ما يسن صيامه، وما ينهى عن صيامه
د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ، أما بعدُ:
فحَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ عنْ موضوع بعنوان: «ما يُسنُّ صيامه، وما يُنهى عن صيامه».
وسوف ينتظم موضوعنا مع حضراتكم حول محورين:
المحور الأول:الأيام التي يسنُّ صيامها.
المحور الثاني:الأيام التي لا يجوز صيامها.
واللهَ أسألُ أن يجعلنا مِمَّنْ يستمعونَ القولَ، فَيتبعونَ أَحسنَهُ، أُولئك الذينَ هداهمُ اللهُ، وأولئك هم أُولو الألبابِ.
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن صيام يوم واحد يبعد صاحبه عن النار مسيرة سبعين سنة.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ[1]، بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا[2]»[3].
وللجنة باب لا يدخل منه إلا الصائمون يوم القيامة.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ»[4].
المحور الأول: الأيام التي يسنُّ صيامُها.
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن الأَيَّام التي حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على صيامِها عشرةٌ:
الأول: صَوْمُ يَوْمٍ وَيَوْمٍ، وهو أَفْضَلُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا»[5].
وَفِي لَفْظٍ: «فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عليه السلام وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ»، فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ»[6].
الثاني: صَوْمُ الأَيَّامِ البِيضِ، وهِيَ الثَّالِثَ عَشَرَ، وَالرَّابِعَ عَشَرَ، وَالخَامِسَ عَشَرَ مِنْ كُلِّ شَهرٍ هجْرِيٍّ.
رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَصُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ»[7].
وَرَوَى النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صِيَامُ الدَّهْرِ»[8].
الثالث: صَوْمُ يَوْمَي الاثْنَيْنِ، وَالخَمِيسِ.
رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما أَنَّ نَبِيَّ اللهِ ه كَانَ يَصُومُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الخَمِيسِ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُعْرَضُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الخَمِيسِ»[9]، أي على اللهِ عز وجل.
الرابع: صَومُ غَالِبِ شَهرِ اللهِ المُحَرَّمِ.
رَوَى مُسْلِمٌ عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ المحَرَّمُ»[10].
الخامس: صَوْمُ اليَوْمِ التَّاسعِ مِنْ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ.
رَوَى مُسْلِمٌ عنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ المقْبِلُ - إِنْ شَاءَ اللهُ - صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ»، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ المقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم[11].
السادس: صَوْمُ اليَوْمِ العَاشِرِ مِنْ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ.
رَوَى مُسْلِمٌ عنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ»[12].
السابع: صَوْمُ سِتَّةٍ مِنْ شَهرِ شَوَّالٍ.
رَوَى مُسْلِمٌ عنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»[13].
الثامن: صَومُ غَالِبِ شَهرِ شَعْبَانَ.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلميَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلماسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ»[14].
وَفِي رِوَايَةٍ: «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا»[15].
التاسع: صَومُ التِّسعِ الأَوَّلِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ.
رَوَى البُخَارِيُّ عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ»، قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟.
قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ»[16].
ورَوَى النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عن بَعْضِ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلمكَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَتِسْعًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ»[17].
العاشر: صَومُ يَوْمِ عَرَفَةَ،وهُوَ اليَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الحِجَّةِ.
رَوَى مُسْلِمٌ عنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ، وَالْبَاقِيَةَ»[18].
ولَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ بِعَرَفَةَ أَنْ يَصُومَ يومَ عرَفَةَ؛ لِيَتَقَوَّى عَلَى الدُّعَاءِ.
رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ رضي الله عنها قَالَتْ: «شَكَّ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَرَابٍ، فَشَرِبَهُ»[19].
ورَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ: «حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلمفَلَمْ يَصُمْهُ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمْ يَصُمْهُ، وَمَعَ عُمَرَ، فَلَمْ يَصُمْهُ، وَمَعَ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَصُمْهُ، وَأَنَا لَا أَصُومُهُ، وَلَا آمُرُ بِهِ، وَلَا أَنْهَى عَنْهُ»[20].
المحور الثاني: الأيام التي لا يجوز صيامها.
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن الأَيَّامَالتي نهانا النبيصلى الله عليه وسلمعن صيامها ثَمَانِيَةٌ:
الأول: يَحْرُمُ صَوْمُ العِيدَيْنِ: الفِطْرِ، وَالأَضْحَى.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عن أَبي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ، قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ: «هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللهِ ه عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالْيَوْمُ الآخَرُ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ»[21]، أي أُضْحِيَتِكِمْ.
الثاني: يَحْرُمُ صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ، وَهِيَ الحَادِي عَشَرَ، وَالثَّانِي عَشَرَ، وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ.
رَوَى مُسْلِمٌ عن نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ»[22].
ويجوز صيامها لِمَنْ حَجَّ مُتَمَتِّعًا، أَوْ قَارِنًا ولم يَجِدِ الهَدْيَ.
رَوَى البُخَارِيُّ عن ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما قَالَا: «لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْي»[23].
وَالهَدْيُ: مَا يُهْدَى إِلَى الحَرَمِ مِنْ بَهيمة الأنعامِ[24].
الثالث: يُكرَهُ صومُ يَوْمِ الشَّكِّ، وهُوَ اليَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ شَعْبَانَ، أَوْ مِنْ رَمَضَانَ إِذَا كَانَ صَحْوًا؟.
رَوَى البُخَارِيُّ عن عَمَّارٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم »[25].
ولا بأس أن يُفردَ يوم الشك بصيام لمن كانت عادته صيام يوم، وإفطارَ يوم.
الرابع: يُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ الجُمُعَةِ مُنْفَرِدًا.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَه»[26].
ورَوَى مُسْلِمٌ عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ»[27].
وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ: «أَصُمْتِ أَمْسِ؟».
قَالَتْ: لَا.
قَالَ: «تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟».
قَالَت: لَا.
قَالَ: «فَأَفْطِرِي»[28].
ولا بأس أن يُفردَ يوم الجمعة بصيام لمن كانت عادته صيام يوم، وإفطارَ يوم.
وكذلك لا بأس أن يُفردَ يوم الجمعة بصيام إذا صادفَ يومَ عاشوراءَ، أو يومَ عرفة.
الخامس: يُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ السَّبْتِ مُنْفَرِدًا.
رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ السُّلَمِيِّ عَنْ أُخْتِهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ[29]أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ، فَلْيَمْضُغْهُ»[30].
ولا بأس أن يُفردَ يوم السبتِ بصيام لمن كانت عادته صيام يوم، وإفطارَ يوم.
وكذلك لا بأس أن يُفردَ يوم السبت بصيام إذا صادفَ يومَ عاشوراءَ، أو يومَ عرفة.
أقولُ قولي هذا، وأَستغفرُ اللهَ لي، ولكُم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله وكفى، وصلاةً وَسَلامًا على عبدِه الذي اصطفى، وآلهِ المستكملين الشُّرفا، وبعد..
السادس: يُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ»[31].
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، أنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ؟ قَالَ: «لَا صَامَ، وَلَا أَفْطَرَ»[32].
السابع: يَحْرُمُ عَلَى المَرْأَةِ أَنْ تصُومَ وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ غَيْرَ رَمَضَانَ.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَصُومُ المرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ»[33].
وَيجبُ على الْمَرْأَةِ أَنْ تصُومَ رَمَضَانَ ولو بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا.
رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَصُومُ المرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ غَيْرَ رَمَضَانَ»[34].
وَإِنْ أَمَرَهَا زَوجُهَا أَنْ تُفْطِرَ فِي رَمَضَانَ، لَمْ يَجُزْ لَهَا ذَلِكَ.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المعْرُوفِ»[35].
الثامن: يُكْرَهُ لِلْحَاجِّ صَوْمُ عَرَفَةَ.
رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ رضي الله عنه قَالَتْ: «شَكَّ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلمبِشَرَابٍ، فَشَرِبَهُ»[36].
ورَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ: «حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلمفَلَمْ يَصُمْهُ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمْ يَصُمْهُ، وَمَعَ عُمَرَ، فَلَمْ يَصُمْهُ، وَمَعَ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَصُمْهُ، وَأَنَا لَا أَصُومُهُ، وَلَا آمُرُ بِهِ، وَلَا أَنْهَى عَنْهُ»[37].
ويجوزُ للحَاجِّ المُتَمَتِّعِ، والقَارِنِ أنْ يَصُومَ يومَ عرفَةَ إذَا لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة: 196].
وَالأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ؛ لِيَحْصُلَ صَوْمُهَا، أَوْ بَعْضُهُ بَعَدَ إِحْرَامِ الحَجِّ[38].
والحج المتمتع: هو من يُحرم بعمرةٍ، ثمَّ يُحلُّ منها، ثم يُحرم بالحجِّ.
والحج القارن: هو من يُحرم بعمرة، وحجٍّ معًا.
وختامًا فديننا الحنيف دينُ القسطِ، والعدل، فلا ينبغي للمسلم ألا يغفل عن عبادته، بل يتحرى الأيام المستحب صيامها فيصومها، ولا يغلو فيها، فيصوم الدهر؛ لأن لربك عليك حقًّا، ولبدنك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا.
الدعـاء...
اللهم إنا نعوذ بك من شر ما عملنا، وشر ما لم نعمل.
اللهم إنا نعوذ بك من جَهد البلاء، ودَرَك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.
اللهم إنا نعوذ بك من العجز، والكسل، والجُبن، والبخل، والهَرَم، وعذاب القبر.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها.
أقول قولي هذا، وأقم الصلاة.
[1] في سبيل الله: أي في الجهاد، وقيل: طاعته كيف كانت. [انظر: «إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام»، لابن دقيق العيد (2/ 37)].
[2] سبعين خريفًا: أي مسيرة سبعين سنة، والمراد المبالغة في الإخبار عن البعد عنها، والمعافاة منها، والخريف يعبر به عن السنة. [انظر: «إكمال المعلم» (4/ 115)].
[3] متفق عليه: رواه البخاري (2840)، ومسلم (1153).
[4] متفق عليه: رواه البخاري (1896)، ومسلم (1152).
[5] متفق عليه: رواه البخاري (3420)، ومسلم (1159).
[6] متفق عليه: رواه البخاري (1976)، ومسلم (1159).
[7] صحيح: رواه الترمذي (761)، والنسائي (2420)، وصححه الألباني.
[8] حسن: رواه النسائي (2420)، وَأحمد (3/ 436)، وحسنه الألباني.
[9] صحيح: رواه أبو داود (2438)، وأحمد (5/ 200)، وصححه الألباني.
[10] صحيح: رواه مسلم (1163).
[11] صحيح: رواه مسلم (1134).
[12] صحيح: رواه مسلم (1162).
[13] صحيح: رواه مسلم (1164).
[14] متفق عليه: رواه البخاري (1969)، ومسلم (782).
[15] صحيح: رواه مسلم (1156).
[16] صحيح: رواه البخاري (969).
[17] صحيح: رواه النسائي (2372)، وأحمد (2/ 143)، وصححه الألباني.
[18] صحيح: رواه مسلم (1162).
[19] صحيح: رواه البخاري (1658).
[20] رواه الترمذي (751)، وحسنه، وأحمد (2/ 73)، وصححه الألباني.
[21] متفق عليه: رواه البخاري (1990)، ومسلم (1137).
[22] صحيح: رواه مسلم (1141).
[23] صحيح: رواه البخاري (1998).
[24] انظر: «المطلع» صـ(204).
[25] صحيح: رواه البخاري (3/ 34).
[26] متفق عليه: رواه البخاري (1985)، ومسلم (114).
[27] صحيح: رواه مسلم (114).
[28] صحيح: رواه البخاري (1986).
[29] لحاء عنبة: أي قِشْر عِنَبَةِ، اسْتِعَارةٌ مِنْ قِشرِ العُودِ. [انظر: «النهاية في غريب الحديث» (4/ 243)].
[30] صحيح: رواه أبو داود (2423)، والترمذي (744)، وَحسنه، وابن ماجه (1726)، وصححه الألباني.
[31] متفق عليه: رواه البخاري (1979)، ومسلم (1159).
[32] صحيح: رواه مسلم (1162).
[33] متفق عليه: رواه البخاري (5192)، ومسلم (1026).
[34] صحيح: رواه أبو داود (2460)، وابن ماجه (1761)، وصححه الألباني.
[35] متفق عليه: رواه البخاري (7257)، ومسلم (1840).
[36] صحيح: رواه البخاري (1658).
[37] صحيح: رواه الترمذي (751)، وحسنه، وأحمد (2/ 73)، وصححه الألباني.
[38] انظر: «الكافي» (2/ 239).
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك