الشريعة نظام مالي واقتصادي محكم
د. محمد يسري إبراهيم
لقد عظمت الشريعة من شأن العمل والسعي والكسب والتجارة؛ فقال الله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 198].
وقال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 10].
وقال الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].
وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 30].
وكما نصَّت على البيع فقد نوَّهت بالإجارة؛ فقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26].
ونهت عن إضاعة المال بالتبذير والإسراف، أو الإضاعة والإتلاف؛ فقال الله تعالى: ﴿ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴾ [الإسراء: 26].
وقال الله تعالى: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾ [النساء: 5].
وقال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29].
وحثَّت على التيسير على المُعسِر وإمهاله؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾ [البقرة: 280].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله يحبُّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يُتقنَه))[1].
وفي النظام الاقتصادي ربط بين العمل في الدنيا والثواب الأُخرويِّ، وفي الحديث: ((لا يَغرِس مسلمٌ غرسًا، ولا يزرع زرعًا؛ فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء، إلا كانت له صدقة))[2].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنْ قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فَسيلة، فإن استطاع ألا تقوم الساعة حتى يغرسها، فليفعل))[3].
وفي السنَّة وعيد شديد على المنكرات الاقتصادية، وفي الحديث: ((قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجلٌ أَعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره))[4].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أَعطوا الأجير أجرَه قبل أن يَجفَّ عرقه))[5].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إخوانُكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعِموهم مما تأكلون، وألبِسوهم مما تلبسون، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم))[6].
وقد كفلَتِ الشريعة الحقوق، وأعانت المدينين، ورفعت عن ورثتهم عبء السداد عند عدم القدرة، وفي الحديث: ((أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم؛ فمن تُوفِّي من المؤمنين فترك دَيْنًا فعليَّ قضاؤه، ومَن ترك مالاً فلورثته))[7].
وعظَّمت حرمة المال والمُحافظة عليه، وفي الحديث: ((مَن قُتِل دون ماله، فهو شهيد))[8].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((نِعم المال الصالح للرجل الصالح))[9].
وحذَّرت الشريعة من أن يتحوَّل الغني إلى عابدٍ للمال واقع تحت أسرِه وسلطانه، وفي الحديث: ((تَعِس عبدُ الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة؛ إن أُعطي رضي، وإن لم يُعط لم يرضَ))[10].
[1] أخرجه أبو يعلى في مسنده (4386)، والبيهقي في الشعب (4929).
[2] أخرجه البخاري (6012)، ومسلم (1552).
[3] أخرجه أحمد (12981)، والبخاري في الأدب المفرد (479).
[4] أخرجه البخاري (2227، 2270).
[5] أخرجه ابن ماجه (2443).
[6] أخرجه البخاري (30)، ومسلم (1661).
[7] أخرجه البخاري (2298)، ومسلم (1619).
[8] أخرجه البخاري (2480)، ومسلم (141).
[9] أخرجه أحمد (17763)، والبخاري في الأدب المفرد (299).
[10] أخرجه البخاري (2886).
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك