرفة الله بأسمائه وصفاته قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ( محمد 19). فذكر تعالى العلم قبل العمل.
وقال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ( الطلاق 12)
أخبر تعالى أنه خلق الخلق من السماوات السبع ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيهن، وما بينهن، وأنزل الأمر، وهو الشرائع والأحكام الدينية التي أوحاها إلى رسله لتذكير العباد ووعظهم، وكذلك الأوامر الكونية والقدرية التي يدبر بها الخلق، كل ذلك لأجل أن يعرفه العباد ويعلموا إحاطة قدرته بالأشياء كلها، وإحاطة علمه بجميع الأشياء فإذا عرفوه بأوصافه المقدسة وأسمائه الحسنى عبدوه وأحبوه وقاموا بحقه، فهذه الغاية المقصودة من الخلق والأمر معرفة الله وعبادته، فقام بذلك الموفقون من عباد الله الصالحين، وأعرض عن ذلك، الظالمون المعرضون.
ومن تدبر سورة البقرة وجد أن بعدما ذكر الله عز وجل شريعة هذه الأمة من أحكام الصلاة والزكاة والصيام والحج والقتال والقصاص والخلافة والطعام والوصية والمواقيت والخمر والميسر والأيتام والنكاح والطلاق والرضاع و... ذكر بعدها أعظم آية في القرآن آية الكرسي، أي كأن الله عز وجل يقول لك إذا علمت أن الله حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم وأن له ما في السماوات والأرض وأنه لا يشفع عنده أحدا إلا بإذنه وأنه قد أحاط بكل شيء علما وأنه لا يحاط به علما وأن السماوات والأرض ليست بشيء مقارنة لكرسي الرحمن وأنه لا يؤوده حفظهما وأنه العلي بذاته فوق مخلوقاته والعلي العظيم بأسمائه وصفاته فسيدفعك هذا لتكفر بالطاغوت وتؤمن بالله بمحبته وطاعته وإجتناب معصيته ... فإذا علمت هذا أخرجك الله من الظلمات إلى النور.
والله أعلم.


والمقصود هنا ذكر رحمة الله في خلق آدم، فمن رحمته سبحانه وتعالى أن خلقه بيديه قال الله: قَالَ يَا إِبْلِيس مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجدَ لِمَا خَلَقْت بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (ص 75) وروى الدرامي واللالكائي والآجري وغيرهم بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال : ( خلق الله أربعة أشياء بيده : العرش والقلم وعدن وآدم ، ثم قال لسائر الخلق : كن فكان) وصوره على صورته بلا تمثيل ! ولا تكييف! فعَنْ أَبِي هرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " خَلَقَ اللَّه آدَمَ عَلَى صورَتِهِ (صحيح البخاري ومسلم).. ونفخ فيه من روحه أي نفخ فيه روح خلقها وأضافها إلى نفسه إضافة ملك وتشريف لأن "من" هنا ليست "من التبعيض" ولكن "من الإبتداء" كما قال تعالى : وَسَخَّرَ لَكمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْه إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرونَ ( الجاثية 13) ولأن الروح عين قائمة بذاتها تفارق الجسد وهي مربوبة مأمورة تصعد وتنزل وتنعم وتعذب والله منزه عن كل هذا.. وعلمه أسماء المسميات كلها قال تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كلَّهَا ثمَّ عَرَضَهمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئونِي بِأَسْمَاءِ هَؤلَاءِ إِنْ كنْتمْ صَادِقِينَ (31) البقرة.. وعلمه البيان كما قال في هذه السورة :الرَّحْمَن (1) عَلَّمَ الْقرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَه الْبَيَانَ (4) أي: التبيين عما في ضميره، وهذا شامل للتعليم النطقي والتعليم الخطي.. وأسجد له الملائكة أجمعين سجدة تحية وإكرام وليست سجدة عبادة "إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه" (الكهف 50) لأنه ظن أنه خير من آدم في الخَلْق والعمل فاستكبر عن طاعة الله فأصبح كافرا شيطانا رجيما.. ومن تدبر قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالوا أَتَجْعَل فِيهَا مَنْ يفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاءَ وَنَحْن نسَبِّح بِحَمْدِكَ وَنقَدِّس لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كلَّهَا ثمَّ عَرَضَهمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئونِي بِأَسْمَاءِ هَؤلَاءِ إِنْ كنْتمْ صَادِقِينَ (31) قَالوا سبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيم الْحَكِيم (32) قَالَ يَا آدَم أَنْبِئْهمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقلْ لَكمْ إِنِّي أَعْلَم غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَم مَا تبْدونَ وَمَا كنْتمْ تَكْتمونَ (33) وَإِذْ قلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجدوا لِآدَمَ فَسَجَدوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) البقرة.. وجد أن الله سبحانه وتعالى ذكر الأمر بالسجود بعد إنباء الملائكة بأسماء المسميات والأصل أن آدم لما خلق أمر الله الملائكة بالسجود ثم عرض عليهم المسميات، قال ابن كثير رحمه الله: هذا مقامٌ ذكر اللّه تعالى فِيهِ شرف آدم على الملائِكةِ، بِما اختصّه بِهِ مِن عِلم أسماءِ كلِّ شيءٍ دونهم، وهذا كان بعد سجودِهِم له، وإِنّما قدّم هذا الفصل على ذاك، لِمناسبةِ ما بين هذا المقامِ وعدمِ عِلمِهِم بِحِكمةِ خلقِ الخلِيفةِ، حِين سألوا عن ذلِك، فأخبرهم اللّه تعالى بِأنّه يعلم ما لا يعلمون؛ ولِهذا ذكر تعالى هذا المقام عقِيب هذا لِيبيِّن لهم شرف آدم بِما فضِّل بِهِ عليهِم فِي العِلمِ، فقال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كلَّهَا}.
ثم من رحمته أن خلق لآدم زوجه ليسكن إليها قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا .. (189) الأعراف.
ثم أسكن الله آدم وزوجه الجنة وإبتلاهما بالشجرة قال تعالى: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)البقرة. فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه من رغد العيش وسعة النعيم. والأصل هو أن الله عز وجل أخرجهما من الجنة ولكن كان خروجهما بسبب إبليس اللعين فأضيف ذلك إليه لتسبيبه إياه وحكمة أخرى ومهمة هي ليبين الله للإنسان عدوه. ثم أُهبط آدم وزوجه وإبليس إلى الأرض و تاب الله على آدم وزوجه.
قال تعالى: وَقلْنَا يَا آدَم اسْكنْ أَنْتَ وَزَوْجكَ الْجَنَّةَ وَكلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْث شِئْتمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)البقرة.
وقال تعالى :فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)الأعراف.
ففي هذه الآيات حكم مفيدة و رد على شبهة عظيمة وقع فيها كثير الناس وهي قولهم " أخرجنا من الجنة بسبب معصية أبينا" وهذا ضلال مبين وذلك من وجوه:

1- لأن آدم خلق ليكون خليفة الله في الأرض أي خليفة لحكم الله كما قال تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالوا أَتَجْعَل فِيهَا مَنْ يفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاءَ وَنَحْن نسَبِّح بِحَمْدِكَ وَنقَدِّس لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمونَ ( البقرة 30) وليخلف ذريته بعضهم بعضا بالحكم في ما أنزل الله كما قال تعالى: وَهوَ الَّذِي جَعَلَكمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلوَكمْ فِي مَا آتَاكمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيع الْعِقَابِ وَإِنَّه لَغَفورٌ رَحِيمٌ (165) الأنعام.. فإسكانه الجنة كان سببا لوصوله إلى الخلافة وفي ذلك حكمة عظيمة وهي تعريف آدم على دار بقائه التي خلق لها إذ حق اليقين بخلاف علم اليقين. فإن آدم سكن الجنة وأكل ثمارها وتلذذ بنعيمها وهذا بخلاف من سمع عنها فهذا يكون دافعا له بإتممام الخلافة على أعظم وأحسن وجه.

2- لأن آدم عندما عصى أمر ربه وأهبط إلى الأرض تاب من معصيته فتاب الله عليه كما قال تعالى : وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّه هوَ التَّوَّاب الرَّحِيم (37) البقرة.
والكلمات هي: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)الأعراف.
فكيف تعاقب ذريته من معصية تاب آدم منها فإن النفس لا تحمل أوزار ما كسب غيرها قال تعالى: قلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهوَ رَبّ كلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِب كلّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِر وَازِرَةٌ وِزْرَ أخْرَى ثمَّ إِلَى رَبِّكمْ مَرْجِعكمْ فَينَبِّئكمْ بِمَا كنْتمْ فِيهِ تَخْتَلِفونَ (164). فسبحان الله عما يصفون!

3- هناك حكمة عظيمة في إهباط آدم وإبليس إلى الأرض هو بيان عبادة جديدة عظيمة لم تكن تعلمها الملائكة وهي التوبة !!! فإن آدم قد تاب من معصيته وقد وعد الله التائبين أجرا عظيما أما إبليس فقد كفر وأصر ولم يتب من معصيته فوعده الله عذاب أليما، فتبين الضدين.
إذ الإنس والجن ركبوا تركيبًا ما بين الملَك الذي له عقل بلا شهوة، والبهيمة التي لها شهوة بلا عقل، فبعقلهم لهم حظ من الملائكة، وبطبيعتهم لهم حظ من البهيمة، ثم أن من غلب طبيعته عقله، فهو شر من البهائم لقوله تعالى: أولئك كالأنعام بل هم أضل (الأعراف) ومن غلب عقله طبيعته كان خير البرية. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَروا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أولَئِكَ همْ شَرّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ أولَئِكَ همْ خَيْر الْبَرِيَّةِ (7) سورة البينة. ومن تدبر القرآن وجد أن إبليس كان مع الملائكة مع كونه جنا وآدم أسجدت له الملائكة مع كونه إنسا. وهذا سبب من الأسباب في إنزالهم إلى الأرض وهو لبيان أعلى أنواع العبادة وهي التوبة لله قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَان إِنَّه كَانَ ظَلومًا جَهولًا (72) لِيعَذِّبَ اللَّه الْمنَافِقِينَ وَالْمنَافِقَاتِ وَالْمشْرِكِينَ وَالْمشْرِكَاتِ وَيَتوبَ اللَّه عَلَى الْمؤْمِنِينَ وَالْمؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّه غَفورًا رَحِيمًا (73) الأحزاب. أي عرضت عليهم الطاعة والفرائض عرض إختيار وليس عرض إلزام إن أدوها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم فلم يطقنها وأشفقن منها ثم عرضت على آدم فقبلها وحملها إنه كان ظالما لنفسه بالمعاصي وجاهلا بعظمة أمر الله وذلك كما قال تعالى: لِيعَذِّبَ اللَّه الْمنَافِقِينَ وَالْمنَافِقَاتِ وَالْمشْرِكِينَ وَالْمشْرِكَاتِ وَيَتوبَ اللَّه عَلَى الْمؤْمِنِينَ وَالْمؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّه غَفورًا رَحِيمًا (73) الأحزاب..
وعن أنس بن مالك قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ " (صحيح مسلم).

4- أنه بإنزال آدم إلى الأرض تظهر أثار أسماء الله في عباده مثل إسم الله التواب والغفار والحسيب والوكيل والمجيب والعزيز والقهار والنصير... فإن الجنة لا معصية فيها ولا تكليف فلا وجود لمغفرة ولا لتوبة ولا لإستعانة وإن ما حصل مع آدم كان مقدرا له أن يقع لحِكمٍ عظيمة سبق بيانها. والجنة لا قتال في سبيل الله فيها فلا وجود لآثار إسم الله النصير ولا العزيز القهار... وقس على ذلك... قال الله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ( محمد 19)

5- أنه بإنزاله على الأرض تظهر أجل أنواع العبادات التي لم يتصف بها أحد من قبل
قال الله: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) الفرقان
فالعبودية لله نوعان: عبودية لربوبيته فهذه يشترك فيها سائر الخلق مسلمهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، فكلهم عبيد لله مربوبون مدبرون {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} وعبودية لألوهيته وعبادته ورحمته وهي عبودية أنبيائه وأوليائه وهي المراد هنا ولهذا أضافها إلى اسمه " الرحمن " إشارة إلى أنهم إنما وصلوا إلى هذه الحال بسبب رحمته، فذكر أن صفاتهم أكمل الصفات ونعوتهم أفضل النعوت.

ثم ذكر سبحانه وتعالى آثار رحمته الدنيوية بتسخيره للإنس والجن ما في السماوات والأرض فقال: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) أي بحسبان الرّحمن وضبطه رحمة وعناية بهم ليعلموا عدد السنين والحساب و الفصول وليستعدوا لما يحتاجونه من زاد دنيوي وأخروي.
وقال تعالى: والنّجم والشّجر يسجدان (6) وهذه الجملة معطوفة على جملة: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) أي عطف خبر على خبر فيكون تقديرها الشمس والقمر الذين هما بحسبان والنجم أي النجوم التي في السماء وكل ما له ساق من النبات، والشجر يسجدون لله طائعين بصلاتهم لله و بقبول تسخيرهم لأهل التكليف .قال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ( الحج 18)

ثم قال : وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9).
أي رفع الرحمن سمك السماء فسواها وجعلها سقفا محفوظا من كل شيطان مارد وزينها بزينة الكواكب ليهتدي بها الثقلين في سفرهم ووضع الرحمن الميزان أي: العدل بين العباد، في الأقوال والأفعال فيدخل فيه الميزان المعروف، والمكيال الذي تكال به الأشياء والمقادير، والمساحات التي تضبط بها المجهولات، والحقائق التي يفصل بها بين المخلوقات، ويقام بها العدل بينهم، ولهذا قال: {أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} أي: أنزل الله الميزان برحمته، لئلا تتجاوزوا الحد في الميزان، فإن الأمر لو كان يرجع إلى عقولكم وآرائكم، لحصل من الخلل ما الله به عليم، ولفسدت السماوات والأرض.
{وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} أي: اجعلوه قائما بالعدل، الذي تصل إليه مقدرتكم وإمكانكم، {وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} أي: لا تنقصوه وتعملوا بضده، وهو الجور والظلم والطغيان.
وإطلاق "الوضع" في الآية بعد ذكر رفع السماء فيها نكتة جميلة فإن الوضع ضد الرفع
وهذا بيان بأن العدل منسوب إلى العالم العلوي وهو عالم الحق والفضائل، وأنه نزل إلى الأرض من السماء برحمة الله وأمره، ولذلك تكرر ذلك العدل مع ذكر خلق السماء كما في قوله تعالى: هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق في (يونس 5) ، وقوله: وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق (الحجر 85) ، وقوله: وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق (الدخان 38، 39) . وهذا يصدق القول المأثور: «بالعدل قامت السماوات والأرض» .

ثم قال تعالى :وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)
فقوله تعالى: وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) عطف على "والسماء رفعها" (الرحمن: 7) وهو مقابله في المزاوجة والوضع يقابل الرفع، وهذا إنتقال من ذكر أثار رحمته السماوية إلى أثار رحمته الأرضية . فتفسيرها:{وَالأرْضَ وَضَعَهَا} الرحمن على ما كانت عليه من الكثافة والاستقرار واختلاف أوصافها وأحوالها {لِلأنَامِ} أي: للخلق ،والمقصودون هنا هم الجن والإنس لأنهم أهل التكليف، لكي يستقروا عليها، وتكون لهم مهادا وفراشا يبنون بها، ويحرثون ويغرسون ويحفرون ويسلكون سبلها فجاجا، وينتفعون بمعادنها وجميع ما فيها، مما تدعو إليه حاجتهم، بل ضرورتهم.
ثم ذكر ما فيها من الأقوات الضرورية لمعيشتهم، فقال: {فِيهَا فَاكِهَةٌ} وهي جميع الأشجار التي تثمر الثمرات التي يتفكه بها العباد، من العنب والتين والرمان والتفاح، وغير ذلك، {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأكْمَامِ} أي: ذات الوعاء الذي ينفلق عن القنوان التي تخرج شيئا فشيئا حتى تتم، فتكون قوتا يؤكل ويدخر، يتزود منه المقيم والمسافر، وفاكهة لذيذة من أحسن الفواكه.
{وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ} أي: ذو الساق الذي يداس، فينتفع بتبنه للأنعام وغيرها، ويدخل في ذلك حب البر والشعير والذرة [والأرز] والدخن، وغير ذلك، {وَالرَّيْحَانُ} يحتمل أن المراد بذلك جميع الأرزاق التي يأكلها الآدميون، فيكون هذا من باب عطف العام على الخاص، ويكون الله قد امتن على عباده بالقوت والرزق، عموما وخصوصا، ويحتمل أن المراد بالريحان، الريحان المعروف، وأن الله امتن على عباده بما يسره في الأرض من أنواع الروائح الطيبة، والمشام الفاخرة، التي تسر الأرواح، وتنشرح لها النفوس.

ولما ذكر جملة كثيرة من نعمه التي تشاهد بالأبصار والبصائر، وكان الخطاب للثقلين، الإنس والجن، قررهم تعالى بنعمه، فقال: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} أي: فبأي نعم الله الدينية والدنيوية تكذبان؟
وما أحسن جواب الجن حين تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة، فما مر بقوله: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} إلا قالوا ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب، فلك الحمد، فهذا الذي ينبغي للعبد إذا تليت عليه نعم الله وآلاؤه، أن يقر بها ويشكر، ويحمد الله عليها.

ثم قال تعالى: خلق الإنسان من صلصال كالفخار (14) وخلق الجان من مارج من نار (15)
وهذا بيان أصل مادة الثقلين اللذان هما أهل التكليف، اللذان من أجلهما خلقت السماوات والأرض وسخرت، فمن رحمته سبحانه وتعالى أن خلق آدم بيديه من تراب ثم عجن هذا التراب بالماء فصار طينا ثم خمر هذا الطين فصار حمأ مسنونا، أي طينا أسود متغير الريح ثم أيبس هذا الطين فصار صلصالا كالفخار ثم نفخ فيه روحا أضافها إلى نفسه إضافة ملك وتشرف. والجان أي أبو الجن، وهو إبليس، خلقه الرحمن من مارج من نار بكن فيكن، والمارج هو اللهب الذي لا دخان فيه وقوله: من نار بيان لمارج، أي من لهب صاف كائن من النار. وهذا يدل على شرف عنصر الآدمي المخلوق من الطين والتراب، الذي هو محل الرزانة والثقل والمنافع، بخلاف عنصر الجان وهو النار، التي هي محل الخفة والطيش والشر والفساد. وكلا منهما الصالح والطالح.

وقد يسأل المرء نفسه لماذا ذكر الرحمن خلق الإنسان في بداية السورة ثم أعاده هنا فالجواب من وجهين والله أعلم:
1- لأن السورة بدأت بذكر رحمته تعالى بتعليم الإنسان القرآن ولم تبدأ بتعليم الجان القرآن لأن الله لا يرسل جنا رسولا بل يرسل بشرا رسولا لقوله تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26 الحديد). فهذا بيان بأن النبوة وإنزال الكتب السماوية محصورة في البشر دون الجن. وهذا لا يعني أن الجن ليس منهم منذرون بل قال تعالى: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32). فمنهم منذرون كما فينا منذرين.
2- لأن الإنس منهم المقربون والصالحون والطالحون أما الجن فمنهم الصالحون ومنهم الطالحون فقط فليس منهم المقربون لقوله تعالى عن الجن: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11 الجن).
ثم قررهم تعالى بنعمه، فقال: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} أي: فبأي نعم الله الدينية والدنيوية تكذبان؟

ثم قال {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} .
أي: الرحمن تعالى رب كل ما أشرقت عليه الشمس والقمر، والكواكب النيرة، وكل ما غربت عليه، وكل ما كانا فيه فهي تحت تدبيره وربوبيته، وثناهما هنا لإرادة العموم مشرقي الشمس شتاء وصيفا، ومغربها كذلك. ثم قررهم ذلك.

ثم ذكر آثار رحمته في البحار بما فيها من ثمار وبما يجري عليها من سفن عظيمة. ثم قررهم ذلك

ثم قال الرحمن: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28)
أي: كل من على الأرض، من إنس وجن، ودواب، وسائر المخلوقات، يفنى ويموت ويبيد ويبقى الحي الذي لا يموت {ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ} أي: ذو العظمة والكبرياء والمجد، الذي يعظم ويبجل ويجل لأجله، والإكرام الذي هو سعة الفضل والجود، والداعي لأن يكرم أولياءه وخواص خلقه بأنواع الإكرام، الذي يكرمه أولياؤه ويجلونه، ويعظمونه ويحبونه، وينيبون إليه ويعبدونه، {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}

ثم ذكر التهديد الشديد والوعيد الأليم لمن تخلف عن شكره وجحد بآياته الدالة على وجوب عبادته . فقال: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45) وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47)

وقد يتسأل المرء لماذا ذكر العذاب و الوعيد في سورة الرحمن؟ فالجواب أنه من لم يشكر الله فقد أغلق أبواب الرحمة على نفسه ! والدليل على ذلك في سورة مريم قال تعالى عن إبراهيم: وَاذْكرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّه كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبد مَا لَا يَسْمَع وَلَا يبْصِر وَلَا يغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَاف أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) . فنلاحظ هنا أن ابراهيم نسب العذاب الى الرحمن وهذا عدل لأنه بسبب إعراضهم عن عبادة الرحمن عذبهم الرحمن .
ثم ذكر سبحانه نعمه الأبدية التي أعدها للمتقين، جنتين من ذهب للمقربين وجنتين من فضة لأصحاب اليمين، الأولى لعبادته وشكره و الأخرى لاجتناب معصيته. وذلك جزاء من شكره على نعمه الدينية والدنيوية. ثم ختم السورة ببركة اسمه وربوبيته الشاملة العظيمة.
والحمدلله رب العالمين.

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 01:25 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات