الحج رحلة تربوية إيمانية
علي مختار محفوظ
الحمد لله الذي جعل للمسلمين بيتاً يتوجهون إليه خمس مرات في اليوم والليلة؛ ليزدادوا قربا من خالقهم ومولاهم، ويفتح لهم باب التوبة اليومية ليكفر سيئاتهم، ويطهر ذنوبهم ويعودوا إلى مولاهم، ونحمده - سبحانه - أن شرع لهم حج بيته الحرام والاعتمار إليه في وفد نسبه إليه - سبحانه - للتشريف والاعتزاز وسماه الله - تعالى -وفد الله، والصلاة والسلام على رسوله الأمين المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
رحلة الحج رحلة تربوية:
رحلة الحج والعمرة هي الرحلة الإيمانية التربوية التي تربطك بذكريات إيمانية عبقة، فهي تذكرك بتاريخ آبائك وأجدادك وأنبيائك السابقين آدم وإبراهيم وإسماعيل ومحمد عليهم جميعا صلوات ربي وسلامه وتحلق بروحك معهم، وتتمنى اللحاق بهم والحشر معهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فيرتبط قلبك بحب تقليدهم وتتحمس نفسك لدراسة قصصهم، والسير على هداهم، وليست رحلة الحج ترفيهية، لزيارة بعض الأماكن، أو رؤية بعض الآثار، بل هي رحلة جهادية فيها تعب ومشقة وتحتاج لتهيئة بدنية ونفسية ومالية وأخلاقية.
الزاد الإيماني:
فإذا أقبلت على الحج و العمرة بهمة عالية وإخلاص وتوبة ورد المظالم إلى أهلها والتحلل منها؛ مع إعداد المال الحلال، وتعلم المناسك وتتبع هي النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع التخلق بالأخلاق الفاضلة، فلا شك أن يكون الحج مبرورا، وينال الحاج مغفرة الذنوب ومحو السيئات، ويحصل على مزيد من الحسنات، وينال رفع الدرجات، وبذلك يمنح جرعة إيمانية عالية تجعلك أيها الحاج تعود زاهداً في الدنيا راغبا فيما عند الله - تعالى -، وكأنك مخلوق جديد، أو إنسان ولد من جديد، والذي يشجعك على ذلك، هو الثواب الجزيل الذي ينتظر المتقين، ويناله من وصل للحج المبرور الذي جزاؤه الجنة، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))، وقد قدم الحجاج للقيام بأفضل الأعمال - بعد الإيمان والجهاد- وهو الحج المبرور للوصول إلى الجنة. والحج من أفضل الأعمال كما في الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "حَجٌّ مَبْرُورٌ)) متفق عليه.
فمن أراد الوصول للحج المبرور فليعلم أنه خرج لرحلة إيمانية تربوية نتعلم فيها ملازمة التقوى، فتتهذب نفوسنا، وتلازم الأخلاق الفاضلة، وتسير بذلك في طريق الجنة.
وهذه الجرعة الإيمانية لا تتحقق إلا لمن حاول أن يتزود بالتقوى، قال الله - تعالى -: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) البقرة 197. فيخاف الحاج من الجليل - سبحانه وتعالى -، ويقنع بالقليل، ويجتهد في العمل بالتنزيل، ويستعد ليوم الرحيل.
ولا يصل الحاج لهذه الدرجة من ملازمة التقوى، والسير على طريق الاستقامة إلا إذا اجتهد في أن يجعل حجه مبرورا، فيجاهد نفسه ويبعدها عن المعاصي وتجنب الذنوب ويهجر الكبائر، مع الزهد في الدنيا والإقبال على الطاعات، والتنافس في الخيرات، قال الله - تعالى -: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ) البقرة197، والرفث اسم للجماع ومقدماته، والفسوق: اسم جامع للمعاصي، فمن نوي الحج فليبتعد عن هذه المحظورات، فيدرب نفسه قبل الوصول للميقات على التخلق بالأخلاق الفاضلة، ويمرنها على لزوم الطاعات، ويعودها فعل الحسنات، والتنافس في الخيرات ومصاحبة الأخيار، ليعود مخلوقا جديدا وإنسانا ناصعا وهذا مصداقا لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)) متفق عليه.
فهل من العقل أن يتكبد الحاج المشاق وينفق الأموال، ويتعب ويتغرب ثم يعود بحج غير مبرور، على الرغم من سعة كرم الرحمن الكريم - سبحانه وتعالى - حيث سمى الحجاج وفد الله، وهذه إضافة تشريف وتكريم لمن استحق ذلك، فالحجاج والعمار وفدوا على بيت الله، فاستحقوا التكريم والمغفرة واستجابة الدعاء، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: ((وَفْدُ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ الْغَازِي وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ)) حديث صحيح رواه النسائي وغيره، وفي رواية عند ابن ماجة: ((الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإِنْ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ)).
وبذلك لا يفوت الحجاج أن الله - تعالى - قد منحهم فرصة عظيم للتوبة ومحو الذنوب، وتكفير السيئات، بل وأيضا حضروا لنفي الفقر فقد قال رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ)) حديث صحيح رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك