02-24-2023, 12:12 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 360,975
|
|
تفسير قوله تعالى: (فصب عليهم ربك سوط عذاب)
تفسير قوله تعالى: (فصب عليهم ربك سوط عذاب)
الحمد لله.
أولًا :
قال الله تعالى:{وَالْفَجْرِ{1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ{2} وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ{3} وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ{4} هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ{5} أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ{6} إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ{7} الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ{8} وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ{9} وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ{10} الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ{11} فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ{12} فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ{13} إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ{14}}الفجر/1-14.
يقول الشيخ السعدي -رحمه الله-: "يقول تعالى: ( أَلَمْ تَرَ ) بقلبك وبصيرتك كيف فعل بهذه الأمم الطاغية، وهي ( إِرَمَ ) القبيلة المعروفة في اليمن ( ذَاتِ الْعِمَادِ ) أي: القوة الشديدة، والعتو والتجبر.
( الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا ) أي: مثل عاد ( فِي الْبِلادِ ) أي: في جميع البلدان [ في القوة والشدة ] ، كما قال لهم نبيهم هود عليه السلام: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .
( وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ) أي: وادي القرى، نحتوا بقوتهم الصخور، فاتخذوها مساكن، ( وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَاد ) أي: [ ذي ] الجنود الذين ثبتوا ملكه، كما تثبت الأوتاد ما يراد إمساكه بها، ( الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ ) هذا الوصف عائد إلى عاد وثمود وفرعون ومن تبعهم، فإنهم طغوا في بلاد الله، وآذوا عباد الله، في دينهم ودنياهم، ولهذا قال:
( فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ) وهو العمل بالكفر وشعبه، من جميع أجناس المعاصي، وسعوا في محاربة الرسل وصد الناس عن سبيل الله، فلما بلغوا من العتو ما هو موجب لهلاكهم، أرسل الله عليهم من عذابه ذنوبًا وسوط عذاب، ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) لمن عصاه يمهله قليلا ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر. انتهى من "تفسير السعدي" (ص923).
وقال ابن القيم : " وفي تعريف "الفجر" ما يدلُّ على شهرته، وأنَّه "الفجر" الذي يعرفه كلُّ أحدٍ ولا يجهله.
فلمَّا تضمَّن هذا القَسَمُ تعظيمَ ما جاء به إبراهيم ومحمد - صلَّى الله عليهما وسلم - كان في ذلك ما دلَّ على المُقْسَمِ عليه، ولهذا عقَّبَ القَسَم بقوله تعالى:{هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 5]، فإنَّ عظمة هذا المُقْسَم به يُعرف بالنُّبوَّة، وذلك يحتاج إلى حِجْرٍ يَحْجُرُ صاحبَه عن الغفلة واتباع الهوَى، ويحمله على اتباع الرُّسُل، لئلا يصيبه ما أصاب من كذَّب الرُّسُل كـ: عاد، وفرعون، وثمود ولمَّا تضمَّن ذلك مَدْحَ الخاضعين والمتواضعين؛ ذكرَ بعد ذلك حال المتكبِّرين المتجبِّرين الطاغين، ثُمَّ أخبر أنه صبَّ عليهم سَوْط عذاب؛ أي: سوطًا من عذاب. ونكَّره: إمَّا للتعظيم؛ وإمَّا لأنَّ يسيرًا من عذابه استأصلهم وأهلكهم، ولم يكن لهم معه بقاءٌ ولا ثباتٌ" انتهى من "التبيان في أيمان القرآن"(1/ 48 - 49).
ثانيًا :
(السوط) المذكور في هذه الآية: هو الذي يضرب به، وهو معروف.
قال ابن فارس، رحمه الله : "وَمِنَ الْبَابِ: السَّوْطُ، لِأَنَّهُ يُخَالِطُ الْجِلْدَةَ ; يُقَالُ سُطْتُهُ بِالسَّوْطِ: ضَرَبْتُهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي تَسْمِيَةِ النَّصِيبِ سَوْطًا فَهُوَ مِنْ هَذَا. قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ [الفجر: 13] ، أَيْ نَصِيبًا مِنَ الْعَذَابِ".
انتهى من "مقاييس اللغة" (3/116).
...
وإنما قال سبحانه : (سوط عذاب)، مع كون العذاب متعدد الألوان ، لأن التعذيب بالسوط كان عذابًا أليمًا عند العرب الذين خاطبهم الله بالقرآن ، فاستعمل في العذاب عمومًا .
قال الطبري: "وَقِيلَ: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ سَوْطَ عَذَابٍ وَإِنَّمَا كَانَتْ نِقَمًا تَنْزِلُ بِهِمْ، إِمَّا رِيحًا تُدَمِّرُهُمْ، وَإِمَّا رَجْفًا يُدَمْدِمُ عَلَيْهِمْ، وَإِمَّا غَرْقًا يُهْلِكُهُمْ، مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ بِسَوْطٍ وَلَا عَصًا، لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَلِيمِ عَذَابِ الْقَوْمِ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذَا الْقُرْآنِ، الْجَلْدُ بِالسِّيَاطِ، فَكَثُرَ اسْتِعْمَالُ الْقَوْمِ الْخَبَرَ عَنْ شِدَّةِ الْعَذَابِ الَّذِي يُعَذَّبُ بِهِ الرَّجُلُ مِنْهُمْ، أَنْ يَقُولُوا: ضُرِبَ فُلَانٌ حَتَّى بِالسِّيَاطِ، إِلَى أَنْ صَارَ ذَلِكَ مَثَلًا، فَاسْتَعْمَلُوهُ فِي كُلِّ مُعَذَّبٍ بِنَوْعٍ مِنَ الْعَذَابِ شَدِيدٍ، وَقَالُوا: صُبَّ عَلَيْهِ سَوْطُ عَذَابٍ".
انتهى من "تفسير الطبري" (24/ 373-374).
والله أعلم.
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب -مختصرا-
https://islamqa.info/ar/answers/3934...B0%D8%A7%D8%A8
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|