شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 9 > منتدى العقيدة
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: مصحف عمرو الدريني برواية ورش سورة 100 العاديات (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عمرو الدريني برواية ورش سورة 103 العصر (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عمرو الدريني برواية ورش سورة 099 الزلزلة (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عمرو الدريني برواية ورش سورة 098 البينة (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عمرو الدريني برواية ورش سورة 097 القدر (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عمرو الدريني برواية ورش سورة 096 العلق (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عمرو الدريني برواية ورش سورة 095 التين (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عمرو الدريني برواية ورش سورة 094 الشرح (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عمرو الدريني برواية ورش سورة 093 الضحى (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عمرو الدريني برواية ورش سورة 092 الليل (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

 
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية

  #1  
قديم 11-22-2014, 08:37 AM
منتدى اهل الحديث منتدى اهل الحديث غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 5,969
افتراضي (041)الإيمان هو الأساس نتائج-7 ـ أسباب الفرقة والتنازع التي نهى الله عباده المؤمنين عنها:


وهناك أسباب تفرق بين الناس، شرع الله لعباده المؤمنين تجنبها والابتعاد عنها:

( أ ) من ذلك: النهي عن الغيبة والنميمة والتجسس.

(ب) ومن ذلك: النهي عن التنافس في أمور الدنيا[بخلاف أمور الدين، فالتنافس الصادق فيها مطلوب.] المفضي إلى الضغائن والأحقاد، كبيع المسلم على بيع أخيه، وخطبته على خطبته وطلب الإمارة والحرص عليها.

(ج ) ومن ذلك: الغش، والخيانة، وخلف الوعد، والكذب، والغدر، والظلم، وشهادة الزور، والفجور عند المخاصمة.

ولقد حرص أصحاب الرسول صَلى الله عليه وسلم، ومن تبعهم بإحسان على تعاطي أسباب الاعتصام بحبل الله واجتماع كلمتهم على الحق، وعلى تجنب أسباب التنازع والشقاق، لقوة إيمانهم وحرصهم على طاعة الله ورسوله، واتجهوا بنشاطهم وأعمالهم إلى ما يرضي ربهم ويعز دينهم فحقق الله لهم بذلك العزة والقوة وألقي بذلك المهابة في قلوب أعدائهم ونصرهم عليهم، وكانوا يختلفون في مسائل الاجتهاد اختلاف مَن ينشد الوصول إلى الحق، لا اختلاف ذوي الأهواء والأطماع الذين لا يستقر لهم قرار إلا بصدع صف المسلمين وتفريق كلمتهم.
ولقد أعلن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رَضي الله عنه للناس شدة كراهيته للخلاف المؤدي إلى النزاع وآثر موافقته لمن سبقه من الخلفاء في بعض المسائل الاجتهادية، وإن خالفت رأيه، حرصاً منه رَضي الله عنه على اجتماع الكلمة، ووقاية للأمة من النزاع المؤدي إلى الفشل، كما روى ذلك عَبِيدة بن عمرو السلماني، عنه رَضي الله عنه، أنه قال: "اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف، حتى يكون الناس جماعة، أو أموت كما مات أصحابي"[ صحيح البخاري: (7/71 رقم: 3707) بشرح فتح الباري.].

8 ـ نصيب المسلمين اليوم من القوة والعزة:

للعزة المقصودة ـ هنا ـ معنيان:

المعنى الأول: أن يتحرر قلب المؤمن من عبودية كل ما سوى الله بعبوديته لربه تعالى وحده، فيعتز - أي يتقوى - به تعالى وبدينه وشريعته، فيتوكل على الله ويعتمد عليه، ويخافه، ولا يخاف - خوف عبادة - سواه من المخلوقين، ويطلب العزة والنصر من الله، لا من غيره، ويوقن بأن الله تعالى - وحده - هو المعز المذل وأن من سواه لا ينفع ولا يضر إلا بما قدره الله تعالى.

وهذا المعنى لا بد أن يلازم المؤمن الصادق الإيمانِ في حياته كلها، سواء أكان حاكماً أم محكوماً، سيدا أم مسوداً، قوياً أم ضعيفاً، غنياً أم فقيراً، غالباً أم مغلوباً، آسراً أم مأسوراً، فرداً أم جماعة، طليقاً أم سجيناً، فإذا كمل هذا المعنى في نفس المؤمن، فهو دليل كمال إيمانه، وهذا هو العزيز الحق الذي قال الله تعالى فيه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ(8)}[المنافقون].

وإن فقد هذا المعنى في من يدعي الإيمان فذلك دليل على أن دعواه كاذبة، وأنه ليس من أهل العزة، وإن بدا في ظاهر أمره عزيزاً بمال أو جاه أو منصب، أو غير ذلك، فهو ذليل في حقيقة الأمر لكل ذليل، كما سيأتي.

المعنى الثاني: امتلاك الأسباب المادية التي تكون عوناً للمؤمنين على الحياة الكريمة، من وسائل القوة، كالمال والصناعة، والتجارة والزراعة، والعلم الشامل لشؤون الدنيا والآخرة، بحيث يستغنون في ضرورات حياتهم عن غيرهم، فلا يكونون تحت رحمة أعدائهم في مأكلهم ومشربهم، وملبسهم ومركبهم ومسكنهم، وفي سلاحهم، وبيعهم وشرائهم ونقدهم، وصناعاتهم...

وهذا المعنى قد يضعف عند المؤمنين أحياناً - والضعف يتفاوت - لأي سبب من الأسباب، التي غالباً ما تكون من أنفسهم- وهذا الضعف يجعل أعداءهم الذين يتربصون بهم، يطمعون فيهم، فيحتلون أرضهم، وينهبون أموالهم، ويستبيحون حرماتهم، ويأسرون رجالهم ويسبون نساءهم، ويهدمون مساجدهم، كما حصل في فترات من تاريخ الأمة الإسلامية، وتلك ذلة لا يرضاها الله..

فإذا بقي في الأمة الإسلامية رجال فيهم المعنى الأول من معنيي العزة، فإن أولئك الرجال يَنتَدِبون [انتدب القوم لكذا.. أسرعوا إليه، لسان العرب.] للسعي في إزالة أسباب الذلة عن الأمة، وللأخذ بأسباب العزة التي فقدت أو ضعفت، فلا يزالون ينفخون روح العزة في المسلمين، ويحضونهم على الأخذ بأسباب القوة، ويذكرونهم بأمجاد أسلافهم، ويهونون عليهم ما يصيبهم من ابتلاء ومحن وخسائر في النفوس والأموال والذرية، في سبيل استعادة عزتهم وكرامتهم وحريتهم، بل وحرية العالم كله، إذا تحرروا من الذل لغير الله.

وعندئذ تهون عند المؤمن الحق الذي تحرر قلبه من عبودية غير الله كل المصائب، فلا يبالي بالجوع ولا العطش، ولا البرد ولا الحر، ولا السجن ولا الأسر، ولا التشريد ولا الطرد، ولا الجراح ولا القتل حتى ينال عزته التي أرادها الله له.

وفي التاريخ الإسلامي نماذج لهؤلاء الرجال، تبدأ بالخليفة الأول، أبي بكر الصديق الذي أنفذ جيش أسامة، وجاهد المرتدين في وقت كان غالب الصحابة يرون في ذلك مغامرة قد تعصف بالمسلمين بعد وفاة الرسول صَلى الله عليه وسلم مباشرة!!
ولنطوِ التاريخ لنرى كيف أعاد صلاح الدين الأيوبي إلى الأمة الإسلامية عزتها بعد أن فقدتها في الحروب الصليبية، ثم لنختصر الزمن بذكر حدثين لا يزال المسلمون يروونهما:

الحدث الأول: تحرير أفغانستان من أعظم غزو كافر -الاتحاد السوفييتي - في هذا العصر لشعب أعزل إلا من إيمانه[ستأتي الإشارة إلى محنة هذا الشعب، بقادته الذين حرموه من قطف ثمار انتصاره بما قدمه من شهداء وتضحيات.].

وهاهم طلاب العلم - طالبان - حفاة الأقدام يرتدون ملابسهم العادية التي كانوا يلبسونها في حلقات دراستهم، يعيشون اليوم في الكهوف ورءوس الجبال وشعوبها، يتصدون لأعظم قوة مادية -أمريكا وحلفائها - ملأت جيوشها أرض بلادهم، في برارها وقفارها، ومندنها وقراها، وجميع أجواهائها، وأنفقت المليارات من نقودها، واقفين أمام تلك القوة الجبارة، عشر سنين متوالية، خذلتهم أمتهم الإٍلامية، بسبب تواطؤ زعمائها مع العدو المحتل، وتمكنوا من تصدير النعوش المعتدية، وإقلاق العملاء من أبناء شعبهم الذين تواطئوا عليهم، بالتفجيرات المستمرة في كل مدينة وقرية ومحافظة، حتى في قلب العاصمة: كابل، .

ما سبب هذا الموقف وهذا التصدي، مع ضعفهم المادي، وتكالب الأمم عليهم، حتى من إخوانهم المدعين للإسلام؟ أليس اعتزازهم بريهم وجهادهم في سبيله، وتوكلهم عليه وحده، اقتداء بمن قال الله تعالى فيه وفي أصحابه: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ(174)} [آل عمران].

الحدث الثاني: الجهاد في سبيل الله في فلسطين التي سلمها الصليبيون المعاصرون لليهود، واستسلم لذلك التسليم قادة العرب من (المحيط الهادر إلى الخليج الثائر!!)[ عبارة كان يرددها رواد القومية العربية الذي هددوا بإلقاء اليهود في البحر، فما لبثوا حتى احتلوا [اليهود] أرض الكنانة، وبيت المقدس، وكادوا يحتلون دمشق، وكان ذلك سبباً في فتح باب السعي إلى الاستسلام السياسي والاقتصادي لليهود!!.] واقتدى بقادة العرب غيرهم من قادة المسلمين، من لاغوس[عاصمة نيجيريا] إلى جاكرتا[عاصمة إندونيسيا] فإذا أطفال المسلمين في فلسطين الذين ولد آباؤهم في ظل الاغتصاب اليهودي - ذكوراً وإناثاً - يزلزلون الأرض من تحت أقدام اليهود بالحجارة، الذين يربطون أنفسهم بأحزمة المتفجرات التي تمزق أجسامهم ليمزقوا أجسام أعدائهم، حتى أدهش ذلك يهود الذين كانوا يظنون أن الشعب الفلسطيني وبخاصة الشباب الذي ولد في ظل جبروتهم قد ألف الذل واستسلم للهزيمة وسلم بالأمر الواقع، وإذا الشيوخ والنساء يتسابقون إلى ميدان التحدي، يستقبلون رصاص العدو بصدورهم، ويقول من نجا منهم: السجن أحب إلينا من العبودية لغير الله[قدوة الجميع الشيخ أحمد يس الذي استشهد في يوم الاثنين 1صفر 1425ه لدى عودته من صلاة الفجر، بالصواريخ الإسرائيلية التي أطلقتها مروحياتهم العسكرية رحم الله الشيخ أحمد وبلغه منازل الصديقين والشهداء]. ولا زالوا صامدين رغم ضعفهم المادي وقوة عدوهم من اليهود وخذلان زعماء المسلمين لهم.

وهذه الفئة القليلة المظلومة -حماس - بالحصار من أهل الدنيا كلهم، إلا القلة المناصرة لهم، غير القادرة على كسر الحواجز الآثمة، لا تزال واقفة أمام الظلم العالمي الغاشم، ليس من سبب لوقوفها وصبرها إلا اعتزازها بخالقها.[بل لقد كسرت شوكة الجيش اليهودي الذي يدعي اليهود أنه لا يقهر في ثلاثة حروب، آخرها الحرب التي شنها عليهم اليهود في هذه السنة 1435ه/ 2014م]

وهكذا يكون أهل العزة الربانية لا يَهِنون ولا يذلون، وهم تحت مطارق العذاب، وفي غياهب السجون، وجدران الحصار، أحرار القلوب، وإن استعبدت أجسامهم، أعزة النفوس، وإن وطئت أقدام أعدائهم على رقابهم [وقد اضطر اليهود استقدام بعض الفلسطينيين ليسلموهم بعض المرافق الخدمية في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، ليضربوا بهم المجاهدين، وينجوا هم من العمليات الجهادية التي أنزلت بهم خسائر مادية وبشرية فادحة، ولكن الأبطال لا زالوا يواصلون الكفاح، بل نقلوه إلى قلب تل أبيب العاصمة اليهودية. {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} المنافقون: 8.].

والعزة بالمعنى الأول هي الحرية الحقة التي إذا فقدها الإنسان صار رقيقاً للمخلوقين الذين يحتاج إليهم، ولو كان ملكاً مطاعاً في ظاهر الأمر، ومن اتصف بها صار حراً، ولو كان رقيقاً أو أسيراً.

وقد عبر عن ذلك ابن تيمية أصدق تعبير فقال: "..فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن، فإن من استُعبِد بدنه واستُرِق، لا يبالي إذا كان قلبه مستريحاً من ذلك مطمئناً، بل يمكنه الاحتيال في الخلاص، وأما إذا كان القلب - الذي هو الملك - رقيقاً مستعبداً لغير الله، فهذا هو الذل والأسر المحض.. فالحرية حرية القلب، والعبودية عبودية القلب..... ـ إلى أن قال ـ: وكذلك طالب الرئاسة والعلو في الأرض، قلبه رقيق لمن يعينه عليها، ولو كان في الظاهر مقدمهم والمطاع فيهم.. فهو في الظاهر رئيس مطاع، وفي الحقيقة عبد مطيع لهم.."[ مجموع الفتاوى: (10/186 ـ 189).].

9 ـ فقد غالب المسلمين العزة لتفريطهم في الأخذ بمقوماتها:

وبهذا يعلم أن غالب المسلمين [ولا نقول: كل المسلمين، لأنه يوجد في المسلمين من يبذل نفسه وماله وجاهه وكل ما يملك في سبيل عودة العزة والكرامة والحرية للأمة الإسلامية، ولكن أعداء العزة والكرامة الذين ابتليت الأمة بوجودهم في مراكز قيادتها، يحاربون من يحدو الأمة إلى استعادة العزة والكرامة؛ لأنهم ـ أعداء العزة والكرامة ـ يعلمون أن مؤهل بقائهم في تلك المراكز هو ذلهم لأعداء الإسلام، وإذلالهم هم للأمة التي ابتليت بهم.] اليوم يفقدون العزة بهذا المعنى، للأمور الآتية:

الأمر الأول: تفريطهم الشنيع في مقومات العزة:

والتي مضى الكلام عنها؛ فالأخوة الإيمانية التي تثمر المحبة والإيثار، والتعاون والتناصر والرحمة والعزة، كادت تفقد بين المسلمين لاتخاذ هم الأسباب المنافية لها وترك الأسباب المؤدية إلى تحقيقها، حتى أصبح المسلم يمر بأخيه المسلم دون أن يحييه بتحية الإسلام، ويمرض جاره فلا يعوده، بل قد يموت ولا يدري عنه، أو يدري عنه فلا يتبع جنازته ولا يواسي أهله، ويحتاج إلى ما يسد حاجته من طعام أو شراب أو ملبس أو دواء، فلا يلتفت إليه أحد، ويُعتَدى عليه ويُظلَم فلا يجد من ينصره، بل كثيراً ما يعين بعض الظالمين الأقوياء بعضاً على المظلوم الضعيف وأصبحت الغيبة والنميمة فاكهة المتسامرين، وأصبح الشقيق - في كثير من بلدان المسلمين - يخاف من تجسس شقيقه عليه، وأصبح كثير من المسلمين، على مستوى الأفراد والأسر والجماعات والشعوب والدول، يحبون لغيرهم ما يكرهونه لأنفسهم، ويحبون لأنفسهم ما يكرهونه لغيرهم، على عكس القاعدة الأخوية الإيمانية: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)[ اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (ص: 10 رقم: 28).]. حلت الأثرة عندهم محل الإيثار، والبغضاء والحسد محل المحبة والغبطة، وإذا فقدت الأخوة الإيمانية أو ضعفت، وهي من أهم مقومات العزة فمن أين تأتي العزة لمن فقدت فيهم معاني الأخوة الإسلامية؟[ راجع لأسباب تحقيق الأخوة الإسلامية، والأسباب المنافية لها كتاب: أثر التربية الإسلامية في صلاح المجتمع. للمؤلف.].

والنصح سبق أن المراد به إرادة الخير للمنصوح، وهو شامل لكل ما يحقق المصالح المعتبرة شرعاً للمسلمين، أو يدفع عنهم المفاسد المعتبرة كذلك، كما أنه شامل للأفراد والأسر والجماعات والحكام والمحكومين.

وإذا ما دققنا النظر في حال المسلمين اليوم وجدناهم كذلك، قد ابتعدوا عن بذل بعضهم النصح لبعض، فتجد كثيراً من أفراد المسلين يحبون لأنفسهم الغنى، والمسكن المريح، والمركب الفاخر، والتجارة الرابحة ويحسد أخاه على ذلك، ويحب أحدهم أن يحظى بالجاه والسلطان والمنصب، ويحسد أخاه على ذلك، ولو قدر على زحزحته عن ذلك لفعل واتخذ كل سبب يحقق له مراده، ولو لم يطمع هو في الحصول على تلك الأمور، وهو أسوأ أنواع الحسد، ويسعى المرء للوصول إلى الشهرة والسمعة والاحترام والذكر الحسن، ويحاول بشتى الوسائل أن يكون أخوه خامل الذكر مغموراً غير معروف، وإذا جاوز أخوه القنطرة فبرز بين الناس واشتهر لسبب ما، وذكر بخير سعى في تشويه سمعته وألصق به التهم الكبيرة والصغيرة زوراً وبهتاناً.

وإذا تعامل المسلم مع أخيه المسلم في أي أمر من الأمور، تجارة أو صناعة أو مصاهرة أو غيرها، لا يتورع عن غشه وخداعه والكذب عليه ونكث عهده وعقده في سبيل حصوله هو على منفعة عاجلة، ولو حطم حياة أخيه وتسبب في فقره والحط من قدره، وكل ذلك يخالف مقتضى الإيمان الصادق.

وإذا استنصح المسلم أخاه المسلم واستشاره في أمر من الأمور، لم ينصح له غالباً كما ينصح لنفسه، بل إما أن يشير إليه بعجلة وبدون تأمل أو تفكير، وقد يكون في مشورته العطب والخطل، وإما أن يشير إليه بما ليس فيه مصلحته، ليقتنص الأمر الذي فيه مصلحة لنفسه ويحرم منه من استشاره فيه، وقد يفعل ذلك ولو لم يطمع هو فيه كما مضى.

وهكذا - بل أشد - تفعل الجماعات الإسلامية فيما بينها، ومثلها الأحزاب - أياً كانت مبادئها - وكذا الدول مع الدول، وقد تنصح بعض الدول المدعية للإسلام لدول غير إسلامية ضد دول مثلها تدعي أنها إسلامية.

وهكذا قل الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر على كل المستويات أفراداً وجماعات وأحزاباً ودولاً. بل كثر بين المسلمين التشجيع على فعل المنكر والأمر به والتشجيع على ترك المعروف والنهي عنه، في كل مناهج حياة المسلمين[هذا الأمر لا يحتاج إلى تدليل، ويكفي تعاون المحاربين لتحكيم شريعة الله مع اليهود والنصارى والملحدين على كل من يدعو إلى العمل بهذه الشريعة، وكل بلاء إنما يأتي من محاربة شريعة الله ـ وهي كتابه وسنة رسوله.].

وهذه إحدى خصال أعداء الله، كما قال تعالى عنهم: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ(67)}[التوبة].

فإذا وجد الناصح الأمين الذي يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، فبادر بنصحه له نصحاً صادقاً، يعود عليه بالخير في الدنيا والآخرة، وجد من المنصوح نفوراً واستكباراً واستهزاءً، اتباعاً لهواه، واعتزازاً بكبريائه، وإصراراً على إفساده، كما قال الله تعالى: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ(205)}[التوبة] فهل يرجى للمسلمين- وهذا شأنهم - أن ينالوا العزة والكرامة‍‍‍‍‍؟

الأمر الثاني: التفرق والاختلاف:

وهنا تأتي طامة طوام المسلمين التي أفقدتهم عزتهم وكرامتهم، وجعلتهم أذلة لأذل خلق الله في الأرض، وهي طامة التفرق المردي والاختلاف المهلك المزري، والتنازع القاتل والمنهج الفاشل، وهذه الطامة لم تدع بلداً، ولا دولةً ولا شعباً، ولا منظمةً، ولا جماعةً، ولا حزباً، ولا أسرةً، ولا بيتاً إلا رمته بقوسها إلا ما شاء ربك وقليل ما هم ‍.

تأمل قليلاً في كل دولة، وكل بلد من بلدان المسلمين، هل تجد كلمة المسلمين فيه مجتمعة على الحق؟ كلا، سترى فيه تنازعاً عنيفاً، وصراعاً مخيفاً بين حكومته وشعبه، وستجد فيه تناحراً بين جماعاته وأحزابه الكثيرة، وستجد تصدعاً في صفوف كل حزب وكل جماعة، وستجد كل أسرة منقسمة فيما بينها، كل فرد يتبع حزباً أو جماعة، وستجد الشعب غارقاً في الصراعات مبدداً طاقاته في القيل والقال والشجار والاقتتال[وقد يمنعه من الاقتتال الضبط العسكري، وليس الرغبة عنه، بدليل أن هذا الضبط إذا ضعف في بلد من بلدان المسلمين، نشبت بين أبنائه المعارك الدامية.]. رامياً مصالحه وراء ظهره.

أما الجماعات والأحزاب الإسلامية الشعبية فإن الحديث عن تفرقها وتنازعها مما يحزن النفوس ويدمي القلوب، ففي كل بلد جماعات وأحزاب إسلامية، كثير منها لا تختلف أهدافها وقد لا تختلف - أيضاً - وسائل عملها إلا قليلاً، فقد تجد جماعتين أو أكثر، هدفها التعليم، ومذهبها الفقهي واحد، وعقيدتها واحدة وطريقتها واحدة: حنفية أو مالكية أو شافعية أو حنبلية سلفية أو أشعرية.. مجتهدة - في زعمها [سبق الكلام عن الاجتهاد وأهله، وعن أدعيائه، فلا داعي لتكراره.] - أو مقلدة، ومع ذلك تجد تلك الجماعات أو الأحزاب تتصارع فيما بينها وتشتغل كل جماعة منها بالخصام مع الجماعة الأخرى، ومن السهل على كل منها أن تجد المسوغات التي تؤيد بها موقفها، والأسباب التي تعادي بها الجماعة الأخرى، وإذا كان النزاع والصراع يحصل بين الجماعات والأحزاب المتفقة - في الجملة - في الهدف والوسيلة، والمذهب الفقهي والطريقة، فما بالك بجماعتين تختلفان في ذلك كله أو بعضه، وما بالك بجماعتين أو جماعات تتنافس سياسياً!؟

هل تريد أدلة على هذا التنازع والتناحر بين الجماعات والأحزاب الإسلامية السياسية أو غير السياسية في البلدان الإسلامية أو غير الإسلامية؟

ضع الخريطة السياسية أمامك وابدأ باستعراض شعوب تلك الجماعات من الشرق إلى الغرب أو العكس، في الفلبين جماعتان سياسيتان رئيستان[لسنا هنا في مقام يسمح بتقويم تلك الجماعات والأحزاب ـ وإن كنا على بصيرة بها والحمد لله.] وهما في نزاع مستمر منذ ما يزيد على أكثر من أربعة عقود، والنصارى يعتدون على كل ضرورات حياتهم وفيها - أي الفلبين - جماعات صغيرة لا يهدأ لها بال إلا بالقدح في غيرها من الجماعات الأخرى.!

وتوجد كذلك جماعات وأحزاب في دول جنوب شرق آسيا في إندونيسيا وماليزيا وفي تايلاند تبدد طاقاتها وجهودها في النزاع بينها وأفضل الجماعات - في الواقع وليس في الحكم - هي التي لا تتعاون مع الجماعات الأخرى على ما فيه مصلحة الجميع، ولكنها تمنع نفسها من التصادم مع غيرها، هذا مع وجود جهود جبارة ومؤامرات مستمرة من قبل النصارى والوثنيين والمنافقين - وهم غلاة العلمانيين - للقضاء على الإسلام والمسلمين في المنطقة.

وفي الهند يدمر الهندوس مساجد المسلمين، ويقتلون عشرات الآلاف من رجالهم ويحرمونهم من غالب حقوقهم التي يمنحهم إياها القانون الهندي، ومع ذلك تجد مئات الجماعات المتنازعة التي يقدح بعضها في بعض بالحق وبالباطل، ومثل الهند بنغلاديش وباكستان[يكفي أن تعلم أن أهم سبب لفوز امرأة مرتين، هو النزاع بين الجماعات والأحزاب الإسلامية، حتى إن جماعة واحدة انقسمت قسمين قسم منهما أيد اختيار المرأة!!.].

وأفغانستان وما أدراك ما أفغانستان! قامت فيها جماعات إسلامية، غزا بلادها جيش عرمرم ملحد، وحملت ما تيسر لها من سلاح، وما كان أحد يظن أن هذه الجماعات ستنجو من الهلاك إلا بالهرب من بلادها، ولكن الله وفقها فصمدت، ونصرها بجنده المؤمنين وأموالهم، وبملائكته المقربين، فإذا هي تهزم أكبر دولة مادية بعد أن سقط في المعركة أكثر من مليون شهيد، غير المعوقين، ودمر العدو البلاد، واستبشر الناس خيراً بإقامة المجاهدين دولة الإسلام في هذا البلد..

فإذا هم يرجعون كما قال الرسول صَلى الله عليه وسلم: (يضرب بعضهم بعضاً)، ليس لشيء إلا اتباعاً للهوى وحرصاً على حظوظ النفس المادية التي يتنزه عنها المجاهد في سبيل الله، هذا مع العلم أن الأحزاب المتصارعة من المجاهدين اليوم متفقون في غالب الأمور الدينية، ما عدا الأحزاب الشيعية.

ومع ذلك تجد هذا الحزب يتحالف مع حزب يخالفه ديناً كبعض الأحزاب الشيوعية أو معتقداً كبعض الأحزاب الشيعية، ضد حزب أو أحزاب توافقه ديناً ومعتقداً ومذهباً، ولا يتورعون من سفك دماء بعضهم بعضاً، وبخاصة دماء الأطفال والنساء والشيوخ، وإذا كان المجاهدون بهذه الدرجة من النزاع فكيف بمن سواهم؟!

وكانت عاقبة هذا التنازع الشديد الذي لا يليق بمن يدعون أنهم يجاهدون في سبيل الله، أن غزا بلادهم عدو غاشم آخر، وهو العدو الأمريكي الصليبي الذي مَكَّن للمنافقين في البلد، وسفك الدم الحرام وأذل الشعب ولا زال يذله أمام قادة الجهاد الذين كان خلافهم هو السبب في الفشل وتسلط أعداء الشعب المسلم عليه!

وهكذا توجد في الدول العربية مئات الجماعات[يقال إن الجماعات الموجودة في مصر وحدها تزيد عن سبعين جماعة!.] بلغ الأمر ببعضها أن تستحل دماء بعض، كما يحصل في الجزائر، وتنقسم الجماعة الواحدة على نفسها، مع ما ينزل بها من الهجمات الشرسة من أعداء تطبيق الشريعة الإسلامية. ولا تخلو دولة عربية من وجود جماعات يكيد بعضها لبعض.

وهكذا تجد جماعات وأحزاباً إسلامية متناحرة أو غير متعاونة في أفريقيا، كإريتريا والحبشة والصومال والسودان وأوغندا وتشاد والجزائر وليبيا والمغرب وتونس وموريتانيا والسنغال ونيجيريا، وغيرها.

وهكذا تجد الجماعات الإسلامية في الغرب - أوربا وأمريكا - يطعن بعضها في بعض، ويرفض بعضهم التعاون مع بعض، مع ما يعانون من مشقات الغربة الدينية والدنيوية.

ومما يؤسف له أن يقاتل بعض المسلمين في البوسنة والهرسك في صفوف أعداء الله من النصارى، إخوانهم المسمين المجاهدين.!

وهكذا المنظمات الإسلامية[لا نريد التعرض للمنظمات التي قامت على أساس القوميات، كجامعة الدول العربية، فهي لم تقم على أساس الإسلام، وإنما قامت، بإيعاز من بعض الدول الغربية، ضد الدعوة إلى جامعة إسلامية، بعد سقوط آخر رمز للخلافة الإسلامية، بعد الحرب الكمالية لدين الإسلام، اقتداء بالقوميات التي قامت في أوربا، ومع ذلك نتمنى أن تخفف هذه الجامعة من العداوات والصراعات التي أنهكت الشعوب الإسلامية ومزقتها شر ممزق وتصل إلى بعض ما وصلت إليه الدول الأوربية من التقارب الذي كاد يصل إلى الوحدة السياسية الكاملة. وراجع كتاب الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر (2/99 ـ 198) للدكتور محمد محمد حسين.] التي قامت - في ظاهر أمرها - للم شعث المسلمين في الأرض وقد زادت دولها على خمسين دولة أو قاربت، تجتمع هذه الدول باسم الإسلام، ولكن ثمانياً وتسعين في المائة منها - إن أحسنا بها الظن - تصرح بأنها علمانية، أي تلتزم الفصل بين الدين والدولة، فالدين صلة خاصة بين الفرد وربه[وبعض تلك الدول لا تترك الفرد المتدين وشأنه، بل تضايقه وتلاحقه، وتستجوبه شرطها وتحقق معه في تردده على المساجد، وبخاصة تردده لصلاة الفجر.]، والدولة تحكمها قوانين اليهود والنصارى والملحدين، ولهذا تجتمع دول تلك المنظمة باسم الإسلام، ولكن غالبها يحارب الإسلام بنبذه تحكيم الكتاب والسنة ومحاربة كل من يدعو إلى تحكيمهما في حياة المسلمين، ويقف من قضايا المسلمين الخطيرة المواقف التي ترضي أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والملحدين[كما كانت تقف الدولة الماركسية في عدن وكذلك رئيس منظمة التحرير الفلسطينية من الجهاد الأفغاني!.] ـ أو لا تغضبهم على الأقل، ويقابل مندوب هذه الدولة مندوب دولة أخرى، وكل منهما يعلم أنه عدو لدود لصاحبه، ثم يصدرون قرارات عامة فضفاضة تُراعى في صياغتها رغبات الدول الكبرى وهي معروفة..!

والدليل على تصدع هذه الدول وعدم اجتماعها على كلمة الحق اعتداء الدولة القوية منها على الدول الضعيفة، إلا إذا خافت الدولة القوية من دولة حليفة أجنبية للدولة الضعيفة من دول الغرب، وإذا اعتدت دولة على أخرى من هذه الدول، وقفت الدول الأخرى موقفاً سلبياً - في الغالب - لا تنصر الدولة المظلومة، ولا تصلح بين الدولتين بالعدل، ولا تقاتل التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله! ولا تجد دولة مجاورة لدولة إلا وهما متنازعان على أميال من الأرض تنازعاً قد يفجر بينهما معارك تأكل الأخضر واليابس، ويجر النزاع والعداوات بين حكام تلك الدول إلى إيجاد عداوات بين الشعوب، بما تحدثه وسائل الإعلام في كل دولة ضد الدولة الأخرى من دعاوى صادقة أو كاذبة، وتُهَم صحيحة أو مختلقة، مع شدة التحريض المثير للنعرات والموري للأحقاد[وتتقلب مواقف الشعوب بتقلب مواقف حكامها التي تمدح اليوم دولة كانت تكيل لها الذم والشتائم أمس، وتصبح تلك الدولة اليوم صديقة بعد أن كانت بالأمس عدواً دون ميزان أو ضابط شرعي.]. فهل هذه السيرة التي تغلب على العالم الإسلامي، تدخل فيما يقتضيه الإيمان؟

ويأتي - بعد ذلك - دور العلماء، وأقصد بالعلماء هنا،من انتسب إليهم، أو عده قومه منهم، وقد يكون عالماً، وقد يكون طويلب علم متعالم.

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
 
   
 

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 08:43 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات