05-30-2023, 04:49 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 359,472
|
|
المثقف بين الانكفاء على الذات.. والتفاعل البناء مع المجتمع
المثقف بين الانكفاء على الذات.. والتفاعل البناء مع المجتمع
نايف عبوش
لا شك أن الثقافة العامة والارتقاء بالوعي الإنساني إلى آفاق رَحِبة - مهمة نبيلة، لها مردوداتها الإيجابية في مغادرة حالة الجهل والتخلف، والانطلاق نحو فضاءات العلم، باعتباره مصدرًا للإشعاع والتنوير؛ حيث العلم نورٌ، والجهل ظلام؛ كما يُقال.
ولعل من الجدير بالذكر الإشارة إلى أن المعرفة والثقافة العربية كانت في الصفحات المشرقة من ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، أفقية الفضاء، ومتغلغلة في أوساط الجمهور بكل شرائحهم الاجتماعية، حتى إنها كانت موسوعية النزعة، وعمومية الانتشار؛ ولذلك كان الاتجاه الجمعي العام للجمهور علميَّ التوجه، وموسوعيَّ الفَهم، وتنويري المقصد، ولأن البيئة المعرفية والثقافية العربية كانت أفقية الاتجاهات، وموسوعية النزعة - فقد طفح عطاؤها بالإشعاع والتنوير خارج ساحة إبداعها إلى الآخر، فكانت مصدرًا للمعرفة، ومرجعًا للتعلم والعلم، عندما انتقلت إلى البيئة الأوربية، عبر مراكز وحلقات إنتاجها في الأندلس يوم ذاك.
ومع التراجع الذي حلَّ بالحال العربي المسلم في ظروف الانحطاط اللاحقة، وغياب معايير النهوض والتطلع، وغياب الأمة ونُخبِها عن ساحة العطاء والتأثير، سادت روح الانكفاء، وانكمشت روح البحث والتثقيف، وجفَّت منابع المعرفة، وساد الجهل والتخلف، والإحباط في أوساط الأجيال التالية، ليصبح سِمة غالبة لوصف الحال.
ولا ريبَ أن الحال ازداد سوءًا بعد أن أصبح العالم الصناعي الغربي الراهن مركزَ الإبداع العلمي والتقني والمعرفي، وظل عالمنا العربي الإسلامي مُنكفئًا على ذاته، متلقِّيًا للعلوم والتكنولوجيا والمعرفة من مصدرها الغربي، في ظل هيمنة علمية واقتصادية صارمة، تُعرقِل أيَّ ملامح مرتقبة للنهوض العلمي والمعرفي في عالمنا العربي والإسلامي، وعموم البلدان النامية.
والملاحظ في ضوء تلك التداعيات السلبية للعصرنة الصاخبة بوسائلها المفتوحة في كلِّ الاتجاهات، وبلا قيود - أن المثقف العربي اليوم غارق في الانكفاء على الذات، وطامح في ثقافة عمودية متمركزة، محدودة التداول في إطار النخبة، وفي أضيق الحدود؛ مما يجعل عملية التثقيف الجمعي محدودة الأفق، وضعيفة التأثير في الوسط الاجتماعي، في الوقت الذي ينبغي أن يكون التكوين الثقافي تبسيطيًّا، ومنفتحًا على جمهور المتلقين، بشكل متوازٍ مع إنتاج ثقافة الاختصاص الأكاديمي الصِّرْفِ.
ولذلك؛ فإن الأمر يتطلب أن يكون المثقف العربي - أيًّا كان نمط ثقافته - منفتحًا، ومتفاعلًا في تحصيل مدخلات ثقافته، وكذلك في وسائل تواصله مع جمهور المتلقين؛ بحيث يكون التأثير جمعيًّا وإيجابيًّا باتجاه النهوض بالثقافة العامة، ورفع مستوى التنوير في المجتمع، وبالشكل الذي يُرسِّخ ظاهرة الموسوعية الثقافية الاجتماعية في بيئتنا الناهضة، ويحفِّز نوازع النهوض العلمي والحضاري، بعد أن ينجح في تفجير الطاقات الكامنة والواعدة بين صفوف المتلقين.
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|