05-24-2023, 10:17 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 359,116
|
|
وعد الله للمؤمنين العاملين بالاستخلاف والتمكين
وعد الله للمؤمنين العاملين بالاستخلاف والتمكين
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين يا رب العالمين.
الله سبحانه وتعالى وعد وعودًا في كتابه، فهل الله سبحانه وتعالى يخلف الميعاد؟
لا والله؛ وقد قال سبحانه: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، وقال سبحانه: ﴿ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 38]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، فهل هذه الآيات متحققة في زماننا هذا؟
والله نقر ونعترف ونؤمن بأنه سبحانه لا يخلف الميعاد، فأين نصر الله للمؤمنين في هذا الزمان؟
ولا بد أن نعلم أمرًا مهمًّا؛ وهو أن هناك مقدماتٍ لتصح لها النتائج، فإذا كانت المقدمات هشة أو ضعيفةً، فماذا ترتجون من النتائج؟
قال الله سبحانه مبينًا هذه المقدمات، ومبينًا ما يترتب عليها من نتائج؛ قال سبحانه: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾ [النور: 55]، هذا أول وعد من الله عز وجل هو الاستخلاف، ﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النور: 55، 56].
فـإذا وعد الله وعدًا فإنه لا يخلفه؛ ﴿ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس: 55]، وقال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ﴾ [آل عمران: 152]؛ أي: تقتلون الكفار، صدق الله ذلك، وتحقق ذلك، والخطاب للصحابة رضي الله تعالى عنهم، وقال سبحانه: ﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [إبراهيم: 47]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [آل عمران: 9].
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ﴾ [النور: 55]، والخطاب موجه للصحابة وللمسلمين من بعدهم إلى يوم القيامة، إذا توافرت هذه المقدمات.
والصحابة رضي الله تعالى عنهم قاموا بهذه المقدمات أحسن قيام، وحققوها أحسن تحقيق، فكانت النتائج التي ستعلمونها.
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [النور: 55]، والمؤمن هو من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره أنه من الله سبحانه وتعالى؛ ((والمؤمن من أمِنَهُ الناس على دمائهم وأموالهم))؛ [كما رواه أحمد والترمذي والنسائي، (حم) (8931)، (ت) (2627)، (س) (4995)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح].
﴿ آمَنُوا ﴾ليس المقصود آمنوا إيمانًا مجردًا؟ بل ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [النور: 55]؛ وهي الأعمال والعبادات التي أُمِرْنا بها؛ من صلاة وزكاة، وصيام وحج، وبر وإحسان، ورحمة خلق الله، وسائر الأعمال الصالحة، واجتناب سائر الأعمال السيئة.
آمنوا وعملوا الصالحات، والوعد من الله جل جلاله: ﴿ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾ [النور: 55]؛ هذا هو الوعد الأول لهذه المقدمات؛ مقدمات الإيمان والعمل الصالح، فبالإيمان والعمل الصالح يكون الاستخلاف في الأرض، وامتلاك مقاليد الحكم والسياسة، والملك والرئاسة.
﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ [النور: 55]، ومن قبلنا آمنوا وعملوا الصالحات فاستخلفهم في الأرض، كما استخلف الله سبحانه بني إسرائيل؛ فقال: ﴿ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 20]، ومنهم داود وسليمان عليهما السلام آتاهما الله النبوة والملك، وهذا الاستخلاف كان قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
سيستخلفهم إن آمنوا وعملوا الصالحات، كما استخلف الذين من قبلهم، وهذه سُنَّة الله في خلقه، عمل الصالحات مع الإيمان؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾ [إبراهيم: 13]، تعودون في ملتنا، وترضَون بأحكامنا وأنظمتنا وقوانينا، وهم مستضعفون، هكذا وُجِّه الخطاب إلى الرسل عليهم؛ ﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ ﴾ [إبراهيم: 13]، أوحى الله إلى الرسل، ﴿ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ [إبراهيم: 13، 14].
قال سبحانه: ﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾ [النور: 55]، وهنا وعد آخر، بعد الاستخلاف بأن يكون ملكًا حاكمًا، وهو التمكين للدين، دين الله وهو الإسلام، سيتحقق لمن آمن وعمل صالحًا، وهو التمكين لهذا الدين الذي ارتضاه لنا؛ وهو الإسلام؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، إذا تحققت هذه الأمور، هذه مقدمات، إذا وُجِدت حيث يكون الخليفة الممكَّن معتزًّا بدينه، مفتخرًا بالإسلام، وليس كما يظن بعض الناس اليوم أن المسلمين في ذلة وهوان ونحو ذلك، إن هذا المسلم الذي تقول عنه ذلك هو حبيب الله، ولو عنده معاصٍ، عنده ذنوب، وأينا يخلو من ذلك، فيا حسرتاه على من يعتز بالكافرين، ويوالي المشركين! وقد حذر الله من ذلك فقال: ﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 139]، نسأل الله السلامة.
﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾ [النور: 55]، وهذا وعد ثالث بعد الاستخلاف والتمكين، وهو حلول الأمن والأمان محل الخوف، مضت علينا مدة من شهر رمضان الماضي، والكل يتوقع الحرب، واجتياح غزة ونحو ذلك، وأبطل الله هذا التفكير، ذهب رمضان والحمد لله، ولن يحدث إلا ما أراد الله، ثقوا بذلك يا عباد الله، لا تخافوا من أي قصف جوي، أو بحري، أو بري، أو أي صوت انفجار قوي، توكلوا على الله؛ لأنه ﴿ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].
﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾ [النور: 55]؛ يعني حال كونهم يعبدون الله سبحانه، فإذا صارت عندهم الخلافة والتمكين في الأرض، لا ينسون الله عز وجل، فيعبدونه عبادة خالصة لا شرك فيها؛ قال: ﴿ لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النور: 55]؛ يعني لا يعبدون إلهًا غيري، ولا يراؤون بعبادتي أحدًا، ولا يخافون غيري، ولا يحبون أحدًا سواي؛ [انظر: تفسير القرطبي (12/ 300)].
هذه النتائج الطيبة مع المقدمات المطلوبة، فأما إن حصل من المسلمين خلاف ذلك؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ﴾ [النور: 55]؛ كَفَرَ كُفْرَ نعمة الاستخلاف والتمكين، والأمن والأمان، ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55]؛ أي: العصاة، الخارجون عن طاعة الله سبحانه، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وفي الآية التالية خصَّ من الأعمال الصالحة الصلاة؛ فقال: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [النور: 56]؛ أي: فلا ينسينكم ما أنتم فيه من الاستخلاف والتمكين، وفرح الأمن والأمان، لا ينسينكم ذلك من إقامة الصلاة في أوقاتها وشروطها، وأركانها وواجباتها، وهذا حق الله سبحانه، وخصَّ أيضًا حقوق الفقراء والمساكين؛ فقال: ﴿ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [النور: 56]؛ أي: ولا تنسينكم نعمة الملك والخلافة والأمن حقوقَ الفقراء والمساكين في أموالكم.
وعمَّم بعد هذا الخصوص، عمم التخصيص بـطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء عنه، من كتاب الله وسنة رسوله، اليوم بعض الناس يقول لك كتاب الله فقط، لا نريد السنة، يلغونها مطلقًا، نسأل الله السلامة؛ فقال: ﴿ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ [النور: 56]؛ أي: ولا تنسينكم نعمة الملك والتمكين والأمن من طاعة رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم، باتباع هديه وطريقته وسُنَّته.
﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النور: 56]، إن فعلتم ذلك الإيمان والعمل الصالح، والعبادة الخالصة، وعدم الإشراك به سبحانه وتعالى، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ باتباع سنته، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، فلعلكم ترحمون.
فلا رحمة للمخالف في ذلك، لعلكم ترحمون أنتم يا من فعلتم ذلك، ومن لم يفعل ذلك، فلا رحمة للمخالف، فما بعد (لعل) في كتاب الله - لو وجدتها وقرأتها واستقرأتها ما بعد (لعل) - مُعلَّق بما قبلها، ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النور: 56]؛ يعني إن فعلتم ما قبل (لعل) من طاعة الله ورسوله والإيمان، ظفِرتم بما بعدها.
"وهذا بيان للأعمال المطلوبة من المؤمنين، حتى يكونوا على الوصف الذي وصفهم الله سبحانه وتعالى به، ووعدهم عليه الاستخلاف، والتمكين والأمن والأمان؛ وهو أن يقيموا الصلاة، وأن يؤتوا الزكاة، وأن يطيعوا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يدعوهم إليه، ويندبهم له..."؛ [التفسير القرآني للقرآن، لعبدالكريم يونس الخطيب (المتوفى: بعد 1390هـ) (9/ 1317)].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الآخرة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فهذه الآيات التي تُلِيت دلَّت على عدة أمور؛ منها:
أن الله تعالى حي قدير وقادر على جميع الممكنات سبحانه؛ لذلك وعد وحقَّق ما وعد؛ لأنه قال: ﴿ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾ [النور: 55]، وقد فعل ذلك، واستخلف المسلمين في الأرض، ومكَّن لهم دينهم، وبدلهم من بعد خوفهم أمنًا؛ فالصحابة رضي الله عنهم كانوا في مكة في خوف شديد، فبدل ذلك أمنًا؛ لأنهم حققوا الإيمان، وعملوا الصالحات، وأخلصوا لله ولم يشركوا به شيئًا.
ودلَّت الآيات أيضًا على أن الله تعالى هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له؛ لقوله: ﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾ [النور: 55]، لا يعبدون مع الله غيره.
وهو سبحانه منزَّهٌ عن الندِّ والشبيه، والمثيل والشريك؛ لقوله تعالى: ﴿ لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النور: 55]، فلا يجوز عبادة غير الله سبحانه وتعالى، هذا المعبود سواء كان شمسًا أو قمرًا أو كوكبًا؛ كما يقول الصابئة، أو صنمًا أو وثنًا؛ كما يقول عبدة الأوثان، أو طاغوتًا، أو عبدًا صالحًا، أو نبيًّا مرسلًا، أو ملكًا مقربًا، فلا يعبدون إلا الله، هذه حقيقة كلمة: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
ودلَّت الآيات على صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر عن الغيب في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾ [النور: 55]؛ الآية، وقد تحقق الخبر، واستُخْلِف المسلمون في الأرض.
ودلت الآيات على إثبات خلافة الأئمة الأربعة؛ الخلفاء الراشدين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله تعالى عنهم، فالآية ﴿ وَعَدَ اللَّهُ ﴾ [النور: 55]، أوضح دليل وأبينه؛ لأنهم المستخلفون الذين آمنوا وعملوا الصالحات، الذين وعدهم الله بالاستخلاف بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن لا تختص الخلافة بهم، بل تشمل غيرهم ممن استُخْلفوا على المسلمين، ممن تحققت فيهم تلك المقدمات؛ الإيمان والأعمال الصالحات، والعبادة الخالصة لله، وعدم الإشراك به.
إن من أتمِّ النعم على الصحابة رضي الله عنهم وتابعيهم من بعدهم رحمهم الله، بعد نصرة الإسلام - هو تبديل خوفهم أمنًا، كما وعد الله تعالى؛ وأكده صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري في صحيحه: ((والله لَيَتِمَّنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون))؛ [(خ) (3612)].
متى قال هذا الكلام؟ قاله وهو مُسْنِدٌ ظهره إلى الكعبة قبل الهجرة، وخبَّاب بن الأرتِّ تحت التعذيب الشديد، فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم شدة التعذيب من الناس فقال لهم: ((والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)).
فالآية معجزة النبوة؛ لأنها إخبار عما سيكون، فكان، وانتشر الأمن والأمان في شبه الجزيرة العربية وما حولها.
ألا واعلموا أن أساس العمل عبادة الله بالإخلاص، دون أن يشوبها شرك ظاهر، أو شرك خفيٌّ؛ وهو الرياء.
والمراد بكُفْرِ المقصر عن الطاعات، يمكن أن يُقال عن المقصر عن الطاعات كافر، لكن المراد بكفر المقصر هذا مع أنه مؤمن وقع في المعاصي؛ في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ﴾ [النور: 55]، هو كفران النعمة، لا كفر خروج من الملة؛ فيُسلَب الخلافة والتمكين في الأرض، ويُسلَب الأمن والأمان، نسأل الله السلامة؛ لأنه قال سبحانه وتعالى: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].
أما الكافر الحقيقي، فهو فاسق بعد هذا الإنعام وقبله.
كما دلت الآيات على أن إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإطاعة أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، واتباع سنته، واجتناب نواهيه، هذا سبب للرحمة الشاملة من الله الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى.
ألا واعلموا عباد الله أنه سبحانه لن يعجِزَ الله هربًا في الأرض أحدٌ من الكفار، مهما بلغ من القوة، والجبروت، والظلم، والغطرسة، وإنما قدرة الله تطولهم، تنالهم قدرة الله وتطولهم في أي مكان، وأي زمان مهما رأيت مما أعطاهم الله من القدرة، ونحو ذلك هي بيد الله، قال: يسلطها عليهم، قوتهم ترجع عليهم، نسأل الله السلامة، وهم المقهورون، ومأواهم النار.
يؤيد ذلك قوله سبحانه وتعالى: ﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [النور: 57]؛ [بتصرف من التفسير المنير للزحيلي (18/ 287، 288)].
والنصر حليف هذه الأمة إذا حققت إيمانها بربها، وتوحيدها وإخلاصها في الطاعات والعبادات.
صلوا على رسول الله الذي صلى الله عليه في كتابه؛ فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر الصحابة أجمعين، وارضَ عنا معهم بمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا.
اللهم متِّعْنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبدًا ما أحييتنا، واجعلها الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والعزيمة على الرشد، والغنيمة من كل برٍّ، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة، والنجاة من النار.
اللهم يا رب العالمين وأبْرِمْ لهذه الأمة أمرَ رُشْدٍ يُعَزُّ فيه أهل طاعتك، ويُذَلُّ فيه أهل معصيتك حتى يتوبوا، ويُؤمَر فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم وأظهر الهدى ودين الحق الذي بعثت به نبيك محمدًا صلى الله عليه وسلم على الدين كله، ولو كره المشركون.
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
__________________
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|