نظام الحكم في الإسلام "الخلافة"
إسماعيل عبد الله
إنَّ نظام الحكم في الإسلام الذي فرضه رب العالمين هو نظام الخلافة، الذي يُنصَّب فيه خليفة أو إمام بالبيعة على كتاب الله وسنَّة رسوله للحكم بما أنزل الله.
وقد ورد كدليل نظام الخلافة أو الإمامة واضحًا في الكتاب والسنَّة بلفظَي الخليفة والإمام:
واستخلاف الله البشر في الأرض نوعان: خلافة عامة، وخلافة خاصة.
أما الخلافة العامة فقد بدأ بآدم -عليه السلام- وكل ذريته، فهم جميعًا مستخلَفون عمومًا في الأرض، وَسَخَّرَها الله -تعالى- لهم؛ قال -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)[البقرة: 30].
أما الخلافة الخاصة، فهي الاستِخلاف في الحكم والإدارة، وهي نوعان: استخلاف الدول، واستخلاف الأفراد؛ قال - تعالى -: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)[القصص: 5].
وقال: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)[السجدة: 24].
فاستخلاف الدول من معانيه: استقلال الأمة حتى تحكم نفسها، وحتى يكون لها سلطان يُعلي كلمتها، ومن معاني هذا الاستخلاف أيضًا: اتساع سلطان وقوة الدولة حتى يشمل الأمة وأممًا أخرى، واستخلاف الدول يكون بالإيمان وعمل الصالحات، والمقصود بالصالحات كل ما يصلح شأن الناس في الدنيا والآخرة من الطاعة واجتناب النواهي؛ قال - تعالى -: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)[النور: 55].
واستخلاف الأفراد هو الاستخلاف في الرئاسة، وقد يُسمَّى المُستَخلَفُ خَليفَةً كما سُمي داود - عليه السلام -: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)[ص: 26].
وقد يُسمَّى المستخلف إمامًا كما ورد لفظ الإمام في القرآن الكريم بصيغة الإفراد في عدة مواضع، منها: قوله -تعالى- حكاية عن إبراهيم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-: (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)[البقرة: 124].
والمعنى: "أني مصيِّرك للناس إمامًا يؤتمُّ به، ويُقتدى به"[1].
وقال - تعالى -: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)[الأنبياء: 73].
وقد يُسمى المستخلف ملكًا: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ)[المائدة: 20].
(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا)[البقرة: 247].
ووردت الخلافة والإمامة في السنة النبوية كثيرًا؛ منها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الخلافة في قريش، والحكم في الأنصار، والدعوة في الحبشة، والجهاد والهِجرة في المسلمين، والمهاجرين بعد))[2].
وعن النعمان بن بشير، قال: كنا قعودًا في المسجد، وكان بشير رجلاً يكفُّ حديثه، فجاء أبو ثعلبة الخشني، فقال: يا بشير بن سعد، من يحفظ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في الأمراء؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة، فقال حذيفة: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم يكون ملكٌ عاضٌّ، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة))، ثم سكتَ، قال حبيب: فلما قام عمر بن عبدالعزيز، وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته، فكتبت إليه بهذا الحديث أذكّره إياه، فقلت: إني لأرجو أن تكون أمير المؤمنين، يعني عمر، بعد الملْك العاضِّ والجبرية، فأدخَلَ كتابي على عمر بن عبدالعزيز فسرَّ به وأعجبه[3].
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الأئمة من قريش، أبرارها أمراءُ أبرارِها، وفُجارها أمراء فجّارها، وإن أمَّرت عليكم قريش عبدًا حبشيًّا مجدعًا فاسمعوا له وأطيعوا، ما لم يُخيِّر أحدكم بين إسلامه وضرب عنقه، فإن خير بين إسلامه، وضرْب عنقه؛ فليقدِّم عنقه))[4].
قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الإمام الأعظم الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته...))[5].
ولفظ الأمير كان مستعملاً في عهد النبي، وكان يُسمى به الخليفة وأمراء الجيوش والولايات، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني)).
وفي رواية: بهذا الإسناد، ولم يذكر: ((ومن يعص الأمير فقد عصاني))[6].
فالمقصود بالإمام: خليفة المسلمين وأميرهم، وهكذا أخذ الإسلام نظام الخلافة أو الإمامة نظامًا للحكم وإدارة الأمة.
ولم يكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعون يفرقون بين لفظي خليفة وإمام، وأثناء تولية عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- خليفة للمسلمين لقب بأمير المؤمنين، يقول النووي: "يجوز أن يُقال للإمام: الخليفة، والإمام، وأمير المؤمنين"[7].
ويقول ابن خلدون: "وإذ قد بيّنا حقيقة هذا المنصب وأنه نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا به، تسمى خلافة وإمامة، والقائم به خليفة وإمام"[8].
_______________________________
[1] تفسير الطبري (2 / 18).
[2] رواه عتبة بن عبد السلمي، إتحاف الخيرة المهرة؛ البوصيري، الصفحة (7 / 315)، خلاصة حكم المحدث: سنده صحيح.
[3] رواه حذيفة بن اليمان، المحدِّث: محجة القرب؛ للعراقي (ص: 175)، خلاصة حكم المحدِّث: صحيح.
[4] رواه علي بن أبي طالب، صحيح الجامع، المحدث الألباني رقم: (2757)، خلاصة حكم المحدِّث: صحيح.
[5] رواه البخاري (7138)، ومسلم (1829)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
[6] رواه أبو هريرة، صحيح مسلم، الرقم: (1835).
[7] روضة الطالبين للنووي (10 / 49).
[8] مقدمة ابن خلدون (ص:190).
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك