شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 9 > منتدى العقيدة
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: مصحف وليد الجراحي 1441 عام 2020 كامل 114 سورة 2 مصحف ترتيل و حدر كاملان 128 ك ب (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1439 عام 2018 سورة 027 النمل (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1439 عام 2018 سورة 012 يوسف (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1439 عام 2018 سورة 026 الشعراء (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1439 عام 2018 سورة 011 هود (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1439 عام 2018 سورة 025 الفرقان (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1439 عام 2018 سورة 024 النور (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1439 عام 2018 سورة 010 يونس (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1439 عام 2018 سورة 009 التوبة (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1439 عام 2018 سورة 008 الأنفال (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 11-10-2014, 10:23 AM
منتدى اهل الحديث منتدى اهل الحديث غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 5,969
افتراضي (039)الإيمان هو الأساس - المبحث الثاني: فساد الاحتجاج بالقدر على رضا الله بالفساد في الأرض


[وهذا اموضوع من أهم موضوعات الإيمان والعقيدة]

1 ـ لا يلزم من الإيمان بالقدر رضا الله بكل أفعال المخلوقين.

2 ـ الاحتجاج بالقدر على رضا الله بالفساد في الأرض من سنن المشركين.

3 ـ ما الذي يجب على المؤمن الصبر عليه مما قدره الله وقضاه؟

4 ـ واقع الحياة يتفق مع ما دلت عليه النصوص.

5 ـ آثار الإيمان بالقدر على الوجه السابق ونماذج لذلك:

( أ ) الجد في العمل.

(ب) التواضع.

(ج ) الاطمئنان والرضا.

6 ـ آثار عدم الإيمان بالقدر على الوجه السابق ونماذج لذلك.

1 ـ لا يلزم من الإيمان بالقدر رضا الله بكل أفعال المخلوقين:

لا يلزم من الإيمان بأن الله تعالى هو الذي يقدر الأمور كلها، رضاه سبحانه بكل ما يفعل المخلوق، مما يخالف أمره ونهيه، كما لا يلزم منه رضا المخلوق بكل مقضي مقدر، صلاحاً كان أم فساداً؛ لأن لله تعالى إرادتين: إرادة كونية عامة، وهي الإرادة المقتضية وجود المراد، وقد دل عليها مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(82)}[يس].

وإرادة شرعية خاصة - وهي بمعنى المحبة - ودل عليها مثل قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً(27)}[النساء].

فالله تعالى يريد الأعمال الصالحة، أي يحبها ويأمر بها ويثيب عليها، مثل التوبة من المعاصي، ولكنه لا يريد، أي لا يحب، الميل عن طاعته إلى معصيته، واتباع الشهوات المنكرة التي يريدها الشيطان وأتباعه، وهذا واضح جداً في الإرادتين المذكورتين في هذه الآية، فالله يريد التوبة، ولا يريد اتباع الشهوات والميل إلى المعاصي، والشيطان وأتباعه يريدون اتباع الشهوات والميل عن الطاعة إلى المعصية، وهذا ما فهمه علماء الإسلام الذين رزقهم الله الفقه في دينه، فلم يكونوا يخلطون بين الإرادتين، ولم يحتجوا بالقدر ـ المتضمن للإرادة الكونية العامة، على رضا الله بالمعاصي والفساد في الأرض.

2 ـ الاحتجاج بالقدر على رضا الله بالفساد في الأرض من سنن المشركين:

والذين فهموا خلاف هذا الفهم، فظنوا أن تقدير الله الكوني دليل على رضاه بالفساد في الأرض هم المشركون الذين قال الله عنهم: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ}، فرد الله عليهم بقوله: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ(148)}[الأتعام].

فمن فهم من قدر الله أن العبد غير مسؤول عما يعمله؛ لأن الله هو الذي قدر عليه عمله وأن تقديره لذلك العمل دليل على رضاه تعالى به، وأن العبد يجب أن يرضى به، ولو كان مخالفاً لشرعه، ففي فهمه ضلال وخطل، وقد سلك سبيل المشركين الذين أنكر الله عليهم ما زعموه واتبع سننهم، كما هو واضح من آية الأنعام السالفة الذكر.

فالإسلام بريء من فهم المتكلين على القدر احتجاجاً به على ترك العمل، أو الزعم بأن الله يرضى بفعل المعاصي؛ لأنه هو الذي قدرها عليهم.

3 ـ ما الذي يجب على المؤمن الصبر عليه مما قدره الله وقضاه؟

ومن هنا نعلم أن المقضي المقدر الذي يجب الصبر عليه بعد وقوعه ويشرع الرضا به، هو المصائب التي يبتلي الله بها عباده، من فقر ومرض وموت قريب ونزول وباء، وقحط وجوائح، وزلازل وبراكين وفيضانات، وما شابه ذلك من الكوارث النازلة في الأنفس والأموال والأهل، مما هو خارج عن قدرة العبيد.

وقد ورد ذلك في نصوص القرآن والسنة، ومن أوضح الآيات قول الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ(157)}[البقرة].

فقول المؤمنين عندما يصابون بمصيبة: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} علامة واضحة على صبرهم الذي أوجبه الله عليهم بما قدر الله عليهم، لتأكيدهم بأنهم هم وكل ما لهم به صلة له تعالى؛ أي عبيده وملكه يتصرف فيهم بما يشاء، وأنهم راجعون إليه بعد هذه الحياة فيجزيهم بما قدموا فيها من عمل صالح، ومنه الصبر على الابتلاء، وخير الصابرين على ما قدره الله عليهم من مصائب، من رزقه الله الرضا بذلك.

وهذا الخلق - الصبر على النعمة وشكرها والصبر على بفقدها والرضا به - لا يحرزه إلا المؤمن، أما غير المؤمن فهو يبطر ويفرح بما منحه الله من الخير ويزعم أن ما ناله من الخير في الدنيا، هو يستحقه لذاته، وينكر فضل الله عليه به، وإذا حرما من ذلك الخير بعد أن أوتيه يصيبه اليأس والغم، فلا يببر على نعم الله ولا على نقمه، مع أنها كلها إنما أوتيها أو أصيب بها بقدره تعالى، قال تعالى:

{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)} [هود]

ومن الأحاديث الدالة على نفس المعنى الذي أفادته الآية، ما رواه صهيب، رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له) [الحديث في صحيح مسلم، وهو في جامع الأصول (9/369).].

أما ما شرعه الله وأمر به، فيجب امتثاله والرضا به.وأما الذنوب والمعاصي فإن الواجب على العبد أن يبغضها في كل حال من الأحوال، وأن يجتهد في البعد عنها وعدم ارتكابها قبل وقوعها، ولا يجوز له الرضا بها مطلقاً، سواء أكانت منه أو من غيره، فإذا وقعت منه وجب عليه التوبة منها، ومن شروط التوبة الندم على فعل المعصية.

قال ابن تيمية، رحمه الله: "ليس في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله آية ولا حديث يأمر العباد أن يرضوا بكل مَقْضِيٍّ مقدر، من أفعال العباد، حسنها وسيئها، فهذا أصل يجب أن يعتنى به، ولكن على الناس أن يرضوا بما أمر الله به، فليس لأحد أن يسخط ما أمر الله به، قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً(65)}[النساء]. وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ(59)}[التوبة]. وذكر الرسول - هنا - يبين أن الإيتاء هو الإيتاء الديني الشرعي، لا الكوني القدري، وقال عليه الصلاة والسلام، في الحديث الصحيح: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً) [مسلم (1/62).]. وينبغي للإنسان أن يرضى بما يقدره الله عليه من المصائب، التي ليست ذنوباً، مثل أن يبتليه بفقر، أو مرض أو ذل، وأذى الخلق له، فإن الصبر على المصائب واجب، وأما الرضا فهو مشروع، ولكن هل هو واجب أو مستحب؟ على قولين، لأصحاب أحمد وغيرهم، أصحهما أنه مستحب" [ انتهى كلام ابن تيمية من مجموع الفتاوى (8/190)، و(10/158)، و(11/257). وراجع طريق الهجرتين، لابن القيم، ص: 152 طبع قطر.].

فالواجب على المؤمن أن يعتقد أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن مشيئة الله العامة - وهي الكونية القدرية - هي سر الله الذي لا يعلم أحد من خلقه عن مقدوره شيئاً إلا بعد وقوعه، وأن يقوم بما أمره الله به فعلاً، وما نهاه عنه تركاً، ولا يجوز له أن يحتج بالقدر على مخالفة أمر الله ونهيه، وأن الله تعالى لا يأمر العبد، ولا ينهاه عن شيء، إلا إذا كان قادراً على فعل ما أمره به وترك ما نهاه عنه، وأن الله سبحانه رضي لعباده الإسلام والإيمان والطاعة، وكره لهم الكفر والفسوق والعصيان، وأن على العبد أن يحب ما يحبه الله، وأن يبغض ما يبغضه الله، وأن يسعى لتحقيق ما أمره الله به أو نهاه عنه، وأنه لا يجوز له أن يتكل على ما كُتب وقُدِّر في علم الله المكنون، ولو جاز هذا الاتكال وشُرِع لما صح أن يطلب من أحد عمل شيء في حياته، لا للدنيا، ولا للآخرة..

4 ـ واقع الحياة يتفق مع ما دلت عليه النصوص:

وقد قال عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، لمن قال له: أفراراً من قدر الله؟: (نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت وادياً له عدوتان: إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة، رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟" [البخاري (7/21)، ومسلم (4/1740)، وراجع كتابنا الشورى: ص 64.].

لقد ألزم عمرُ، رضي الله تعالى عنه السائلَ بما يتعاطاه الناس في حياتهم، من تحري مواطن المصالح والمنافع والسعي الجاد في الحصول على تلك المصالح والمنافع منها، ومن البعد عن المواطن التي لا يرجى منها الحصول على مصالح، وهذا المعنى لا يخلو منه عمل أحد يومياً، فلو استحضره السائل وغيره لكان كافياً له في هذا الباب.

إن ما وردت به النصوص من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، في شأن القدر تدل على أنه لا يكون شيء إلا بإذن الله وقدره، سواء كان خيراً أم شراً، وأن تعاطي الأسباب مشروع في أمور المعاش والمعاد، ولكنها لا تقتضي حتمية ترتب مسبباتها عليها بدون مشيئة الله، وأنه لا يجوز لأحد أن يحتج بالقدر، فيقعد عما يجب عليه عمله، أو يتعاطى ما لا يجوز له تعاطيه احتجاجاً بأن الله قدره عليه، كما يدل على هذه المعاني الواقع الذي نراه في حياة الناس وأعمالهم التي لا تحصى كثرة.

فنحن نشاهد مريضين بمرض واحد، وصحتهما وأعمارهما متقاربة أو متماثلة، يذهبان إلى طبيب واحد، أو عيادة واحدة، فيُهتَم بمعالجتهما اهتماماً متساوياً، فيُشفى أحدهما ولا يشفى الآخر، أو يشفى أحدهما في وقت قصير ولا يشفى الآخر إلا بعد زمن طويل، وقد يشفى أحدهما ويموت الآخر..

ونرى تاجرين يملكان بضاعة من صنف واحد ذات جودة واحدة في متجرين متجاورين ولا يوجد بينهما فرق واضح يرجح نجاح أحدهما على الآخر، فيربح أحدهما أكثر من صاحبه وقد يربح هذا ويخسر ذاك..

ونرى آخرين يجتهد كل منهما في الحصول على مال ويتخذ من الأسباب ما يتخذه صاحبه أو يفوقه فيها، وكلاهما فقير فيصير أحدهما غنياً ويبقى صاحبه على فقره، وقد يفتقر الغني ويغنى الفقير، ونرى هذا يسعى للحصول على رزقه فيرزقه الله، ويقعد ذاك عن السعي فيبيت جائعاً، ونشاهد آخر يأتيه رزقه من حيث لا يحتسب، ونرى عددا من الناس تغرق بهم السفينة في البحر، أو تسقط بهم الطائرة من الجو، فينجو بعضهم ويهلك الآخرون..

وهكذا آلاف الحوادث تقع في الأرض تدل دلالة لا تقبل الشك أن وراءها تقديراً من القادر على كل شيء، وأنه لا بد من تعاطي الأسباب للحصول عل النتائج المتوقع ترتبها على تلك الأسباب غالباً، ولكن تلك النتائج ليست حتمية، وهذا كله يدل على تلك المعاني التي جاءت في الكتاب والسنة، في موضوع القدر.

5 ـ آثار الإيمان بالقدر على الوجه السابق ونماذج لذلك:

الإيمان بالقدر على الوجه السابق يحدث في حياة المؤمن آثاراً مهمة، أهمها:

( أ ) الجد في العمل وعدم الاتكال على ما سبق به القلم: وقد سبق الكلام عليه.

(ب) التواضع، والبعد عن الغرور:

إن الذي يؤمن بالقدر، لا بد أن يتصف دائماً بصفة التواضع والخضوع لربه وأن يقدره حق قدره سبحانه، ويبتعد عن الكبرياء والغرور، ومحبة إطراء النفس ونسبة الكمال إليها، سواء كان هذا الإطراء صادراً منه، أو من غيره؛ لأنه يعلم أن أعماله كلها ليست مستقلة بالنتائج المترتبة عليها، وإنما هي مرتبطة بمشيئة الله تعالى، وأنه هو نفسه لولا فضل الله عليه لما وجد على ظهر الأرض، وأن قواه العقلية والبدنية، هو سبحانه الذي أوجدها له ابتداء، وهو الذي أنعم عليه بدوامها، ولو شاء لسلبها منه كلها أو بعضها. وهذه هي سمة أنبياء الله ورسله، وسمة عباده الصالحين الذين قدروا الله حق قدره، ونشير - هنا - إلى نماذج منها:

الأنموذج الأول: نبي الله يوسف عَليه السلام:

الذي، ابتلي بالعدوان عليه من إخوانه في صغره بفراق أبيه وأسرته، وابتُلي بالاسترقاق والبيع والشراء، وهو ابن إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وابتُلي بالغربة والبعد عن وطنه، وابتُلي بإغراء ربات القصور والمْلْك بارتكاب الفواحش، فعصمه الله ثم ابتلي بالتهديد والاتهام بما هو منه براء، فلطف الله به، فلقد أنزل الله تعالى حب يوسف في قلب عزيز مصر فوصى امرأته بإكرامه، فأكرمته، وظنت أنها بإكرامها له - وهي سيدة القصر ويوسف شاب غريب الدار رقيق - سيكون طوع بنانها، سعيداً بالاستجابة لتحقيق رغبتها العارمة لتمكنه من نفسها، رداً للجميل والإكرام..

ولكن يوسف المؤمن بقدر الله أبى أن يستجيب لإغرائها وأضاف ذلك الإكرام إلى الله الذي استعاذ به من الوقوع في حبائل سيدات القصور، وليس إلى أمر عزيز مصر بإكرامه الذي لم يأت إلا بقدر الله ولطفه به، كما قال الله تعالى في ذلك: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} - إلى قوله تعالى -: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}[ يوسف: 21، 23، وهذا على القول بأن الضمير في {إِنَّهُ} يعود إلى لفظ الجلالة في قوله: {مَعَاذَ اللَّهِ} وهو الظاهر؛ لأن الله تعالى هو الذي سخر ليوسف كل سبل الخير التي أحاطه بها في مسيرة ابتلائه من وقت عزم إخوته على قتله إلى أن جمع الله بينه وبين أسرته، وقال في سياق إظهار شكره لربه على ذلك كله: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ}. وقد ذكر المفسرون هذا الاحتمال في مرجع الضمير عند تفسير الآية، ورجح ذلك ابن حيان في "البحر المحيط (5/294) فقال: "والضمير في{ إِنَّهُ} الأصح أنه يعود على الله تعالى، أي أن الله ربي أحسن مثواي، إذ نجاني من الجب وأقامني في أحسن مقام...".. ويرى كثير من المفسرين أن الضمير للشأن، وأن المراد به زوج المرأة الذي أمر بإكرام مثواه.].

ثم ابتلي بالسجن فترة من الزمن ثم ختم ذلك الابتلاء بالعز والتمكين والملك، ونعمة انضمام أسرته إليه وهو في تلك الحال العظيمة، فما كان منه إلا أن يحمد ربه، ويناديه نداء العبد المعترف له بفضله عليه ونعمته، مسندا ذلك كله إليه شاكرا له عليه، كما قال تعالى عنه:{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ(101)} [يوسف].

الأنموذج الثاني: نبي الله سليمان عليه السلام:

الذي آتاه الله من الملك ما لم يؤت أحداً من العالمين، آتاه هو وأباه العلم، وعلمه منطق الطير، وجعل جنوده من الجن والإنس والطير، وسخر له الريح التي كان غدوها شهراً، ورواحها شهراً، فاعترف لربه بالفضل والنعمة، وطلب منه أن يوفقه لشكره على ما أنعم عليه وتفضل.. قال تعالى عنه:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ(19)}[النمل].

وقال عندما أحضر له عرش ملكة سبأ: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ(40)}[النمل].

النموذج الثالث: ذو القرنين، الرجل الصالح صاحب الفتوح العظيمة، الذي آتاه الله من الأسباب ما بلغ به مشارق الأرض ومغاربها، وقد ختم قصته بقول الله تعالى عنه: {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً(98)}[الكهف]

الأنموذج الرابع: قصة ثالث الثلاثة المبتلين:

أي الذين ابتلاهم الله تعالى بالنعم بعد النقم، فشكر هو النعمة، وكفرها صاحباه؛ (فقد كان أعمى، فرد الله عليه بصره، ورزقه وادياً من الغنم، فجاءه الملك في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري؟ فقال: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري، فخذ ما شئت ودع ما شئت، فوالله ما أجهدك اليوم بشيء أخذته لله . فقال: أمسك مالك، إنما ابتليتم، فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك) [الحديث رواه أبو هريرة، عن الرسول صلى الله عليه وسله، وهو متفق عليه، (رياض الصالحين رقم 65 ص: 3). الزمر 49].

(ج ) ـ الاطمئنان والرضا:

والمؤمن بالقدر على الوجه السابق يمنحه الله الرضا والطمأنينة، والصبر والثبات، ويدفع عنه الضجر والتسخط، والقلق والاضطراب؛ لأنه يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الله يبتليه بالنعماء ليشكر، ويبتليه بالضراء ليصبر، وأن ذلك كله له خير، فلا يضيع وقته في الفرح والبطر بالنعماء، ولا يتعب نفسه بالندم والحزن والتحسر على ما فاته في الماضي من مال أو ولد أو جاه أو منصب، ولا يستسلم للغم بسبب المصائب والنكبات النازلة به في الحاضر، ولا للهم لما يتوقع أن يصيبه في مستقبل الزمان.

قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ(157)}[البقرة].

وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(23)}[الحديد].

وسبق قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له). وهو يفسر قوله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ(11)[هود].

ولا يقدر نعمة الرضا والطمأنينة إلا من فقدهما فظل يكابد الشقاء والقلق، وأصيب بالأمراض النفسية، وفضَّل الموت بإزهاق روحه منتحراً على الحياة، كما هو واقع كثير من الناس اليوم، وإن الذي يقارن بين حياة المسلمين اليوم - مع بعد كثير منهم عن التمسك بالإسلام - وبين غيرهم يجد فرقاً كبيراً في هذا المجال، مع أن ما ينزل بالمسلمين من المحن والفقر والحرمان والعدوان من أعدائهم - في داخل بلدانهم وخارجها -أشد مما ينزل بغيرهم، وهم أشد صبراً وأقل قلقاً، ونسبة الانتحار فيهم ليست شيئاً يذكر بجانب ما يحصل عند غيرهم. وإن ذلك لمصداق لقول الله تعالى: {فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً(124)}[طه].

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 02:27 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات