الوفاء بالعهد مع الأعداء
أ. د. عبدالحليم عويس
نحن نعاهد الناس، ونلتزم بأمر الله الذي يقول لنا ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾ [الأنفال: 58].
وقد أثبت تاريخنا هذه الحقيقة، بينما جُبِلت القوى المعادية للإسلام على خيانة العهود، واعتبارها مرحلية، وما تفعله قوى العلمانية مع العرب الذين استعانتْ بهم ضد الشيوعية، ثم غدرت بهم - دليلٌ على ذلك، كما أن ما وقع في محاكم التفتيش في الأندلس من أقوى الأدلة أيضًا.
لقد أخضعت الجيوش الإسلامية أقوامًا مختلفة منحها الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - الأمان، وأبقى على ملكيتها لخيراتها؛ لقاءَ تعويض مادِّي أو مالي متفاوت في أهميته، وذلك مثل قبيلة خَيْبر، وسكان البحرين من المجوس واليهود الذين اعتنق أميرهم الإسلام، وسكان شمالي الجزيرة العربية من النصارى في دومة وأيلة، ومن اليهود في أبروح ومكوع، وغير ذلك.
كما عقد النبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مع رهبان (دير سانت كاترين) في سيناء ميثاقًا يمنحهم بموجبه حرية كبيرة.
وأيضًا - كما يقول (بوازار) - عقد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - اتِّفاقًا مع نصارى (نجران)، اعتبره فقهاء المسلمين نموذجًا للتنظيمات الصالحة للتطبيق على الخاضعين للإسلام.
لقد أصدر النبي - صلى الله عليه وسلم - لدى زيارة أحد الوفود قرارًا يتعهَّد فيه بحماية سكان مدينتهم وجوارها، وتأمينهم على نفوسهم وممتلكاتهم، وضمان حريتهم في التمسك بعقيدتهم وعبادتهم.
وقد شملت الحماية والضمان جميع السكان، في حين ظلت مسؤولية الانتهاكات مسؤولية فردية يؤاخَذ عليها المجرمُ وحده، فلا يؤخذ عليها أي معاهَد بجريرةِ آخر، فضلاً عن أن يؤخذ قوم بجريرة أفراد مغرضين كما يفعل النّظام العالمي الجديد.
وكانت هناك أحكامٌ خاصة تمنع تدخُّل المسلمين في النظام الكهنوتي النصراني، وتحظر الإساءة إلى أهل الذمة، وتحظر كل شكل من أشكال الاضطهاد.
وهذا الاعتراف لا نقوله نحن، وإنما يقوله (مارسيل بوازار) في كتابه (إنسانيات الإسلام ص192).
ويؤكد التاريخ أن المسلمين لم ينكثوا عهدًا، ولم يخلُّوا بالتزام التزموه إلا بعد أن غدر أعداؤهم.
ولم يمكروا بالناس ليستعمروهم ويستولوا على خيراتهم تحت شعارات كذوب، وكيف يقع هذا من مسلم والإسلامُ يرفض اجتماع الإيمان مع الكذب، وهو يعلم المسلمين أيضًا بقوله: ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ [فاطر: 43]؟
وفي المقابل: كم كذب أعداؤنا! وكم مكر أعداؤنا! وكم اخترعوا من طرائق وخرائط للسلام، وكلها مكر وأوهام! بينما كنا نحن دائمًا ملتزمين بعهودنا، مطبِّقين لشرع ربنا الذي يأمرنا في كتابه الكريم بقوله: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ﴾ [النحل: 91].
هذه عهودنا.. دين، وحضارة، وقيم نبيلة.
وتلك عهودهم.. مكر، وخداع، وأهداف تبرِّر كل وسيلة!
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك