01-06-2023, 11:03 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 361,175
|
|
التنمية الذاتية
التنمية الذاتية
مريم امرابط
التنمية غاية كل شخص طبيعي؛ لكن تحقيقها لا يمكن إلا أن يكون ذاتيًّا: إن كون مشروع التنمية (الشخصية) عملًا ذاتيًّا يجعل أمرَها عصيبًا وشاقًّا؛ لأن الشخص بطبيعته اجتماعيٌّ في كل حالاته، يحتاج إلى الآخر للدعم والمؤانسة والتحالُف؛ لكن أحداث الزمان والمكان قد تقطع على الشخص دعمَه، وتُذهِب أُنْسَه، وينقض تحالفه، ويبقى طريحَ الضَّعْف، أسيرَ الفتور، مضطرِبَ العقل، منكسِرَ الهِمَّة، وإذا بقي على هذه الحال، فُتِحَتْ له أبوابُ الشقاء ودروبُ الانحراف، وسُبُل البغي، وينسى - في خضمِّ الضلال - أو بالأحرى ضاعت عنه غايته الفطرية في التنمية.
وإذا صار حال الشخص إلى الافتقار والانحطاط والدناءة، أو بات أسير التوتُّر والإحباط والغيظ (خيانة، شريك، جفاء عزيز، هِجران الأحبَّة، فشل مشروع، تماطل في الحقوق...)، فإن سبيل تحقيق الرفاهية وإدراك البهجة، لا يمكن إلا أن يكون ذاتيًّا حتى يدومَا ويتأصَّلا في ذات الشخص.
التنمية الرشيدة قرار حكيم:
والتنمية الرشيدة: هي الاستفادة من القدرات الذاتية الطبيعية المكتسبة؛ لتحقيق الاكتفاء المادي والمعنوي، وهذه التنمية لا تُنال إلا إذا ابتغاها الفرد بصدق؛ لأنه حينئذٍ سيلتزم بالانتفاع الصائب والمعتدل لِما تملِكه ذاتُه وتقدِر عليه؛ لذلك فقرار تبنِّي هذه التنمية قرار حكيم، فما كان للشخص أن يرضى بهكذا قرار إلا إذا كانت ذاته عزيزة عنده؛ لذلك اجتهد لمعرفة ما يسرُّها ويغبطها، وباشَر القيام به، وأصرَّ أن يكون مبدعًا ومميزًا فيها: (ممارسة الرياضة، تنظيم الوقت، تكريم الأحباب، إتقان الأشغال، تحسين الخدمات، جلسات التجميل، حلق التعليم، خروج الاستجمام، أوقات التأمُّل...)، فما لبث حينئذٍ أن شعَر بالبشارة، فقد ارتاحت النفس من الحيرة، وانتعشت الأطراف بالحيوية، وذهل بما يُمليه عليه عقله ويرجوه قلبه، واستبشر بقراره لأنه حكيم.
التنمية الصورية قرار ساذج:
وهي التنمية الجوفاء المفتقرة إلى مبدأ المصالحة مع الذات؛ لأن من الناس من إذا مسَّه الشقاء، ولفحته نارُ الغيظ، طغى على كل أمر محمود: (الوفاء، الكرم، الإيثار، الصبر، التعاون، العفة، الإخلاص، الصدق...)، ادِّعاء منه أنه سبب انتكاسته، وراح يمتهنُ كلَّ سفاهة: (خداع، افتراء، جحود، فجور، بخل، لؤم، جشع، عنف...)، ظنًّا منه أنها سبيلُ نهضته، فسلك بذاته كلَّ أمرٍ عسير، لقد أنهك عقله، وأوغر صدرَه، وأتعب قواه، وما زال على هذه الحال يدعي النهضة باللامبالاة بالذات، ولا بالغير، ويثبتها لنفسه ولغيره غير مكترثٍ بمضرَّتِه لهما.
إن قرار التنمية الصورية ساذج ومجحف في حق الذات الفردية والجماعية، فالانتكاسات وخيبات الأمل والقنوط - أمور طبيعية واردة في حياة الناس أفرادًا وجماعات، تمضي وتعود كحالة الشروق والغروب، والغيث والقحط، والسليم والعليل، هي أحداث تفرض نفسها بقوة على الفرد والكون منذ الأزل، وما على الإنسان إلا أن يصمدَ فيها ليهتدي إلى قرار حكيم.
__________________
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|