(صفة الحج ودخول مكة) من بلوغ المرام
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
أي بيان المناسك والإتيان بها مرتبة وكيفية وقوعها
706- عَنْ جابر بنِ عبد الله - رضي الله عنهما - أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّ فَخَرَجْنا معهُ حتى إذا أَتيْنا ذا الْحُلَيفة فولدتْ أَسماءُ ابنةُ عُميس فقال: "اغتَسِلي واسْتَثْفري بثْوبٍ وأَحرمي" وصلى رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، ثم رَكِبَ القَصْوَاءَ حتى إذا استَوَتْ به على الْبيداءِ أَهَلَّ بالتوحيد "لَبيَّك اللّهُمَّ لَبيْك، لبيَّك لا شريك لكَ لَبَيْك، إنَّ الحمْدَ والنعمةَ لكَ والملْكَ، لا شريك لك"حتى إذا أَتَيْنَا البيْتَ اسْتلمَ الرُّكن فرمل ثلاثاً ومشى أَربعاً، ثمَّ أتى مقامَ إبراهيم فَصَلَّى ورجَع إلى الرُّكن فاستلمه، ثمَّ خرجَ من البابِ إلى الصَّفا، فلمّا دَنا مِنَ الصَّفا قَرَأَ ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 158]"ابدأُوا بما بدأَ اللهُ بهِ"فرقي الصَّفا حتى رأَى البَيْت، فاستقبلَ القِبْلةَ، فَوَحّدَ الله وكبّرهُ وقال: "لا إله إلا الله وحْدَهُ لا شريك لهُ، لـهُ المُلْكُ ولـه الحمدُ وهُوَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، لا إله إلا الله أَنجزَ وَعْدهُ، ونصر عبْدَهُ، وهَزَمَ الأحزابَ وحْدَهُ"ثم دعا بين ذلك ثلاث مرَّاتٍ، ثم نزل من الصَّفَا إلى المرْوَةِ حتى انصبّتْ قدماهُ في بطن الوادي سَعَى حتى إذا صَعِدَ مشى إلى المرْوَة فَفَعَلَ على المروةَ كما فعل على الصَّفا، وذكر الحديث وفيه: فلما كان يَوْمُ التّرْويةِ توِجَّهُوا إلى منىً وركب النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بها الظُّهرَ والعصر والمغربَ والعِشاءَ والْفَجْرَ، ثمَّ مكث قليلاً حتى طَلَعَت الشّمسُ فأَجازَ حتى أَتى عَرَفةَ فوجد قُبَّةً قد ضُربَتْ لـهُ بنَمِرَة فنزل بها حتى إذا زالت الشّمسُ أَمرَ بالْقصواءِ فَرُحِلَتْ لـهُ فأَتى بَطْن الوادي فَخَطَبَ النّاس ثمَّ أَذَّنَ ثمَّ أَقامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثمَّ أَقامَ فَصلَّى الْعصْرَ ولمْ يُصَلِّ بينهما شيئاً، ثمَّ رَكِبَ حتى أَتى الموقِفَ فجعلَ بطنَ ناقتِهِ القصْواءِ إلى الصَّخَرَات، وجعَلَ حَبْل المُشاةِ بين يديْهِ واستقْبلَ القِبْلةَ، فلم يَزَلْ واقفاً حتى غَرَبَتِ الشّمْسُ وذهبتِ الصُّفرةُ قليلا حتى غابَ القُرْصُ، ودَفَعَ وقد شَنَقَ للقصْواءِ الزِّمامَ حتى إنَّ رأسَها ليُصيبُ مَوْرك رَحْلهِ ويقولُ بيدهِ اليُمنى: "يَا أَيُّها النّاسُ السّكينَةَ السكينةَ"وكلما أَتى حَبْلا أَرْخى لها قليلاً حتى تصْعَدَ حتى أَتى المزْدلِفة فصلَّى بها المغربَ والعشاءَ بأَذان واحدٍ وإقامتين ولم يُسِّبحْ بينَهُما شيئاً، ثمَّ اضْطجَعَ حتى طَلَعَ الفَجْرُ، فَصَلَّى الْفجرَ حين تبين لـهُ الصُّبحُ بأَذانِ وإقامةٍ، ثمَّ ركبَ حتى أَتى المشْعَرَ الحرَامَ فاسْتقبل القبْلةَ فدعا وكبّر وهلّل، فَلَمْ يزل واقفاً حتى أَسفرَ جِداً، فدفَعَ قبَلَ أَنْ تَطْلُعَ الشّمسُ، حتى أَتى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قليلاً، ثمَّ سلكَ الطّريق الوُسْطى التي تخْرُجُ على الجمرةِ الكبرىِ، حتى أَتى الجمْرةَ التي عند الشّجرةِ فرَمَاهَا بسَبْع حَصَيَاتٍ -يكبِّرُ معَ كلِّ حصاةٍ منها كُلُّ حَصَاةٍ مثل حصى الخَذْفِ رمى منْ بطن الوادي ثمَّ انْصرفَ إلى المنْحر فنحر، ثمَّ ركبَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فأَفاض إلى البيْتِ فَصَلى بمكّة الظُّهْرَ. رواهُ مُسلمٌ مُطوَّلاً.
هذا حديث عظيم كثير الفوائد مشتمل على جمل من القواعد، وهو واف في ترتيب المناسك وكيفيتها فينبغي حفظه والعمل به فالآتي بما اشتمل عليه هو الممتثل لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (خذوا عني مناسككم).
707- وعَنْ خُزَيْمةَ بن ثابتِ - رضي الله عنه -: "أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا فرَغَ من تلبيتهِ في حجٍّ أَوْ عُمرة سأَلَ الله رضوانَهُ والجنّةَ واستعاذَ برحْمته منَ النّار" رواهُ الشافعيُّ بإسناد ضعيف.
الحديث دليل على استحباب الدعاء بعد الفراغ من التلبية.
708- وعن جابرٍ - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نحرْتُ هاهُنا ومنى كُلُّها مَنْحَرٌ فانحَرُوا في رحَالِكُم، ووقَفْتُ هَاهُنا وعرفةُ كلُّها موْقفٌ، وَوَقَفْتُ هَهُنا وجَمْعٌ كلُّها مَوْقِفٌ" رواهُ مُسلمٌ.
الحديث دليل على مشروعية النحر في جميع منى، والوقوف في جميع عرفة ومزدلفة.
709- وعَنْ عائشةَ - رضي الله عنها - "أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا جَاءَ إلى مَكّةَ دَخَلَهَا مِنْ أَعْلَاهَا وخرجَ مِنْ أَسْفَلِها" مُتّفقٌ عَلَيْهِ.
الحديث دليل على استحباب الدخول من كداء وهي الثنية العليا التي ينزل منها إلى المعلاة والخروج من كدا وهي الثنية السفلى لمن كان ذلك على طريقه كأهل المدينة ومن على طريقهم.
710- وعنْ ابْنِ عُمر - رضي الله عنهما - "أَنّهُ كانَ لا يقْدُمُ مَكّة إلا باتَ بِذِى طُوَى حتى يُصبحَ ويَغْتَسلَ، ويذكُرُ ذلك عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -" مُتفقٌ عليه.
الحديث دليل على استحباب الاغتسال لدخول مكة، واستحباب دخولها نهاراً.
711- وعن ابنِ عباس - رضي الله عنهما - "أنه كان يُقَبِّلُ الْحَجَر الأسود ويَسْجُدُ عليه" رواهُ الحاكم مرفوعاً والبيهقيُّ موقوفاً.
تقبيل الحجر الأسود متفق على مشروعيته، وأما السجود عليه فيدل على جوازه هذا الحديث.
712- وعنْهُ - رضي الله عنه - قال: "أَمرهُمُ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَن يرْمُلُوا ثلاثَةَ أَشْواطٍ ويمْشُوا أَرْبعاً ما بين الرُّكنينِ" متفقٌ عليه.
713- وَعَنْ ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: "أنَّهُ كانَ إِذَا طَافَ بالبَيْتِ الطَّوَافَ الأَوَّلَ خَبَّ ثَلاثَاً ومَشى أَرْبعاً، وَفِي رِوَايَةٍ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا طَافَ في الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ أَوَّل مَا يَقْدُمُ فَإِنَّهُ يَسْعَى ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ بِالبَيْتِ وَيَمْشِي أَرْبَعَةً" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فيه دليل على مشروعية الرمل في طواف القدوم وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخُطا، قال الحافظ: إنهم اقتصروا عند مرآة المشركين على الإسراع من جهة الركنين الشاميين لأن المشركين كانوا بإزاء تلك الناحية فإذا مروا بين الركنين اليمانيين مشوا على هيئتهم كما هو بين في حديث ابن عباس، ولما رملوا في حجة الوداع أسرعوا في جميع كل طوفة فكانت سنة مستقلة انتهى، ولفظ حديث ابن عباس عند البخاري: "قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مكة فقال المشركون: إنه يَقدِمُ عليكم وفدٌ قد وهنتهم حمى يثرب فأمر - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين" ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم.
714- وعنْه - رضي الله عنه - قال: لم أَر رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يستلمُ من البيت غير الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَّيْنِ" رواهُ مسلمٌ.
اتفق العلماء على استحباب استلام الركنين اليمانيين، وأن الركنين الشاميين لا يستلمان.
715- وعن عُمَرَ - رضي الله عنه -: "أنّهُ قَبّلَ الحجرالأسود وقالَ: إني أَعْلمُ أَنك حجرٌ لا تضُرُّ ولا تنْفعُ، ولولا أَنِّي رأَيتُ رسولَ اللهِ r يُقَبِّلُكَ ما قبّلْتُكَ" مُتّفقٌ عليه.
الحديث دليل على استحباب تقبيل الحجر الأسود، قال الطبري: إنما قال ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشي عمر أن يفهموا أن تقبيل الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كان الجاهلية تعتقده في الأوثان.
716- وَعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ - رضي الله عنه - قَالَ: "رَأَيْتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ، وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
المحجن: عصا محنية الرأس، والحديث دليل على أنه يجزئ عن استلامه بيده استلامه بآلة ويقبل الآلة كما يقبل يده، فإنْ لم يمكن استلامه استقبله وهلل وكبر، وإذا أشار بيده فلا يقبلها لأنه لا يقبل إلا الحجر، أو ما مس الحجر.
717- وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيّةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "طَافَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُضْطَبِعَاً بِبُرْدٍ أَخْضَرَ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيِّ وصَحَّحُهُ الترمذيُّ.
الحديث دليل على استحباب الاضطباع، وهو أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن ويلقي طرفيه على كتفه الأيسر حتى يفرغ من طواف القدوم.
718- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "كَانَ يُهِلُّ مِنَّا الْمُهِلُّ فَلا يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ مِنَّا الْمُكَبِّرُ فَلا يُنْكَرُ عَلَيْهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الإهلال: رفع الصوت بالتلبية، وأول وقته من حين الإحرام إلى أن يرمي جمرة العقبة، وفي العمرة إلى الطواف، وفي الحديث أن من كبر مكان التلبية فلا ينكر عليه فالجميع سنة، والحديث ورد في غدوّهم إلى عرفات.
719- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: "بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الثَّقَلِ، أَوْ قَالَ فِي الضَّعَفَةِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْل".
720- وَعَنْ عَائِشَة - رضي الله عنها - قَالَتْ: "اسْتَأَذَنَتْ سَوْدَةُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَهُ، وَكَانَتْ ثَبِطَةً -تَعْنِي ثَقِيلَةً- فَأَذِنَ لَهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما.
الجمهور على أنه يجب المبيت بمزدلفة ويلزم من تركه دم، والحديث دليل على جواز الدفع قبل الفجر للعذر.
721- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ لَنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيَّ، وَفِيْهِ انْقِطَاعٌ.
الحديث دليل على أن وقت رمي جمرة العقبة من بعد طلوع الشمس.
722- وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: "أَرْسَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، فَرَمَتِ الْجَمَرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ". رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وإسناده على شرط مسلم.
الحديث دليل على جواز الرمي قبل الفجر لمن له عذر.
723- وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شَهِدَ صَلاتَنَا هَذِهِ -يَعْنِي بِالْمُزْدَلِفَةِ- فَوقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَاراً، فَقَدْ تَمَّ حَجَّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وصحَّحَهُ الترمذيُّ وابنُ خزيمة.
يتبين معنى هذا الحديث بسياق أوله قال: "أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالموقف، يعني جمعاً فقلت: يا رسول الله جئت من جبل طيء فأكلت مطيتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج" الحديث. وأخرج أحمد وأصحاب السنن: "أنه - صلى الله عليه وسلم - أتاه وهو واقف بعرفات ناس من أهل نجد فقالوا: كيف الحج؟ فقال: الحج عرفة من جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تمَّ حجه" وفي رواية لأبي داود: "من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج" (قوله: وقضى تفثه) أي مناسكه.
724- وعَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - قالَ: "إنّ المشركين كانوا لا يُفيِضَونَ حتى تطْلُع الشّمسُ ويقولونَ: أَشْرقْ ثَبِيرُ، وإنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خالَفَهمْ فَأَفَاضَ قبلَ أَن تَطْلعَ الشمسُ" رواهُ الْبُخَاريُّ.
الحديث دليل على مشروعية الدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس.
يتبع
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك