شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 9 > منتدى العقيدة
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: مصحف وليد الجراحي 1441 عام 2020 كامل 114 سورة 2 مصحف ترتيل و حدر كاملان 128 ك ب (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1439 عام 2018 سورة 027 النمل (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1439 عام 2018 سورة 012 يوسف (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1439 عام 2018 سورة 026 الشعراء (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1439 عام 2018 سورة 011 هود (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1439 عام 2018 سورة 025 الفرقان (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1439 عام 2018 سورة 024 النور (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1439 عام 2018 سورة 010 يونس (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1439 عام 2018 سورة 009 التوبة (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1439 عام 2018 سورة 008 الأنفال (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 02-19-2015, 04:49 AM
منتدى اهل الحديث منتدى اهل الحديث غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 5,969
افتراضي ومضات من منهج الإمام أحمد في العقيدة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله.

فإني قد انتهيت من قراءة الجزأين المخصصين للعقيدة من كتاب الجامع في علوم الإمام أحمد، فرأيت بعض المواضع تصلح أن تكون قواعد لمسائل الاعتقاد، فرأيت جمعها وعرضها على إخواني عسى يكون فيها نفع لي ولهم، والله الموفق.






1 – التسليم للنصوص وعدم الاعتراض عليها:


قال الإمام أحمد في سياق كلامه عن أمور الاعتقاد: "والحديث عندنا على ظاهره كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والكلام فيه بدعة، ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره".[1]


وسُئل عن أحاديث نزول الرب جل وعلا فقال: "نؤمن بها ونُصدق بها ولا نرد شيئًا منها إذا كانت أسانيد صحاح، ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق قلت لأبي عبد الله: ينزل الله إلى السماء الدنيا، قال: قلت: نزوله بعلمه أم بماذا؟


فقال لي: اُسكت عن هذا، ما لك ولهذا؟! أمض الحديث على ما رُوي، بلا كيف، ولا حد، بما جاءت به الآثار وبما جاء به الكتابُ"[2]


وسُئل عن أحاديث الرؤية فقال: "أحاديث صِحاح، نُؤمن بها ونُقر، وكل ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد جيدة نُؤمن به ونُقِرّ".[3]


وقال الإمام أحمد: "فمن دفع كتاب الله وردّه، والأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واخترع مقالة من نفسه، وتأول رأيه فقد خسر خُسرانًا مبينًا"[4].


وقال: "نؤمن بالقرآن كله مُحكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه تعالى ذكرُه صفة من صفاته، لشناعة شنعت، ولا نُزيل ما وصف به نفسه من كلام، ونزول، وخلوه بعبده يوم القيامة، ووضع كنفه عليه، هذا كله يدل على أن الله يُرى في الآخرة، والتحديد في هذا بدعة، والتسليم لله بأمره"[5]


وسُئل عن أحاديث النزول والرؤية وأنه تعالى يضع قدمه في النار وما أشبه ذلك فقال: "نؤمن بها، ونُصدق بها،ولا كيف ولا معنى، ولا نردّ شيئًا منها، ونعلم أن ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم حق إذا كانت بأسانيد صحاح".[6]


وقال: "ونعلم أن ما جاءت به الرسل حق، ونعلم أن ما ثبت عن رسول الله حق إذا كانت بأسانيد صحيحة، ولا نرد على قوله، ولا نصف الله تبارك وتعالى بأعظم مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية"[7]


وقال: "ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقلُه فقد كُفي ذلك وأحكم له فعليه الإيمان به والتسليم له"[8]


وقال: "فأما من تأوله على ظاهر بلا دلالة من رسول الله ولا أحد من أصحابه فهذا تأويل أهل البدع"[9]


2 – ترك الخصومة والجدال:


قال الإمام أحمد: "واعلم أن ترك الخصومة والجدال هو طريق من مضى، ولم يكونوا أصحاب خصومة ولا جدال، ولكنهم كانوا أصحاب تسليم وعمل".[10]


وقال: "واعلم رحمك الله أن الخصومة في الدين ليست من طريق أهل السنة"[11]


وسُئل عن مُناظرة أهل الكلام والجلوس معهم فقال: "الذي كُنّا نسمع وأدركنا عليه من أدركنا من أهل العلم؛ أنهم كانوا يكرهون الكلام والخوض مع أهل الزيغ، وإنما الأمر في التسليم والانتهاء إلى ما في كتاب الله جل وعز، لا يعد ذلك، ولم يزل الناسُ يكرهون كل محدث، من وضع كتاب أو جلوس مع مبتدع ليورد عليه بعض ما يُلبس عليه في دينه، فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم"[12]


وكان الرفض للجدال والخصومة رفضًا لذات الطريقة وليس فقط لما تؤدي إليه من نتائج؛ فقد قال الإمام أحمد: "لا يُخاصم أحدًا ولا يُناظره، ولا يتعلم الجدل فإن الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن[13] مكروه منهي عنه، ولا يكون صاحبه –إن أصاب بكلامه السنة- من أهل السنة حتى يدع الجدل ويُسلّم ويؤمن بالآثار"[14]


وقيل لأحمد: إن رجلًا تكلم بكلام فرد عليه رجل من أهل السنة بعد ذلك بكلام محدث، فغضب أبو عبد الله وأنكر عليهما جميعًا، وقال: يستغفر ربه الذي رد بمحدثة، وقال: كلما ابتدع رجل بدعة اتسعوا في جوابها؟[15]


3 – رد المتشابه إلى المحكم:


قال السيوطي: "وقد اختلف في تعيين المحكم والمتشابه على أقوال :

فقيل : المحكم ما عرف المراد منه ، إما بالظهور وإما بالتأويل ، والمتشابه ما استأثر الله بعلمه ، كقيام الساعة وخروج الدجال ، والحروف المقطعة في أوائل السور .

وقيل : المحكم ما وضح معناه ، والمتشابه نقيضه .

وقيل : المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجهًا واحدا ، والمتشابه ما احتمل أوجهًا .
وقيل : المحكم ما كان معقول المعنى ، والمتشابه : بخلافه ، كأعداد الصلوات ، واختصاص الصيام برمضان دون شعبان . قاله الماوردي .
وقيل : المحكم ما استقل بنفسه ، والمتشابه : ما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره .
وقيل : المحكم ما تأويله تنزيله ، والمتشابه ما لا يدرك إلا بالتأويل .
وقيل : المحكم ما لم تتكرر ألفاظه ، ومقابله المتشابه .
وقيل : المحكم الفرائض والوعد والوعيد ، والمتشابه القصص والأمثال".[16]

والمقصود بكلامي هنا قول من قال بأن المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا معنى واحدًا، والمتشابه ما احتمل معاني كثيرة.


فإن احتمل المتشابهُ أكثر من معنى وكان أحد هذه المعاني يُخالف ما ثبت في المحكم؛ فإن الواجب تفسيره بما لا يُخالف المحكم واتباع المتشابه وترك المحكم هو مسلك من كان في قلبه زيغ كما قال تعالى: "فَأَمّا الّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ"[17]


قال ابن القيم: "إن الله سبحانه قسّم الأدلة السمعية إلى قسمين؛ محكم ومتشابه، وجعل المحكم أصلًا للمتشابه، وأُمّا له يُرد إليه.


فما خالف ظاهر المحكم فهو متشابه يُرد إلى المُحكم، وقد اتفق المسلمون على هذا، وأن المحكم هو الأصل والمتشابه مردود إليه".[18]


وقد عمل الإمام أحمد بهذه القاعدة فبعد أن بيّن الإمام أحمد الأدلة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق قال: "ثم إن الجهم[19] ادّعى أمرًا آخر فقال: أنا أجد آية في كتاب الله تبارك وتعالى تدل على القرآن أنه مخلوق. فقلنا: في أي آية؟ فقال: "مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ"[20] فزعم أن الله قال للقرآن: محدث، وكل محدث مخلوق.


فلعمري لقد شبّه على الناس بهذا، وهي آية من المتشابه، فقلنا في ذلك قولًا واستعنا بالله ونظرنا في كتاب الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.


ثم قال: "اعلم أن الشيئين إذا اجتمعا في اسم يجمعهما فكان أحدهما أعلى من الآخر، ثم جرى عليهما اسم مدح فكان أعلاهما أولى بالمدح وأغلب فيه، وإن جرى عليهما اسم ذم فأدناهما أولى به.


ومن ذلك قول الله تعالى في كتابه: "إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ"[21] " عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ"[22] يعني الأبرار دون الفجار؛ لقوله إذا انفرد الأبرار: "إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ"[23] وإذا انفرد الفجار: " وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ"[24]


وقوله: : "إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ"[25]فالمؤمن أولى به وإن اجتمعا في اسم الناس؛ لأن المؤمن إذا نفرد أُعطي المدحة؛ لقوله: : "إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ"[26] "وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا."[27] وإذا انفرد الكُفّار جرى عليهم الذم في قوله: "أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ"[28]وقال: "أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ"[29]


ثم قال: "فلما قال الله تعالى: "ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث" فجمع بين ذكرين: ذكر الله وذكر نبيه، فأما ذكر الله إذا انفرد لم يجر عليه اسم الحدث ألم تسمع إلى قوله: " النبي _صلى الله عليه وسلم- إذا انفرد لم يجر عليه اسم الحدث ألم تسمع إلى قوله: "وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ"[30] "وَهَذَا ذِكْر مُبَارَك أَنْزَلْنَاهُ"[31]وإذا انفرد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه جرى عليه اسم الحدث ألم تسمع إلى قوله: "وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ"[32]فذكر النبي له عمل، والله له خالق محدِث، والدلالة على أنه جمع بين ذكرين، لقوله: "مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ"[33] فأوقع عليه الحدث عند إتيانه إيانا وأنت تعلم أنه لا يأتينا بالأنبياء إلا مبلغ ومذكر، وقال الله: "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ"[34] "‏فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى"[35] "إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ"[36] فلما اجتمعوا في اسم الذكر جرى عليهم اسم الحدث، وذكر النبي إذا انفرد وقع عليه اسم الخلق، وكان أولى بالحدث من ذكر الله الذي إذا انفرد لم يقع عليه اسم خلق ولا حدث.


فوجدنا دلالة من قول الله: "مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ"[37]إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يعلم فعلمه الله، فلما علمه الله، كان ذلك محدثًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم"[38]


ففي كلام أحمد السابق فَسّر أحمد النص المتشابه الذي قد يُوهم أن القرآن مخلوق في ضوء الآيات المحكمات التي دلّت على أن القرآن كلام الله غير مخلوق.


4 – عدم الاعتماد على آراء الرجال إن خالفت النصوص:


ففي مسألة الشهادة بالجنة لمن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ذهب أحمد إلى أنه يُشهد بالجنة لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، فاحتجوا عليه بكلام لعبد الرحمن بن مهدي[39] فقال أحمد: عبد الرحمن بن مهدي من هو؟ أي مع هذه الأحاديث.[40]


5 – عدم التهاون بأي جزئية من جزئيات العقيدة:


قال الإمام أحمد: إذا زعموا أن القرآن مخلوق، فقد زعموا أن أسماء الله مخلوقة وأن علم الله مخلوق، ولكن الناس يتهاونون بهذا، ويقولون: إنما يقولون القرآن مخلوقن فيتهاونون ويظنون أنه هين ولا يدرون ما فيه من الكفر"[41]


وقال: "من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن الله مخلوق"


ثم قال: "لا إله إلا الله، ما أعظم هذا القول وأشده! هذا الذي نحذره أن يكون"[42]


6 – الصرامة ورفض الحلول الوسط:


وذلك مثلًا في قضية خلق القرآن، فالقول المشترك بينه وبين المعتزلة والجهمية هو أن القرآن كلام الله، ثم اختلفوا فيما وراء ذلك فأحمد وأهل السنة يقولون: كلام الله غير مخلوق، والمعتزلة يقولون: كلام الله مخلوق، فكان بعض الناس يُحاول التوسط بأن يقول: كلام الله. ولا يزيد عليها شيئًا ليكون كلامه موافقًا لأهل السنة والمعتزلة والجهمية في آن واحد، بينما كان أحمد يرفض هذا المسلك أشد الرفض.


قال أحمد: لا نرضى أن نقول: كلام الله, ونسكت حتى نقول: إنه غير مخلوق"[43]


وسُئل أحمد: إن بعض الناس يقول: إن هؤلاء الواقفة[44] هم شر من الجهمية؟


فقال: هم أشد على الناس تزيينًا من الجهمية، هم يُشككون الناس، وذلك أن الجهمية قد بان أمرهم، وهؤلاء إذا قالوا: إنا لا نتكلم. استمالوا العامة، إنما هذا يصير إلى قول الجهمية.[45]


وسُئل عمن قال: أقول: القرآن كلام الله. وأسكت؟


فقال: لا، هذا شاك، لا حتى يقول: غير مخلوق.[46]


وقيل لأحمد: يا أبا عبد الله، سمعتُ علي بن الجعد[47] يقول: أنا لا أقول: القرآن مخلوق، ولو أن رجلًا قال: القرآن مخلوق، لم اُعَنِّفْه؟


فقال أحمد: آه آه، هذا أشد شيء بلغني عنه.[48]


وقد بين الإمام أحمد سبب هذه الصرامة وهو أن الآخرين لا يسكتون بل يذكرون كلامهم بالتفصيل، فإذا سكت هو ولم يفصل ضاع الحق.


فقد سُئل الإمام أحمد: هل لهم رخصة أن يقول الرجل: كلام الله، ثم يسكت، فقال: ولم يسكت؟! لولا ما وقع فيه الناسُ كان يسعه السكوت، ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا لأي شيء لا يتكلمون؟[49]


وقال: كنا نأمر بالسكوت ، ونترك الخوض في الكلام وفي القرآن، فلما دُعينا إلى أمر ما كان بد لنا من أن ندفع ذاك ونبين من أمره ما ينبغي.[50]


وكذلك في مسألة الإيمان فإن الإمام أحمد كان يرى أن الإيمان قول وعمل، وكان آخرون يرون أن الإيمان قول فقط، فجاء ثالث فحاول التوفيق بينهما فقال: من أتى بالقول فقد أتى بالعمل؛ لأن القول عمل؛ فهل سُرّ الإمام أحمد بهذا التوفيق؟

قال الإمام أحمد: "وقد حُكي عن شبابة قول أخبث من هذه الأقاويل، ما سمعت عن أحد بمثله.

قال: قال شبابة: إذا قال فقد عمل. قال الإيمان قول وعمل كما يقولون، فإذا قال فقد عمل بجارحته –أي بلسانه-، فقد عمل بلسانه حين تكلم.


ثم قال أبو عبدالله: هذا قول خبيث، ما سمعت أحدًا يقول به ولا بلغني"[51]


7 – عدم التشديد في المحتملات:


ومع شدته وصرامته فيما تبين له أنه الحق فإنه لم يكن شديدًا فيما احتمل الخلاف وتعدد الآراء.


ففي مسألة رؤية المؤمنين لربهم عز وجل في الجنة كان أحمد شديدًا جدًا لظهور الحق له فيها، أما في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا وهل كان ذلك بقلبه أم بعينه، لم يكن أحمد مشددًا فيها لاحتمالها وعدم وجود دليل بين.


قال الإمام أحمد: "قد اختلفوا في رؤية الدنيا، ولم يختلف في رؤية الآخرة إلا هؤلاء الجهمية"[52]


8 – الحذر وعدم الوقوع في الفخاخ:


فقد كان يُحاول خصومه أن يسألوه بعض الأسئلة المُحيرة والتي قد يُجيب فيها أحمد بجواب يلزم منه موافقتهم في رأيهم، ولكن أحمد كان في غاية التفطن والتيقظ لحيلهم.


فقد سُئل: رجل حلف ألا يتكلم يومًا إلى الليل، فقرأ القرآن، يعني: هل يحنث؟


فقال أحمد: ما أحب أن أتكلم في هذه المسألة، ولا تُجب من سألك عنها، ولا تُكلمه.[53]


وذلك لأن خصومه أرادوا منه أن يقول: إنه حنث، فإن قال ذلك ألزموه بأن ذلك يعني أنه تكلم، فإن كان قد تكلم، فالقرآن كلامه لا كلام الله، وهذا ما تفطن له أحمد، ولم يُمكنهم من نفسه.


ومن الأمثلة على ذلك ما عُرف بمسألة اللفظ، وهي قول من قال: لفظي بالقرآن مخلوق؛ فإن أحمد أنكرها بشدة، لعلمه أنهم يتذرعون بذلك إلى القول بخلق القرآن في نهاية الأمر؛ فإن اللفظ قد يُراد به الملفوظ، وقد يُراد به التلفظ، فلما كانت مشتبهة علم أن ذلك فخ من خصومه فأعرض عنه.


قال عبد الله[54] بن ا لإمام أحمد: وكان أبي يكره أن يُتكلم في اللفظ بشيء أو يُقال: مخلوق أو غير مخلوق.[55]


قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: "ولهذا كان الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة يقولون: من قال اللفظ بالقرآن أو لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال إنه غير مخلوق فهو مبتدع، وفي بعض الروايات عنه: من قال لفظي بالقرآن مخلوق يعني به القرآن فهو جهمي؛ لأن اللفظ يُراد به مصدر: لَفَظ يَلْفِظ لَفْظًا، ومسمى هذا فعل العبد وفعل العبد مخلوق، ويُراد باللفظ القول الذي يلفظ به اللافظ، وذلك كلام الله لا كلام القارىء.


فمن قال إنه مخلوق فقد قال إن الله لم يتكلم بهذا القرآن، وإن هذا الذي يقرؤه المسلمون ليس هو كلام الله، ومعلوم أن هذا مخالف لما عُلم بالاضطرار من دين الرسول.


وأما صوت العبد فهو مخلوق، وقد صرّح أحمد وغيره بأن الصوت المسموع صوت العبد، ولم يقل أحمد قط: من قال إن صوتي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، وإنما قال: من قال لفظي بالقرآن، والفرق بين لفظ الكلام وصوت المبلغ له فرق واضح، فكل من بلغ كلام غيره بلفظ ذلك الرجل فإنما بلغ لفظ ذلك الغير لا لفظ نفسه، وهو إنما بلغه بصوت نفسه لا بصوت ذلك الغير، ونفس اللفظ والتلاوة والقراءة والكتابة ونحو ذلك لما كان يُراد به المصدر الذي هو حركات العباد، وما يحدث عنها من أصواتهم وشكل المداد، ويُراد به نفس الكلام الذي يقرؤه التالي ويتلوه ويلفظ به ويكتبه، منع أحمد وغيره من إطلاق النفي والإثبات الذي يقتضي جعل صفات الله مخلوقة، أو جعل صفات العباد ومدادهم غير مخلوق"[56]


قال الحافظ الذهبي: "فقد كان هذا الإمام لا يرى الخوض في هذا البحث خوفًا من أن يُتذرع به إلى القول بخلق القرآن، والكف عن هذا أولى. آمنا بالله تعالى، وبملائكته، وبكتبه، ورسله، وأقداره، والبعث، والعرض على الله يوم الدين. ولو بُسط هذا السطر وحُرر وقُرر بأدلته لجاء في خمس مجلدات، بل ذلك موجود مشروح لمن رامه، والقرآن فيه شفاء ورحمة للمؤمنين، ومعلوم أن التلفظ شيء من كسب القارى غيرُ الملفوظ، ,والقراءة غير الشيء المقروء، والتلاوة وحسنها وتجويدها غير المتلو، وصوت القارىء من كسبه فهو يُحدث التلفظ والصوت والحركة والنطق، وإخراج الكلمات من أدواته المخلوقة، ولم يحدث كلمات القرآن، ولا ترتيبه، ولا تأليفه، ولا معانيه.


فلقد أحسن الإمام أبو عبد الله حيث منع من الخوض في المسألة من الطرفين؛ إذ كل واحد من إطلاق الخلقية وعدمها على اللفظ موهم، ولم يأت به كتاب ولا سنة بل الذي لا نرتاب فيه أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق"[57]


وربما كانت الفخاخ أدق من هذا وأخفى، فقد سُئل مرة عن الحديث الذي رواه الصحابي سفينة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الخلافة ثلاثون عامًا"[58] فصححه أحمد، فقال رجل: سعيد بن جُهمان؟ كأنه يُضعفه، فقال أبو عبد الله: يا صالح، خذ بيده. أراه قال: أخرجه، هذا يُريد الطعن في حديث سفينة.[59]


فرغم أن السؤال كان عن درجة راوٍ من رُواة الحديث، وهو أمر فيما يبدو بعيد عن أمور الاعتقاد، ولكن ربما ظهرت لأحمد أمارات في الرجل تدل على أنه كان يحمل في صدره شيئًا ضد علي رضي الله عنه ويريد أن يُضعف هذا الحديث.






9 – اللجوء إلى الأدلة العقلية في بعض الأحيان:


لم يدخل الإمام أحمد في الكلام ولا الفلسفة فقد قال عن نفسه: "لستُ بصاحب كلام، ولا أدري الكلام في شيء من هذا إلا ما كان في كتاب الله أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه أو عن التابعين رحمهم الله، فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود"[1]


وقال حاكيًا عن موقفه مع المعتزلة في أثناء محنته: "ولقد احتجوا علي بشيء ما يقوى قلبي ولا ينطلق لساني أن أحكيه، أنكروا الآثار وما ظننتهم على هذا حتى سمعت مقالتهم، وجعل ابن عون[2] يقول: الجسم، وكذا، وكذا، فقلت: لا أدري ما تقول، وقلت: هو الأحد الصمد"[3]


ومع هذا فإن الأدلة العقلية ليست حكرًا على الفلاسفة والمتكلمين بل صاحب الأثر له القد المعلى في ذلك.


وفيما يلي ذكر لبعض النصوص عن أحمد التي وفق فيها أحمد بين العقل والنقل:


فحين قال الجهمية إن الله في كل مكان واستشهدوا بقوله تعالى: " وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ"[4]


قال الإمام أحمد: "هو إله من في السماوات وإله من في الأرض، وهو على العرش وقد أحاط علمه بما دون العرش، ولا يخلو من علم الله مكان، ولا يكون علم الله في مكان دون مكان، فذلك قوله: " لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا"[5] ومن الاعتبار في ذلك: لو أن رجلًا كان في يديه قدح من قوارير صاف، وفيه شراب صاف، كان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم في القدح، فالله –وله المثل الأعلى- قد أحاط بجميع خلقه من غير أن يكون في شيء من خلقه"[6]


وذهب الجهمية إلى أن صفات الله مخلوقة؛ لأنهم توهموا أن إثبات القدم لها يستلزم تعدد القدماء فيكون منافيًا للتوحيد؛ فقال الإمام أحمد: "قالوا: لا تكونوا موحدين أبدًا حتى تقولوا: قد كان الله ولا شيء.


فقلنا: نحن نقول: قد كان الله ولا شيء، ولكن إذا قلنا: إن الله لم يزل بصفاته كلها، أليس إنما نصف إلهًا واحدًا بجميع صفاته؟


وضربنا لهم في ذلك مثلًا فقلنا: أخبرونا عن هذه النخلة أليس لها جذع وكرب وليف وسعف وخوص وجمار؟! واسمها اسم شيء واحد، وسُميت نخلة بجميع صفاتها، فكذلك الله –وله المثل الأعلى- بجميع صفاته إله واحد، لا نقول: إنه قد كان في وقت من الأوقات ولا يقدر حتى خلق له القدرة، والذي ليس له القدرة هو عاجز، ولا نقول: قد كان في وقت من الأوقات ولا يعلم حتى خلق له علمًا فعلم، والذي لا يعلم هو جاهل، ولكن نقول: لم يزل الله عالمًا قادرًا،؟ لا متى ولا كيف، وقد سمى الله رجلًا كافرًا اسمه الوليد بن المغيرة فقال: " ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا"[7]وقد كان هذا الذي سماه وحيدًا له عينان وأذنان ولسان وشفتان ويدان ورجلان وجوارح كثيرة، فقد سماه الله وحيدًا بجميع صفاته، فكذلك الله –وله المثل- هو بجميع صفاته إله واحد"[8]







[1] الجامع ج3 ص496

[2] وهو أحد المعتزلة وليس الإمام المعروف

[3] الجامع ج3 ص474

[4] الأنعام 3

[5] الطلاق 12

[6] الجامع ج3 ص303

[7] المدثر 11

[8] الجامع ج3 ص327













[1]الجامع لعلوم الإمام أحمد ج3 ص26 – طبعة دار الفلاح – الفيوم – الطبعة الأولى سنة 1430 - 2009



[2] الجامع ج3 ص316



[3] الجامع ج3 ص381


[4] الجامع ج3 ص384

[5] الجامع ج3 ص393 - 394

[6] الجامع ج3 ص395

[7] الجامع ج3 ص396

[8] الجامع ج3 ص25

[9] الجامع ج3 ص139

[10] الجامع ج3 ص93

[11] الجامع ج3 ص139

[12] الجامع ج3 ص293

[13] أي العقائد

[14] الجامع ج3 ص25

[15] الجامع ج3 ص546

[16] الإتقان في علوم القرآن ج3 ص3 – 4 – تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم – طبعة الهيئة العامة المصرية للكتاب – سنة 1394 - 1974

[17] آل عمران 7

[18] الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ج2 ص772 – تحقيق د علي بن محمد الدخيل – طبعة دار العاصمة – الرياض.

[19] هو الجهم بن صفوان، وإليه تُنسب الجهمية، وكان ينكر صفات الباري جل وعلا تنزيهًا له بزعمه، ويقول بخلق القرآن، ويقول إن الله في الأمكنة كلها، ويقول إن التلفظ بالكفر لا يؤثر على إيمان القلب، وتوفي سنة مائة وثامنية وعشرين وانظر سير أعلام النبلاء ج6 ص26 - 27

[20] الأنبياء 2

[21] البقرة 143

[22] الإنسان 6

[23] الانفطار 13

[24] الانفطار 14

[25] البقرة 143

[26] البقرة 143

[27] الأحزاب 43


[28] هود 18



[29] المائدة 80



[30] العنكبوت 45



[31] الأنبياء 50



[32] الصافات 96


[33] الأنبياء 2

[34] الذاريات 55

[35] الليل 9



[37] الأنبياء 2

[38] الجامع لعلوم الإمام أحمد ج3 ص577 - 579

[39] هو عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن الإمام الكبير وأحد أفراد الدنيا في علم الحديث، سمع من سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج ومالك بن أنس وهشام الدستوائي وغيرهم، وروى عنه عبد الله بن المبارك وعبد الله بن وهب وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وإسحاق بن راهويه وخلق آخرون، وتوفي سنة مائة وثمان وتسعين، وانظر سير أعلام النبلاء ج9 ص192 – 209.

[40] الجامع ج4 ص358

[41] الجامع ج3 ص518

[42] الجامع ج4 ص23

[43] الجامع ج3 ص411

[44] وهم الذين يقولون: القرآن كلام الله. ثم يقفون فلا يقولون: مخلوق، ولا غير مخلوق.

[45] الجامع ج3 ص516

[46] المصدر السابق

[47] هو علي بن الجعد بن عبيد الإمام الحافظ محدث بغداد حدث عن شعبة وسفيان الثوري ومالك بن أنس وغيرهم، وروى عنه البخاري وأبو داود وأحمد بن حنبل وأبو حاتم الرازي وأبو زرعة الرازي وخلق آخرون، ووثقه يحيى بن معين وغيره، ونسبه بعض النقاد إلى الجهمية وأنكر ذلك آخرون، وتوفي سنة مائتين وثلاثين، وانظر سير أعلام النبلاء ج10 ص459 - 467

[48] الجامع ج4 ص9

[49] الجامع ج3 ص511

[50] الجامع ج3 ص515

[51] الجامع ج3 ص273

[52] الجامع ج3 ص389

[53] الجامع ج3 ص418

[54] هو عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل،، أخذ علم أبيه ورواه عنه، وروى عنه النسائي وغيره، وتوفي سنة مائتين وتسعين، وانظر سير أعلام النبلاء ج13 ص516

[55] الجامع ج3 ص531

[56] مجموع الفتاوى ج12 ص74 - 75

[57] سير أعلام النبلاء ج11 ص290

[58] سنن الترمذي (2226)

[59] الجامع في علوم الإمام أحمد ج4 ص339

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 05:27 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات