عناد زوجتي وتركها للبيت
الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
السؤال:
♦ الملخص:
رجل متزوجٌ بامرأة ترد عليه عند حدوث مشكلة وتذكر عيوبه، وتخاصم أهلها إذا تدخلوا للصلح بينهما، وقد تركتْ له البيتَ أكثرَ من مرة، ويسأل عن حلٍّ.
♦ التفاصيل:
أنا رجلٌ متزوجٌ منذ أربعة عشر عامًا بحمد الله، مشكلتي أنني أحيانًا أغضب وأتلفظ بما لا يصح في حق زوجتي، وهي ترد الكلمة بالكلمة، ثم إنني أصبحت جافًّا معها، ومع ذلك تحملتُ تطاولها عليَّ لأجل أولادي، وفي كل مرة كانت تغضب وتذهب لبيت أهلها، كنت أخطِّئ نفسي وأذهب لأراضيها وأتنازل لأجل الأولاد، ولكن يبدو أنها تعودت على ذلك الأمر، وعندما يحدث بيننا مشكلةٌ لا تذكر لي أي حسنة، بل تركز على ذكر العيوب، على الرغم من كوني كريمًا معها، وأُلبي كل احتياجاتها، وقد سافرنا معًا للخارج كثيرًا، وهي كذلك فيها من الميزات ما فيها؛ فهي طيبة ووفية جدًّا، لكن في حال رضاها فقط، أما في حال المشاكل، فتصبح عنيدة جدًّا، وترفض الصلح والنقاش، ولا تبالي بالأولاد رغم صغر سنهم وحاجتهم للرعاية والطعام والتعليم، وتأخذ معها فقط الرضيعة وتهمل الثلاثة الآخرين، طلقتها مرة لكنها لا تبالي، ولا تسمح لأهلها بنصحها، وتُخاصمهم إذا ضغطوا عليها بالصلح، والآن هي عند أهلها لأكثر من شهر، وليس لديها نيةٌ للرجوع أو الحوار رغم محاولاتي للتودد إليها بالمال والهدايا، وتخطئة نفسي؛ لأن جفائي الشديد معها هو سبب تصلُّبها ونفورها، ولكنها ازدادت عنادًا وصلابةً، والعجيب أنه ليس لديها منزل، فوالداها متوفيان وهي تعيش عند أخيها المطلق بين غرفتين، والوضع سيئٌ على طفلي الرضيع وصحته، والزوجة مستمرة في العناد والصلابة، أنا لا أستطيع طلاقها وإيلام أبنائي وتشتيتهم؛ لأني سأستقلُّ بالزوجة الجديدة في منزل، وهم سيعيشون في منزلهم مع الخادمة، وأمهم في منزل آخر مع أخيهم الصغير، أرشدوني حفظكم الله.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فأولًا أشكرك شكرًا جزيلًا على سطورك التي حملت وفاءً واعترافًا، فقد تضمنت شيئًا جميلًا للغاية وهو الإنصاف، باعترافك بحسنات زوجتك رغم ما فعلته معك، واعترافك بخطئك معها بالجفاء؛ لأنه يَندُرُ وجودُ مثل هذه الاعترافات الصريحة من أصحاب المشاكل الأسرية، وأقول لك بملء فمي: إن هذه الاعترافات الصادقة هي بداية العلاج، بل نصفه أو كله، فما ضرَّ المختلفَيْنِ شيءٌ مثل تقاذف التهم والتراشق بالمعايب والتغافل عن الحسنات، ثم أقول حفظك الله وزادك توفيقًا وإنصافًا: عليك بالحلول الآتية:
الأول: النظر إلى زوجتك نظرك للمريض، فتشفق عليها وتدعو لها بصدق ويقين وإخلاص؛ لأنها كالمريضة بتصرفاتها هذه، وربما هناك مَن يحرضها عليك.
ثانيًا: أكْثِرْ من الاستغفار؛ لأن الذنوب سببٌ لكثير من المصائب، والتوبة والاستغفار سبب عظيم لتفريج الكرب؛ قال سبحانه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12].
ثالثًا: أكثِر من الاسترجاع؛ أي: قول: ((إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها))؛ فقد قالتها أم سلمة رضي الله عنها لما مات زوجها، ولما قالتها بصدق ويقين، كانت المفاجأة العظمى وهي زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم منها.
رابعًا: تصدَّق، فالصدقة سبب للتفريج والتيسير وإجابة الدعاء.
خامسًا: ذكرتَ أن من أسباب مشاكلكم جفاءك معها، وهذا اعتراف رائع جدًّا، وعليك إذًا التخلص من هذا المرض، مع التلطف في مواطن التلطف، والحزم في مواطن الحزم، بما لا يتعارض مع هيبة الرجل، ولا يوقع في الظلم، ولا يوقع في الخَورِ والضعف.
سادسًا: يبدو أن زوجتك حسب وصفك - إن كان صحيحًا - فيها عناد وغضب وتهور مع قوة شخصية، وبهذه الصفات تحتاج لسياسة حكيمة تجمع بين الحزم أحيانًا والليونة أحيانًا والتودد أحيانًا، كل في وقته المناسب، أما ضعف الرجل في هذه الحالة فلا يصلح؛ لأنه سيكون معرضًا للاستحقار، وكذلك القوة الزائدة في هذه الحالة إلى درجة الجفاء والإهمال لا تصلح.
سابعًا: كما أوصيتك بالدعاء لها، فادعُ لنفسك أيضًا بتوفيقك لحسن التعامل، والعشرة الطيبة المتوازنة معها دون إفراط ولا تفريطٍ.
ثامنًا: يَبدو أنك - من وصفك لحالك بالجفاء معها - لا تعطيها ما تحتاجه من عواطف وشعور بالسكن والمودة والرحمة، أو أنك مقصر في هذه الأمور، وهذه الأمور مهمة جدًّا يهملها بعض الأزواج والزوجات، وهي في الحقيقة ضرورية جدًّا، بل هي مثل الملح للطعام لا يُستغنى عنه.
تاسعًا: الجفاء وإهمال ما سبق ذكره ربما أدى لجفاف العواطف من الجانبين؛ ومن ثَمَّ عدم الصبر والتحمل لأي مشكلة.
عاشرًا: أَوَدُّ التَّنبيه إلى أن بعض الرجال في مجالسهم يَحذرون مما يسمونه: "لا تعطِ الزوجة وجهًا"؛ أي: كن شديدًا معها دائمًا حتى لا تستضعفَكَ، وهذا خطأ جسيم؛ لأنه ثبت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي))؛ [أخرجه الترمذي].
حادي عشر: إن كنت لم تخطئ في حق زوجتك، فلا أنصحك بالاستعجال في ترضيها؛ فإنها قد تستمر على هذا المنوال، وقد تراك ضعيفًا، بل أشْعِرْها أنك مللتَ حياةَ المشاكل، وأنك قد تطلقها، فهذا قد يحرك غيرتها، ويشعرها بقوتك وحزمك، فترجع عن عنادها.
ثاني عشر: ذكرتَ أنك سافرت بها للخارج كثيرًا، وكأنك تفتخر بذلك، وترى أنك محسن لها جدًّا، فأقول: السفر للخارج خاصة لدول الكفار التي تكثر فيها المعاصي ليست فخرًا ولا سببًا للتوفيق، وللعلماء كلام كثير حول ذلك يراجع في أماكنه، ويدل على أنك كما تعاملها بجفاء أحيانًا، فإنك تُدللها أكثر من اللازم أحيانًا، ثم إن بعض النساء ينشرن أخبار أسفارهنَّ بزهو وفخر في السناب شات، فينتج عن ذلك الحسد والمشاكل.
حفِظك الله، وفرَّج الله كربتكم، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك