تَحذير المسلمين من مجالسة المُضلين!!!

[منتدى اهل الحديث]

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.

تَحذير المسلمين من مجالسة المُضلين!!!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إنَّ أهل البدع والشبهات أيها الإخوة والأخوات هم أعظم ضررا وأشد خطرا على أمة خير البريات من أصحاب المعاصي والشهوات ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- :" أهل البدع شر من أهل المعاصي الشهوانية بالسنة والإجماع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال الخوارج ونهى عن قتال أئمة الظلم...". مجموع الفتاوى (20/103)
لأن فسادهم وإفسادهم أيها الكرام يكون متعلقا بدين العزيز العلام، يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- : "فهم -أي المبتدعة- أعظم ضررا على الإسلام وأهله من أولئك – أي أهل المعاصي- لأنهم انتسبوا إليه وأخذوا في هدم قواعده وقلع أساسه، وهم يتوهمون ويُوهمون أنهم ينصرونه". الصواعق المرسلة (3/281)
فهم يزعمون! أن ما يقومون به هو من خدمة الدين! وفي الحقيقة هم فيه من المفسدين، لذا كانوا أحبَّ إلى إبليس اللعين من الآخرين! يقول الإمام سفيان الثوري –رحمه الله-:" البدعة أحب إلى الشيطان من المعصية، المعصية يُتاب منها ، والبدعة لا يُتاب منها ". شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/132)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- :" ومعنى قولهم (أن البدعة لا يُتاب منها):أن المبتدع الذي يتخذ دينا لم يشرعه الله ولا رسوله،قد زُيِّن له سوء عمله فرآه حسنا،فهو لا يتوب ما دام يراه حسنا لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيء ليتوب منه، أو بأنه ترك حسنا مأمورا به أمر إيجاب أو استحباب ليتوب ويفعله، فما دام يرى فعله حسنا وهو سيء في نفس الأمر فإنه لا يتوب.
ولكن التوبة منه ممكنة وواقعة بأن يهديه الله ويرشده حتى يتبين له الحق كما هدى سبحانه وتعالى من هدى من الكفار والمنافقين وطوائف من أهل البدع والضلال، وهذا يكون بأن يتبع من الحق ما علمه،فمن عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم ". مجموع الفتاوى (10/9)
ولشدة ضررهم و عظيم خطرهم نُهينا عن مجالستهم، يقول الله جلَّ وعلا:(وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [ الأنعام :68].
يقول الإمام الشوكاني – رحمه الله- :"وفي هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة الذين يحرفون كلام الله، ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله، ويردون ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة، فإنه إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه فأقل الأحوال أن يترك مجالستهم، وذلك يسير عليه غير عسير، وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزهه عما يتلبسون به شبهة يشبهون بها على العامة، فيكون في حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر ". فتح القدير (2 /128)
ومن ذلك أيضا ما جاءنا من الآثار عن سلفنا الأخيار الذين حذرونا أشد التحذير من مجالسة ومُصاحبة أهل البدع الأشرار لما في ذلك من مضار! يقول الإمام ابن قدامة – رحمه الله- :" كان السلف ينهون عن مجالسه أهل البدع والنظر في كتبهم والاستماع لكلامهم ". الآداب الشرعية لابن مفلح ( 1 /251)
يقول الإمام أحمد – رحمه الله- :"لا أحب لأحد أن يجالسهم، ولا يخالطهم، ولا يأنس بهم ". الإبانة لابن بطة ( 495)
فمن الأوباء! والأدواء التي تنتج عن مُجالسة! ومؤانسة أهل الأهواء! أنَّ مصاحبَهم قد ارتكب فعلا من المحظورات عصى به رب الأرض والسموات، سئل الشيخ العلامة ابن باز – رحمه الله- : "هل يجوز مجالسة أهل البدع في دروسهم ومشاركتهم؟
فأجاب – رحمه الله- : لا يجوز مجالستهم ولا اتخاذهم أصحابا، ويجب الإنكار عليهم وتحذيرهم من البدع، نسأل الله العافية ". مجموع فتاوى الشيخ (28/ 266)
وهو لا يَأمن على نفسه أيها الإخوة والأخوات من الوقوع في المحدثات وتَعلق قلبه بشيء من الشبهات، يقول عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-( ت:68هـ) :"لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلب".الإبانة لابن بطة(2/438)
ويقول الإمام مسلم بن يسار البصري – رحمه الله- [ت:100هـ]:" لا تمكن صاحب البدعة من سمعك ، فيصب فيه ما لا تقدر أن تخرجه من قلبك ". الإبانة لابن بطة ( 436)
ويقول الإمام أبو قلابة- عبد الله بن زيد الجرمي- (رحمه الله) [ت :104هـ]:"لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تخالطوهم،فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم ويلبسوا عليكم في الدين بعض ما لَبِسَ عليهم". شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/133)
أنَّ في مصاحبتهم! التوقير لهم! وهذا مما يُوهمهم! أنهم على حق فيما يدعون إليه من بدعهم! وكل ذلك يؤدي إلى زيادة شرهم! وخطرهم! لأن بعض عامة المسلمين سيغتر بهم! يقول الإمام الشاطبي – رحمه الله- :" إنَّ توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم، إحداهما: التفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع أهل السنة على سنتهم.
والثانية: أنه إذا وُقِّر من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء ، وعلى كل حال فتحيا البدع وتموت السنن، وهو هدم الإسلام بعينه ".الاعتصام (1/ 114)
لذا كانت مجالسة أهل الشبهات أضرُّ من مجالسة أصحاب الشهوات، يقول الإمام الشوكاني – رحمه الله- : "مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما في مجالسة من يعصى الله بفعل شيء من المحرمات ولاسيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة، فإنه ربما يُنفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان، فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه، ويعسر دفعه فيعمل بذلك مدة عمره ويلقى الله به معتقدا أنه من الحق وهو من أبطل الباطل وأنكر المنكر ".فتح القدير (2 /128)
أيها المسلم إن مما يجب عليك علمه أن الصُحبة مؤثرة في إصلاح الحال وفساده، فمعاشرة الأخيار تُورث النجاح والفلاح، وخُلطة الأشرار تُورث الحرمان والخسران، فعن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم:"مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجليس السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ -يُعطيك- وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ منه، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً". رواه البخاري(5214)،ومسلم(2628)
يقول الإمام النووي –رحمه الله-:"فيه تمثيله صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك والجليس السوء بنافخ الكير، وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع، ومن يغتاب الناس، أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة".الشرح على صحيح مسلم ( 16/ 178)
فعلينا جميعا أيها الإخوة والأخوات أن نجتنب صُحبة أهل المنكرات خاصةً أهل البدع والمحدثات! فلا نُخالطهم! ولا نجالسهم! ولا نأنس بهم! لأن الشبه خطافة و القلوب ضعيفة، و المرء لا يَأمن على نفسه مهما كانت مكانته وارتفعت درجته من الوقوع في المخالفات!!، يقول الإمام البغوي – رحمه الله- :" على المرء المسلم إذا رأى رجلا يتعاطى شيئا من الأهواء والبدع معتقدا ، أو يتهاون بشيء من السنن أن يهجره ، ويتبرأ منه ، ويتركه حيا وميتا ، فلا يسلم عليه إذا لقيه ولا يجيبه إذا ابتدأ إلى أن يترك بدعته ويراجع الحق ، والنهي عن الهجران فوق الثلاث فيما يقع بين الرجلين من التقصير في حقوق الصحبة والعشرة دون ما كان ذلك في حق الدين ، فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة إلى أن يتوبوا ".شرح السنة (1 /224)
ولنعلم أيضا أن ديننَا هو رأس مالنا! وأغلى ما نملك! فلنحافظ عليه في جميع الأوقات مما قد يقدح فيه من الشبهات و الشهوات، يقول الإمام الحسن البصري ( رحمه الله)[ت : 110 هـ] :" رأسُ مال المؤمن دينُه، فلا يُخلِّفُه في الرِّحال، ولا يَأتمِن عليه الرِّجَال". الاستذكار لابن عبد البر (1/324)
ولنتبع أيها الأحباب هدي سلفنا الصالح في هذا الباب!إذا أردنا النجاة والتوفيق للصواب بإذن العزيز الوهاب، يقول الإمام الأوزاعي – عبد الرحمن بن عمرو الشامي- ( رحمه الله) [ت : 157 هـ] :" اتقوا الله معشر المسلمين، وأقبلوا نصح الناصحين، وعظة الواعظين، واعلموا أن هذا العلم دين فانظروا ما تصنعون، وعن من تأخذون، وبمن تقتدون، ومن على دينكم تأمنون، فإن أهل البدع كلهم مُبطلون، أفاكون آثمون، لا يَرعوون، ولا ينظرون، ولا يتقون، ولا مع ذلك يُؤمنون على تحريف ما تسمعون، ويقولون ما لا يعلمون في سرد ما ينكرون، وتسديد ما يفترون، والله محيط بما يعملون، فكونوا لهم حذرين متهمين، رافضين مُجانبين فإنَّ علماءكم الأولون ومن صلح من الآخرين كذلك كانوا يفعلون ويأمرون، واحذروا أن تكونوا على الله مظاهرين، ولدينه هادمين ولعراه ناقضين موهنين بتوقير المبتدعين والمحدثين، فإنه قد جاء في توقيرهم ما تعلمون، وأي توقير لهم، أو تعظيم أشد من أن تأخذوا عنهم الدين، وتكونوا بهم مقتدين، ولهم مُصدقين موادعين مؤالفين معينين لهم بما يصنعون على استهواء من يستهوون،وتأليف من يتألفون من ضعفاء المسلمين لرأيهم الذي يرون ودينهم الذي يدينون، وكفى بذلك مشاركة لهم فيما يعملون ". تاريخ مدينة دمشق ( 6 /361)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يَحفظ لنا ديننا العظيم الذي هو عصمة أمرنا ونجاحنا وفلاحنا في الدارين ، وأن يُجنبنا وإياكم جلوس ومصاحبة المفسدين المضلين، فهو سبحانه ولي ذلك ورب العالمين.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبو عبد الله حمزة النايلي

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك