شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 3 > تفريغ المحاضرات و الدروس و الخطب ---------- مكتوبة
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: تسربات المياه بالمباني وطرق الحل (آخر رد :مايكروسيستم د)       :: طرق التخلص من تسربات المياه بالرياض (آخر رد :مايكروسيستم د)       :: الشرح التفصيلي برنامج كلام الله المصحف الالكتروني المعلم صوت و صورة لكل القراء (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصاحف الباوربوينت 5 مصاحف القران مكتوب بجودة رهيبة (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف محمد سايد رواية ورش مقسم صفحات كامل 604 صفحة طبعة المدينة جودة رهيبة mp3 (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: برنامج كلام الله مع خاصية التكرار تكرار الصفحات القارئ حسن صالح رواية ورش عن نافع (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: برنامج كلام الله المصحف الإلكتروني المعلم صوت و صورة مع خاصية التكرار تكرار الصفحات القارئ انس جلهوم (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: برنامج كلام الله مع خاصية التكرار تكرار الصفحات القارئ الحسيني العزازي مصحف معلم مع ترديد الأطفال (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: برنامج كلام الله مع خاصية التكرار تكرار الصفحات القارئ حسن عيسى المعصراوي رواية ورش (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: برنامج كلام الله القارئ محمد عبد الحكيم سعيد العبد لله رواية قنبل عن ابن كثير (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 02-19-2015, 04:49 AM
منتدى فرسان الحق منتدى فرسان الحق غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 7,826
افتراضي من قصص السابقين (الوقوف مع حاجات المنكوبين)

من قصص السابقين (الوقوف مع حاجات المنكوبين)



الشيخ إبراهيم بن صالح العجلان





معاشرَ المسلمين:
الوقوفُ مع حاجاتِ المنكوبين، والعَيْش مع معاناة الآخرين، خُلُق عربي نبيل، ومبدأٌ إسلاميٌّ أصيل، ومن أفعال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - المشهودة له قبْلَ البَعْثة: أنَّه كان يَحْمِل الكلَّ، ويَقري الضيف، ويَكْسِب المعدوم، ويُعِين على نوائبِ الحق.

فكم نحنُ بحاجة أن نستشعرَ هذه المبادئ، ونعزِّزها في زمَنٍ تعالتْ فيه صرَخات اليتامى، وسُمِعت فيه تأوُّهات الثَّكالَى!
ما أجملَ أن نتحدَّث عن إغاثة الملهوف، وتفريج المكروب!
وما أروعَ أن نتكلَّم عن نجْدة المظلوم، ومواساة المكلوم!

ولكن أجمل مِن ذلك وأرْوع، أن نرَى هذه القِيم مثالاً، وهذه المُثَل فِعالاً.
نراها في شخصيَّات عاشتْ ذلك واقعًا محسوسًا، وشاهدًا ملموسًا.

فتعالوا - إخوةَ الإيمانِ - مع حديث الأزمات، وخبر مِن أخبار المجاعات.

مع عمر - رضي الله عنه - وخبرِه عامَ الرَّمادة، فحياته - رضي الله عنه - مع هذه المأساة عجَبٌ من العُجاب، ومواقفه مع هذه المِحْنة عبرةٌ، ورِسالة لكلِّ صاحِب مسؤولية وولاية، خاصَّة أو عامَّة، أن يستشعرَ عِظم المسؤولية، وأمانة التكليف.

إخوة الإيمان:
في السّنة الثامِنة عشرة مِن الهجرة، كانتْ مدينة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وما حولَها مِن البوادي على موعد مع مجاعةٍ لم تعرفْها العرَب في تاريخها.

وقعَتْ هذه المسْغَبة بعد انقطاعِ المطر عن أرْض الحِجاز مدةً طويلة، فحصَل القحْط، ومات الزَّرْع، وقلَّتِ اللُّقْمة، وعُدِم أطايبُ الأكْل، ونزر الكلام، وكفَّ السائلون عن السُّؤال، وهَزلتِ المواشي، فكان الرجل يذْبح الشاةَ فيَعافُها مِن قُبْحها، وجَعلتِ الوحوش تأوي إلى الإنس، وحصلتْ مَسْغبةٌ ما عرفتْها العرب في أيَّامها؛ حتى كان الرجلُ القويُّ يتلوَّى بيْن أهْله مِن شدَّة المَخْمَصة، وماتَ كثيرٌ من الأطفال والنِّساء في تلك السَّنة.

وانجفَل أهلُ البادية إلى المدينة، لعلَّهم يَجدُون عندَ الخليفة ما يسدُّ حاجتَهم، ويُسكِت بطونَهم، وكانتْ أعدادهم تَزيد على ستِّين ألفًا، وبقُوا أشهرًا عدَّة، ليس لهم طعامٌ إلا ما يُقدَّم لهم من بيْت مالِ المسلمين، أو مِن أهل المدينة آنذاك.

روى ابنُ كثيرٍ في "تاريخه": "أنَّ عمر - رضي الله عنه - عسَّ ذاتَ ليلة عام الرَّمادة، وقد بلَغ بالناسِ الجهْد كلَّ مبْلَغ، فلم يَسمع أحدًا يضحَك، ولم يسمع متحدِّثًا في منزله، ولم يرَ سائلاً، فتعجَّب وسأل، فقيل: يا أميرَ المؤمنين، قد سألوا فلم يجدوا، فقَطَعوا السؤال، فهم في هَمٍّ وضِيق، لا يتحدَّثون ولا يضحكون.

أمَّا حال عمر - رضي الله عنه - مع تلك المجاعَة، فلا تَسلْ عن حاله!
تغيَّرت عليه الدُّنيا، وأظلمتْ عليه المدينة، طالَ كمدُه، وتغيَّر لونُه، وذبُل جِسمُه، وحمَل همًّا لا تتحمَّله الجبال الرواسي.

كان - رضي الله عنه - أكثرَ الناسِ إحساسًا بهذا البلاء، وتحمُّلاً لتبعاته، فكان لا ينام إلا غِبًّا، ولا يأكل إلا تَقوُّتًا، ولا يلبس إلا خَشِنًا.

عاش كما يعيش الناس، تنفَّس همومَهم وغمومَهم، وذاق حاجتَهم وفاقتَهم، بل كان أولَ مَن جاع وآخِرَ مَن شَبِع، ما قَرُب امرأةً من نِسائه زمنَ الرَّمادة، حتى أحيا الناس من شدَّة الهمِّ.

قال عنه خادمُه أسلم: كنَّا نقول: لو لم يرفعِ الله - تعالى - المَحْلَ عام الرمادة، لظننَّا أنَّ عمرَ يموت همًّا بأمر المسلمين.

خطَب الناسَ عامَ الرمادة، فقَرْقَر بطنُه وأمعاؤه من الجوع، حتى سَمعتِ الرعية قرقرةَ بطنه، فطعَن بإصْبعه في بطْنه، وقال: قرقِرْ أو لا تقرقِر، والله لا تشبعْ حتى يشبعَ أطفالُ المسلمين.

هذا هو الفاروق، هذا هو ابن الخطَّاب، الذي حَكَم دِيارَ الإسلام من مشرِقها إلى مغربها، فليأتِ لنا التاريخ، ولتحضر لنا البشرية بمِثْل عمر، عَقمتِ النِّساء أن يلدنَ مثل عمر.
يَا مَنْ يَرَى عُمَرًا تَكْسُوهُ بُرْدَتُهُ
وَالزَّيْتُ أُدْمٌ لَهُ وَالْكُوخُ مَأْوَاهُ

يَهْتَزُّ كِسْرَى عَلَى كُرْسِيِّهِ فَرَقًا
مِنْ خَوْفِهِ وَمُلُوكُ الرُّومِ تَخْشَاهُ



أمَّا أخبارُ عمر وقصصه مع هذه الخَصَاصة، وتلك المسْكَنة، فأمرٌ لا ينقضي عجبُه، وشيءٌ يعزُّ نظيرُه في تاريخ البشرية، ولعلَّنا نتلمَّس طرَفًا منها، فاستقصاؤها مقامٌ يطول.

إخوة الإيمان:
ها هي العيونُ قد هدأتْ، والجُفون قد نامتْ، والنجوم قد تلألأتْ، فلا تكاد تَسْمع في المدينة أنيسًا، ولا متحدِّثًا ولا ماشيًا، إلا رجلاً طوالاً لم تكتحلْ جفونُه بنوم، أخذ دِرَّته، وجعل يجوب سِكك المدينة، يتفقَّد حاجاتِ المحتاجين، ويرَى بنفسه تضرُّعاتِ البائسين، إنَّه الفاروق - رضي الله عنه - نَما إلى علمه أنَّ جماعة في أقْصى المدينة قد نَزَل بهم من الضُّرِّ أكثرُ مما نزل بغيرهم، فحمل الفاروق - رضي الله عنه - جِرابينِ من دقيق، وأمَر خادمَه أسْلمَ أن يَلحقه بقِرْبة مملوءة زَيتًا، وأسْرع عمرُ في الخُطَا، حتى وصل إلى أولئك المحتاجين، ورَقَّ لحالهم، وتأثَّر مِن خماصتهم، فوضَع بنفسه الطعامَ في القِدْر، ونفَخ في النار، حتى كان الدُّخَان يخرُج من بيْن لحيته البيضاء، فطبَخ للقوم طعامَهم، ووزَّعه عليهم حتى شَبِعوا، وطابتْ عينُه بعدَ ذلك، ثم أمَر بهم، فحُمِلوا إلى داخلِ المدينة حتى يكونوا قريبًا منه.

هذا الموقِف المؤثِّر حرَّك مشاعرَ الشاعر حافظ إبراهيم، فهاجتْ نفسه بهذه الأبيات:
وَمَنْ رَآهُ أَمَامَ القِدْرِ مُنْبَطِحًا
وَالنَّارُ تَأْخُذُ مِنْهُ وَهْوَ يُذْكِيهَا

وَقَدْ تَخَلَّلَ فِي أَثْنَاءِ لِحْيَتِهِ
مِنْهَا الدُّخَانُ وَفُوهُ غَابَ فِي فِيهَا

رَأَى هُنَاكَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى
حَالٍ تَرُوعُ لَعَمْرُ اللَّهِ رَائِيهَا

يَسْتَقِبْلُ النَّارَ خَوْفَ النَّارِ فِي غَدِهِ
وَالْعَيْنُ مِنْ خَشْيَةٍ سَالَتْ مَآقِيهَا



كان - رضي الله عنه - دائمًا ما يقول: كيف يَعنيني شأنُ الرعية، إذا لم يمسَّني ما مسَّها؟!

لقدْ كان بإمكان الفاروق - رضي الله عنه - أن يُؤثِر بنفسه وأهله ما في بيْت المال، ويَعيش حياةً رغيدةً بعيدةً عن هؤلاء وشأنهم، ولكن الإيمان الذي بيْن جَنْبيه، والخوْف مِن ربِّه الذي فتَّ فؤاده فتًّا، جعلَه يترك هذه الأثرَة، ويذوق آلامَ الآخرين.

بل أبعد مِن ذلك - عباد الله -: أنَّ عمر - رضي الله عنه - كان يحمل أهلَه، وأولاده زمنَ الرمادة، على شِدَّة وشَظَف العيش.

دخَل يومًا على ابنه عبدالله، فوجدَه يأكُل شرائحَ لحْم، فلامه، وقال له: ألا إنَّك ابنُ أمير المؤمنين، تأكُل لحْمًا، والناس في خَصاصة! ألاَ خُبزًا ومِلحًا، ألا خبزًا ومِلحًا.

ورأى يومًا بطيخةً في يدِ ولدٍ من أولاده، فصاح به: بخٍ بخٍ يا ابنَ أمير المؤمنين، تأكل الفاكهةَ وأمَّة محمَّد هَزْلَى!

كان - رضي الله عنه - يؤثِر بطعامه الآخرين على نفسه، أمَرَ يومًا بنَحْر جزور، وتوزيع لحمِه على أهل المدينة، وعندما جلَس عمرُ لغدائه، وجَدَ سنامَ الجذور وكبدَه على مائدته، وهما أطيبُ ما في الجَذور، فسأل: مِن أين هذا؟ فقالوا: مِن الجزور الذي ذُبِح اليوم، فأزاحه بيده، وقال: بئس الوالي أنا، إن طعمتُ طيبَها، وتركتُ للناس كراديسَها؛ يعني: عظامها، ثم أمر بمأدبته المعهودة، خبز يابس وزَيْت، فجعل يكسِر الخبز ويثرده بالزَّيت، ولم يكملْ هذه الوجبة المتواضعة؛ لأنَّه تذكر أهل بيتٍ لم يأتِهم منذ ثلاثة أيام، فأمر خادمَه بحمْل الطعام إلى ذلك البيت.
قِفْ أَيُّهَا التَّارِيخُ سَجِّلْ صَفْحَةً
غَرَّاءَ تَنْطِقُ بِالخُلُودِ الكَامِلِ

حَرِّكْ بِسِيرَتِهِ الْقُلُوبَ فَقَدْ قَسَتْ
وَعَدَتْ بِقَسْوَتِهَا كَصُمِّ جَنَادِلِ



كان - رضي الله عنه - في تلك المَخْمَصة كثيرَ التضرُّع لربِّه، منكسرَ الحال، ملازمًا للصلاة، لم ينقطعْ لسانُه عن الاستغفار.

لقد فقُه الفاروق - رضي الله عنه - أنَّ هذه الصِّعابَ ليس لها كاشِف إلا مسبِّبها، فعجَّ إلى ربِّه بالدعاء، وسعَى بعد ذلك إلى إصلاح نفسه، ومحاسبتها، وإصْلاح رعيته وتذْكِيرها.

ذكر ابنُ سعْد في "الطبقات"، عن سُليمانَ بن يَسَار، قال: خطَب عمرُ الناسَ في زمن الرمادة، فقال: يا أيُّها الناس، اتَّقوا الله في أنفسِكم، وفيما غاب عنِ الناس من أمرِكم، إلى أن قال: هلمُّوا فلندعُ الله أن يصلحَ قلوبنا، وأن يرحمَنا، وأن يرفعَ عنا المَحْل، قال الراوي: فرُئي عمر - رضي الله عنه - يومئذ رافعًا يديه يدعو، والناس يدعون، حتى بكَى، وأبْكى الناس مليًّا.

قال عنه ابنُه عبدالله: سمعتُ أبي في السَّحَر يقول: اللهمَّ لا تجعلْ هلاكَ أمَّة محمَّد على يدي، وكان يقول: اللهمَّ لا تُهْلِكْنا بالسِّنين، وارْفع عنَّا البلاء.

وخرَج - رضي الله عنه - إلى المصلَّى يستسقي، ومعه النَّاس، والضَّعَفة والأطفال، فخرَج متواضعًا متضرِّعًا متخشِّعًا، فصلَّى بالناس ركعتَين، لم يدرِ الناس ما يقولُ مِن البُكاء، ثم وعَظ الناسَ وذكَّرهم، ثم ألحَّ في الدعاء، وألظَّ في المسألة، وكان مِن سؤاله: اللهمَّ عجزتْ لنا أنصارُنا، وعجزتْ عنا حَوْلُنا وقوَّتنا، وعجزتْ عنَّا أنفسُنا، ثم أخَذ بيَدِ العباس بن عبد المطَّلب، فقال: اللهمَّ إنَّا كنَّا نستسقي إليك بنبيِّنا فتسقينا، وإنَّا نتوسَّل إليك بعمِّ نبيِّنا فاسْقنا، وكان العبَّاسُ قد طال عمرُه، ورقَّ عظمُه، فجعلتْ عيناه تذرِفان، وهو يقول: اللهمَّ أنتَ الراعي فلا تُهملِ الضالَّة، ولا تَدعِ الكسيرَ بدار مضيعة، فقد صرَخ الصَّغير، ورقَّ الكبير، وارتفعتِ الشَّكْوى، وأنت تعلم السِّرَّ وأخْفَى، فأغْنِنا بغناك.

واستجاب الله الدُّعاء، وعمَّتِ الرحمة، وأرسلتِ السَّماء خيراتِها، فلم يكَد ينصَرِف الناس إلى منازلهم، حتى خاضوا الغُدران، واستبشر المسلِمون خيرًا، وعَرَفوا أنَّ المددَ الإلهي قد قرُب.

بَيْدَ أنَّ الفاروق - رضي الله عنه - بعدَ هذا الخير العميم، لم يَقفْ موقفَ المتواكِل؛ لأنَّ الأرض لن تخرجَ بركتَها إلا بعد أيَّام كثيرة، والناس حولَه يتضاوون مِن الجوع ويموتون، فسلَك كلَّ طريقة فيها إغاثةُ الناس، وما ترك وسيلةً فيها إصلاحُ الناس إلا سعَى إليها.


تَرَك أخْذ الزكاة من الناس ذلك العام، وأنْفق كلَّ ما في بيت المال من الطعام والكساء، واشترى كلَّ ما في السوق من الأكل، حتى نفد الطعام، وأصبحَ المال لا قيمةَ له بعد ذلك.

ذكر ابنُ كثير: أنَّ عمر عام الرَّمادة قد غفل عن طلب الغَوْث من أمراء المناطق، حتى أشارَ عليه بعضُ الصحابة، فقال عمر - رضي الله عنه -: الله أكبر! بلَغ البلاء مدَّته.

ثم كتَب إلى عُمَّاله في المناطِق، الغوثَ الغوثَ، كتب إلى أبي عُبيدة بالشام، وإلى عمرو بن العاص بمصر، وإلى معاويةَ بنِ أبي سُفيان بالعِراق، يستغيثهم ويستمدُّهم، فأسرع الولاةُ لنجدةِ خليفتهم، وعاصمةِ إسلامهم، فجاءتْ قوافلُ المسلمين تزحَف كالسيل، محمَّلة بالطعام والكِساء.

كتب إليه عمرو بن العاص، أتاك الغوثُ يا أميرَ المؤمنين، لأبعثنَّ إليك بعِيرٍ أولُها عندَك، وآخرُها عندي، ووصلتْ تلك الإغاثات إلى عمر - رضي الله عنه - فسُرِّي عنه، وخفَّ همُّه، وبرد غمُّه، وقسم على كل ناحية مِن نواحي المدينة أمراء، يتولَّوْن إطعامَ الناس، ومتابعةَ حاجاتهم، ثم يجتمعون عندَه في المساء؛ ليوافوه بأخبار الناس، بل كان عمر - رضي الله عنه - يُشرِف بنفسه أحيانًا على إطْعام الناس، فيقول: أطعموا هؤلاء، وزِيدوا مرقةَ أولئك.

ذكر ابن سعد: أنَّ عمر - رضي الله عنه - سأل يومًا: أحْصُوا مَن تعشَّى عندنا، فأحصَوْهم فكانوا سبعةَ آلاف، وفي ليلةٍ أخرى عشرة آلاف.

واستمرَّتِ القدور العُمرية الضَّخْمة تستعِرُ نارُها من بعد الفجْر إلى المساء، وكان عمر - رضي الله عنه - يُرسِل إلى الناس مؤنةَ شهر ممَّا يصله من الأمصار.

ثم بعد تِسعة أشهر، أخرجتِ الأرضُ خيرَها، وعمَّتْ بركتُها، وزال الضِّيق، ورُفِعتِ الكُربة، ولهجتِ الألْسن بحمد الله وشُكْره، فجعل الناس يترحَّلون من المدينة بعدَ أيام عَنَت ومشقَّة عاشوا فيها، وفقدوا فيها أحبابَهم.

وجعَل الفاروق - رضي الله عنه - يسيرُ معهم، ويودِّعهم بدمعات حارَّة، يرَى تلك الوفود التي أَوَتْ إليه جائعةً متهالِكة خائفة، ها هي الآن تعود إلى دِيارها ومساكِنها، آمنةً مطمئِنَّة، معها الزادُ والخير الكثير، فقال رجلٌ لعمر في هذا المظهر المهيب: أشهد أنَّها انحسرتْ عنك، ولستَ بابن أَمَة، فقال له عمر: ويلَك! ذلك لو كنتُ أنفقتُ عليهم مِن مالي أو مِن مال الخطَّاب، إنَّما أنفقتُ عليهم من مال الله - عزَّ وجلَّ.

وبعدُ، إخوة الإيمان:
فإنَّ النفوس بعدَ سماع هذه الأخبار، ونوادر المواقِف، لا يَسعُها إلا أن تقِفَ خاشعة، مترضيةً عن فاروق الأمَّة، عارفةً فضلَه وفضائلَه، وقدمَه، وأياديَه على أهل الإسلام، نسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجمعنا وإيَّاكم مع هذه الصفوة الصادقة في دار كرامته، ومستقر رحمته، أقول ما قد سمِعْتُم....

الخطبة الثانية

الحمدُ لله وكفَى، والصلاة والسلام على عبده المصطَفى، وعلى آله وصحبه ومَن اجتبَى.

أما بعد:
فيا أيُّها الناس، لقد علَّم الفاروق - رضي الله عنه - الأمَّةَ مِن بعده دروسًا كثيرةً عام الرَّمادة:
فعلَّم الأمَّة: استشعارَ عظمة المسؤولية لكلِّ صاحب ولاية عامَّة أو خاصَّة، تتعلَّق بمعاشِ الناس وعَيْشهم ورِزقهم، أن يتقيَ ربَّه في أمْر الناس، وأن يستشعرَ حاجاتهم، ويتابع معاناتهم، حتى يرَى الناس فِعالَه قبل كلامه، في رَفْع الشِّدَّة عنهم، وتخفيف الضُّرِّ الذي أصابَهم.

وعلَّم عمرُ الأمَّةَ أيضًا صِدْقَ اللجوء إلى الله تعالى في المُلمَّات، وشكاية الحال إليه في الأزَمات، وأنَّ هذا هو أولُ خُطوة صحيحة تَستدفع بها الأمَّةُ الخطوبَ، وتستكشف عنها الكروب؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].

وعلَّمتْنا مدرسةُ الفاروق أيضًا: أنَّ التخطيط السَّليم والتدبير الحَكيم مِن أنجحِ الطُّرق للخروج مِن الأزمات، وعلَّم عمرُ الأمَّة من بعده مبدأَ التضامن الإسلامي، وأن يسعَى المسلِمون في مواساةِ إخوانهم المنكوبين والمحصورين، فـ ((المسلِم أخو المسلِم))، و ((المسلِمون كالجَسد الواحد، إذا اشْتكى منه عضوٌ تَدَاعى له سائرُ الجسَد بالسَّهر والحُمَّى)).

لا تكن هذه المعاني - عباد الله - مجرَّد ألفاظ تلوكها الأفواه، وتستعذِبها القرائح، ولا رصيدَ لها في تطبيقات الواقِع.

كم يعيش المسلِمون اليومَ في مناطقَ في أفريقيا حالة تُشبِه حالةَ الرَّمادة في عهْد عُمر!
كم يذوق إخواننا في أرْض الإسراء مِن ضِيق وضَنْك، وحِصار مِن أرذل الخَلْق، وأنذل الخليقة، حتى كثُرت مناداتهم، وعَلَت تأوهاتهم، وبُحَّتْ أصواتُهم من كثرة المسألة، وبلاد المسلمين تُنفق المليارات، لا نقول: في الأمور الضروريَّة والحاجية، بل في الأمور الكماليَّة والتافِهة!!

إنَّ السعيَ في رفْع معاناة البائسين - عباد الله - لا يقتصر على المال مع أهميَّته، بل يشمل السعيَ باللِّسان، وبالقَلم، وبالجاه، والشفاعة الحَسَنة، وأضعَفُها الدُّعاء.

وفي الحديث: ((إنَّ الرجل ليتكلَّم بالكلمة مِن رضوان الله - عزَّ وجلَّ - ما يظنُّ أن تبلغَ ما بلغتْ، يَكتُب الله - عزَّ وجلَّ - بها رِضوانَه إلى يومِ القيامة))؛ رواه الإمام أحمد وغيره، وهو حديث صحيح.

نسأل الله - عزَّ وجلَّ - بمنِّه وكَرمه أن يجعلَنا وإيَّاكم مفاتيحَ للخير، مغاليقَ للشرِّ، وأن يجعلنا مباركين أينما كنَّا، وأن يرزقَنا العملَ بمرضاته، والاستمساكَ بطاعته.

عبادَ الله، صلُّوا على خير البريَّة.








ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

__________________
الاميل و الماسنجر

alfirdwsiy1433@ymail.com


شبكة ربيع الفردوس الاعلى
نحتاج مشرفين سباقين للخيرات


اقدم لكم 16 هدايا ذهبية



الاولى كيف تحفظ القران بخاصية التكرار مع برنامج الريال بلاير الرهيب وتوضيح مزاياه الرهيبة مع تحميل القران مقسم ل ايات و سور و ارباع و اجزاء و احزاب و اثمان و صفحات مصحف مرتل و معلم و مجود
مع توضيح كيف تبحث في موقع ارشيف عن كل ذالك


والثانية
خطا شائع عند كثير من الناس في قراءة حفص بل في كل القراءات العشر
تسكين الباء في كلمة السبع في قوله تعالى ( وما اكل السبع ) سورة المائدة الاية 3
والصحيح ضمها لان المراد بها هنا حيوان السيع بخلاف السبع المراد بها العدد سبعة فان الباء تسكن كما في سورة المؤمنون الاية 86
- قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم - ولا تنسى قراءاة كتاب اسمه الاخطاء الشائعة في قراءة حفص وهذا رابطه لتحميله
https://ia701207.us.archive.org/34/i...ng-of-hafs/pdf

واسمع اليها في تلاوة عندليب الاسكندرية الخاشع الشيخ شعبان محمود عبد الله السورة رقم 5 المائدة ورقم 23 المؤمنون
حيث يقف الشيخ على كلمة السبع في سورة المائدة لتوضيح ضم الباء
http://archive.org/details/sha3baan-mahmood-quran



والهدية الثالثة

لاول مرة من شرائي ومن رفعي
رابط ل صفحة ارشيف تجد في اعلاها
مصحف الحصري معلم
تسجيلات الاذاعة
نسخة صوت القاهرة
النسخة الاصلية الشرعية
لانا معنا اذن من شركة صوت القاهرة بنشر كل مصاحفها بعد شرائه وتجد في نفس الصفحة كيفية الحصول على مصاحف اخرى نسخة صوت القاهرة



وحين تفتح لك الصفحة اقرا فيها كيفية الحصول على كل مصاحف صوت القاهرةبجودة رهيبة لا تصدق سي دي اوديو معدل الجودة 1411 ك ب
وايضا بجودة رهيبة ام بي ثري معدل الجودة 128 كيلو بايت

ايضا تجد في نفس الصفحة
رابط ل ملف مضغوط zip فيه روابط ل 696 مصحف مقسمين الى روابط تورنت ومباشرة وجودة فلاك مع الشرح كيف تكفر عن ذنوبك وتكسب ملايين الحسنات عن طريق التورنت
مع برنامج تورنت سريع وشرح كيفية عمله
مع هدايا اخرى ومفاجات
مع صوت ابي العذب بالقران

تجد ايضا في الملف المضغوط zip مقطع صغير لصوت ابي العذب بالقران
من اراد ان ياخذ ثواب البر بابيه وامه حتى بعد موتهما فليسمع صوت ابي العذب بالقران لان الدال على الخير كفاعله بالاضافة الى ان صوته العذب بالقران يستحق السماع
وحاول ان تزور هذه الصفحة دائما لتجد فيها
الجديد من الملفات المضغوطة zip
فيها الجديد من روابط المصاحف
والتي ستصل الى الف مصحف باذن الله
********************************
ولا ننسى نشر موضوع المصاحف وموضوع صوت ابي في المنتديات المختلفة ولا يشترط ان تقولو منقول بل انقلوه باسمكم فالمهم هو نشر الخير والدال على الخير كفاعله وجزاكم الله خيرااااااااااااااااا
اكتب في خانة البحث ل موقع صفحة ارشيف او في جوجل او يوتيوب
عبارة ( مصحف كامل برابط واحد) لتجد مصاحف هامة ونادرة كاملة كل مصحف برابط واحد صاروخي يستكمل التحميل والمصاحف تزيد باستمرار باذن الله

او اكتب عبارة (صوت القاهرة ) لتجد مصاحف اصلية نسخة صوت القاهرة

والهدية الرابعة

اسطوانة المنشاوي المعلم صوت و صورة نسخة جديدة 2013 نسخة اصلية من شركة رؤية مع مجموعة قيمة جدا من الاسطوانات التي تزيد يوما بعد يوم على نفس الصفحة


والهدية الخامسة

مصحف المنشاوي المعلم فيديو من قناة سمسم الفضائية

والهدية السادسة


مصحف المنشاوي المعلم صوتي النسخة الاصلية بجودة رهيبة 128 ك ب

والهدية السابعة

مصحف القران صوتي لاجمل الاصوات مقسم الى ايات و صفحات و ارباع و اجزاء و اثمان و سور كل مصحف برابط واحد صاروخي يستكمل التحميل



الهدية الثامنة

من باب الدال على الخير كفاعله انقلوا كل المواضيع فقط الخاصة بالشبكة والتي هي كتبت باسم المدير ربيع الفردوس الاعلى ولا يشترط ان تقولومنقول بل انقلوه باسمائكم الطاهرة المباركة



والهدية التاسعة


جميع ختمات قناة المجد المرئية بجودة خيالية صوت و كتابة مصحف القران مقسم اجزاء و احزاب اون لاين مباشر


الهدية العاشرة

اون لاين مباشر جميع تلاوات القران الخاشعة المبكية فيديو

الهدية 11

اون لاين مباشر جميع تلاوات القران الخاشعة المبكية اوديو



الهدية 12

جميع مصاحف الموبايل الجوال - القران كاملا بحجم صغير جدا و صوت نقي

الهدية13

برنامج الموبايل و الجوال صوت و كتابة لكل الاجهزة الجيل الثاني و الثالث و الخامس


الهدية14

الموسوعة الصوتية لاجمل السلاسل والاناشيد والدروس و الخطب لمعظم العلماء


الهدية 15

الموسوعة المرئية لاجمل الدروس و الخطب

16

برامج هامة كمبيوتر و نت
رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 09:21 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات