![قديم](ibbye-hajj/statusicon/post_old.gif)
01-02-2023, 08:04 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 361,175
|
|
النوم وهدي الإسلام فيه
النوم وهدي الإسلام فيه
أ. د. علي فؤاد مخيمر
النوم عمليَّة فسيولوجية، وظاهرة ذات شأن في حياة الإنسان، لا تقلُّ أهميةً بأيِّ حال من الأحوال عن العمليَّات الفسيولوجية والظواهر الأخرى المهمَّة في حياة الإنسان؛ مثل: التنفُّس وضربات القلب والشهيَّة والإحساس بالعطش... إلخ.
وكلُّ هذه العملياتِ والظواهر لها مراكزُ عصبيَّة موجودة في الدِّماغ تنظِّمُها وتسيطر عليها؛ فالنوم غشية عميقة تصيب الإنسان، فتمنعه من الإدراك والحركة الإرادية، ولهذا وَصَفَها الله عز وجل بالسُّبَات في قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ﴾ [النبأ: 9].
وخلال النوم لا يزول العقل، بل يتوقَّف عن العمل مؤقَّتًا، ولا تزول الحواس أيضًا، ولكن لا يُحسُّ النائم بالمنبِّهات العادية.
والنوم يغشى المخلوقاتِ الحيَّة كلَّها، وهو ممتنع في حقِّ الله تعالى؛ كما أخبر سبحانه عن نفسه، فقال: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾ [البقرة: 255].
عدد ساعات النوم:
الإنسان يقضي حوالى ثُلث حياته نائمًا، إلا أنَّ هناك دورةً للنوم واليقظة ترتبط بالعمر؛ فالوليد قد ينام يوميًّا 20 ساعة، بينما لا يحتاج الإنسان البالغ سوى 6 - 8 ساعات نوم، وتتفاوت الحاجةُ للنوم بين الرجل والمرأة، فتحتاج المرأةُ ساعةَ نومٍ زيادةً عن الرجل، فعدد ساعات النوم التي يحتاجها الإنسان تختلف مِن شخصٍ إلى آخَر؛ فالكثير يعتقدون أنهم يحتاجون إلى ثماني ساعات نوم يوميًّا، أو أنه كلما زادت ساعات النوم كان ذلك صحيًّا أكثر، وهذا اعتقاد خاطئ، فإذا كنتَ تنام لمدة خمس ساعات فقط بالليل، وتشعر بالنشاط في اليوم التالي، فإنك لن تعاني من مشاكلِ نقصِ النوم، وقد ثَبَتَ أنَّ النوم ليلًا يريح الجسمَ والنفس أكثرَ من النوم نهارًا؛ لأنَّ النوم ليلًا يتوافق مع الدورة اليومية لوظائف الأعضاء، فقد وجد مثلًا أنَّ درجة حرارة الإنسان ترتفع خلال النهار حتى تبلغَ أقصى درجاتِها قبيل المغرب، ثم تأخذُ بالانخفاض تدريجيًّا أثناء الليل حتى تبلغ أدنى درجاتِها قبيلَ الفجر، فسبحان الله الذي جعل النوم ليلًا يتوافق مع الفطرة التي فَطَر اللهُ تعالى عليها أجسامَنا، فالليل لِسَكَن وراحةِ الأجساد، والنهار للسعي والكسب؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [القصص: 73].
ماذا يحدث خلال النوم؟
النوم ليس فِقدانًا للوعى أو غيبوبة، وإنما حالة خاصَّة يمرُّ بها الإنسانُ، وتتمُّ خلالها أنشطة معينة وإفرازات لهرمونات ومواد كيماوية، تعمل على نموِّ وتنظيم وإدارة حياة الإنسان، وعندما يكون الإنسان مستيقظًا، فإن المخَّ يكون لديه نشاط كهربيٌّ معين، ومع حلول النوم يبدأ هذا النشاط بالتغيُّر؛ فالنوم عملية حيوية إيجابيَّة يقوم المخ أثناءَها بإفراز مادة السيروتونين، فيفقد المخُّ نشاطَه، ويدخل الإنسان في النوم، وهناك مادة أخرى تفرز أثناء النوم تسمَّى بتيد الميوراميل تتراكم في سوائل الجسم - من دمٍ وبولٍ وسائلِ المخ الشوكي - وقد ثَبَت علميًّا أنَّ هذه المادة لو حقنت بها حيوانات التجارب، لدخلت في سُباتٍ عميق من النوم لعدة أيام.
أثناء النوم هناك وظيفةٌ أساسية أخرى هي إفراز هرمون النموِّ الذي يحفِّز تجديد الخلايا، كما يزداد خلال النوم معدلُ استهلاك البروتينات في المخِّ والعين، وتحدث خلال النوم صيانةٌ ليلية لخلايا المخِّ وتجديدها، وقد ثبت عمليًّا أنَّ النوم يعمل على زيادة القدرة على التذكُّر، فقد لوحظ أنَّ الأطفالَ الذين يتعرَّضون كثيرًا للضوضاء أثناء النوم يصابون بقدرة أقلَّ في التحصيل الدراسيِّ.
وهناك نواتجُ عن عمليات كيماوية وحيوية ناتجة عن النشاط العضليِّ والعصبيِّ في حالة اليقظة، فلا بد من التخلُّص منها من أجل استمرارية هذه العمليات؛ حيث إنَّها تزداد تدريجيًّا في الدم وفي السائل الدماغيِّ، فيشعر الإنسان بالخمول والنعاس، وتسمَّى هذه الفضلات بالسموم المنومة، فأثناء النوم وهدوئه يتخلَّص الجسم من هذه النواتج الضارَّة عن طريق انحلالها وتَأكْسُدها، فيستعيد الجهاز العصبيُّ نشاطَه عند الاستيقاظ.
مرحلة النوم:
يمرُّ النائمُ خلال نومه بعدة مراحل من النوم، لكلٍّ منها دورُها، فهناك المرحلة الأولى والثانية، ويكون النوم خلالهما خفيفًا، ويَبدآن مع بداية النوم، ثم تأتي المرحلة الثالثة والرابعة، وهما ما يعرف بالنوم العميق، وهاتان المرحلتان مهمَّتان لاستعادة الجسم نشاطَه، فأحياناً بعد حوالي ساعة ونصف الساعة من النوم العميق، تبدأ مرحلة الأحلام، أو ما يعرف بمرحلة حركة العينين السريعة، وهذه المرحلة مهمَّة لاستعادة المخ والذهن لنشاطهما.
أمَّا الإنسان الذي ينام ساعاتٍ طويلةً على وتيرةٍ واحدةٍ، فيتعرَّض للإصابة بأمراض القلب، وتعليل هذه الظاهرة علميًّا أنَّ شحومَ الدم تترسَّب على جدران الشرايين الخاصة بالقلب بنسبة كبيرة إذا طالت ساعاتُ النوم؛ ممَّا يؤدِّي إلى إضعاف عمل هذه الشرايين وفقْدها مَرونتَها، ويحدث لها تصلُّب، فلا تصلح لضخِّ كميات الدم المناسبة لتغذية عضلة القلب، إضافة إلى أنَّ نبضَ القلب يَبْطُؤُ، ومع بُطء النبض يبطؤ تدفُّق الدم في العروق.
وكلٌّ منا بداخله ساعة بيولوجية تُشعِره بالزمن، وتنظم إيقاعَ حياته، والساعة البيولوجية ليست في المخِّ فقط، بل في كلِّ خلية من خلايا أجسامنا، وقد اكتشف بجوار الغدَّة النخامية مجموعة من الخلايا لها خاصية عجيبة، وهي أنها تستشعر الضوءَ الذي يسقط على قاع الشبكية في أثناء النهار، فتشعر الإنسان أنَّ الوقت نهار، فإذا غابت هذه الأشعةُ، فإنها تشير إلى أنَّ الوقت وقتُ الليل، ولهذا إذا عاش الإنسان في ظلام مستمرٍّ تختلُّ وظائفَه الحيوية؛ لأن هذه الساعاتِ البيولوجيةَ تتعطَّل عن العمل لانعدام وصول الشمس إلى قاع العين، كذلك لوحظ علميًّا أنَّ كمياتِ الهرمونات في الدم تتبدَّل من النور إلى الظلام، فهذه الهرمونات لها نِسَب في الليل، وأخرى لها نِسَب بالنهار، وفي الليل يزداد هرمون النموِّ والإخصاب، ويقلُّ استهلاكُ السُّكَّر وتقلُّ فاعليةُ جهاز التنفُّس، والمعدة تكون إفرازاتها وقدراتها على هضم الطعام قليلةً في أثناء الليل، وهذا يتجلَّى في قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4].
فهذه الساعة تشعر الأجهزة والأعضاء والأنسجة والخلايا والغُدَد - أنَّ الوقت وقتُ نهار، فافعلي كذا وكذا، وامتنعي عن كذا وكذا.
فوائد طبية من اتِّباع سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم في النوم:
القيلولة: هي النوم قبل الزوال أو في الظهيرة، وهي مستحبَّة لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((قيلوا؛ فإنَّ الشياطين لا تَقيل))، وقد وَرَد في القرآن ذكرُ القيلولة؛ قال عز وجل: ﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ﴾ [الأعراف: 4].
ونوم القيلولة يساعد على قيام الليل؛ فهو بمنزلة السحور للصائم، وقد ثَبَتَ علميًّا فائدة القيلولة في استعادة الجسم نشاطَه، وبناءً عليه فقد بدأت عدةُ شركات وهيئات عالميَّة تشجِّع العاملين فيها على نوم القيلولة لتقليل الإجهاد وزيادة الإنتاج، وأظهرت الأبحاث كذلك أنَّ أفضل علاجٍ للشعور بالنعاس هو الحصول على غفوة قصيرةٍ؛ حيث إنَّ تأثيرَ الغفوة يفوق تأثيرَ المنبِّهات مثل القهوة أو الأدوية المنبِّهة.
النوم المبكِّر: المتأمِّل في القرآن الكريم وسنة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يقرأ ما يفيد أهمية الاستيقاظ مبكِّرًا؛ قال تعالى: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78].
قال صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لأُمَّتي في بُكورها))، وعن عائشة رضي الله عنها قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها)).
وجاء العلم الحديث وأَثْبَت أنَّ أعلى نسبةٍ لغاز الأوزون تكون عند الفجر، وهذه النسبة تقلُّ وتنتهي عند طلوع الشمس؛ فهذا الغاز ينشِّط الجهاز العصبيَّ، فمن استيقظ بعد الشمس شعر طوال اليوم بانهيار القوى والكسل، وكذلك أَثْبَت العلم الحديث أنَّ نسبةَ الأشعة فوق البنفسجية تكون أكبرَ عند الشروق؛ فهي مفيدة للجِلْد وهشاشة العظام؛ فالاستيقاظ مبكِّرًا يمنع الأعراض السابقةَ الذِّكْرِ مِن بُطءٍ في دقَّات القلب، وسريان الدم بالشرايين، وترسيب المواد الدهنية على جدار الشرايين؛ ممَّا يسبِّب الذَّبحة الصدرية وغيرها.
النوم على الجانب الأيمن: قبل 14 قرنًا من الزمان أوصى النبيُّ صلى الله عليه وسلم المسلمين بالنوم على الشِّقِّ الأيمن، وتجلَّت الحكمة النبويَّة في هذه النصيحة الغالية بعد مرور قرون من الزمن، فجاء الباحثون يؤكِّدون هذه الفوائدَ حول الوضع الصحيح لنوم الإنسان، وأكَّدوا أنَّ الوضع الصحيح للنوم على الجانب الأيمن؛ إذ إنَّ الرئة اليسرى أصغرُ من اليمنى، فحين ينام الإنسان على جنبه الأيمن يكون القلبُ أخفَّ حملًا، ويكون الكبد مستقرًّا وغير معلق، أمَّا المعدة فإنَّها تكون مستلقية فوق الكبد؛ مما يساعدها على سهولة الهضم والتفريغ التي تتراوح ما بين 2,5 إلى 4,5 ساعة.
وكذلك اكتشف أنَّ القصبةَ الهوائية اليسرى بهذا الوضع تسهل وظيفتها في سرعة تخلُّصها من الإفرازات المخاطيَّة، أمَّا القصبةُ اليمنى فإنَّها تتدرَّج في الارتفاع إلى أعلى؛ نظرًا لأنها مائلةٌ قليلًا، كما يسهل تخلُّصها مِن إفرازاتها بواسطة الأهداب.
أمَّا بالنسبة لبقية أوضاع النوم، وهي على البطن أو الظَّهر، أو الجانب الأيسر، فحدِّث ولا حَرَج عن أضرارها، فالذين ينامون على بطونهم يَشعُرون بضيقٍ في التنفُّس؛ لأنَّ ثقل الظَّهْر والهيكل العظمي يقع على الرئتين، إضافةً إلى أنَّ هذه النومةَ يبغضها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما الذين ينامون على ظهورهم، فإنَّهم يعطِّلون جهازًا من أدقِّ الأجهزة وهو جهاز التسخين والتصفية بالأنف، ويتنفس الإنسانُ مِن فمه بدلًا مِن أنفه؛ مما يجعله عُرضةً للإصابة بنزلات البرد والزكام، وجفاف اللثة والفم، فضلًا عن الشخير المزعج ورائحة الفم الكريهة.
إضافة إلى أنَّه غيرُ مناسبٍ للعمود الفقريِّ؛ لأنه يفقد استقامتَه في تلك الحالة، ويصيب الأطفال بتفلطح الرأس.
أمَّا النوم على الجانب الأيسر، فيرى الأطباءُ أنَّه غير آمِن؛ لأن القلبَ يقع تحت ضغط الرئة اليمنى، وهي كبيرة الحجم مما يؤثِّر على نشاطه، وكذلك الضغط على المعدة مِن قِبَل الكبد، فيؤخر مِن زمن إفراغِها ليصل إلى ساعات.
وضع الكف الأيمن على الخدِّ الأيمن؛ كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينامَ وضع يده تحت خدِّه الأيمن، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((اللهم قِني عذابَك يوم تبعثُ عبادك))، وقد أَثْبَت العلماء أنَّ هناك نشاطًا يحدث بين الكفِّ الأيمن والجانب الأيمن من الدماغ عندما يتمُّ الالتقاء بينهما، فيؤدِّي إلى إحداثِ سلسلةٍ من الذبذبات يتم من خلالها تفريغُ الدماغ من الشحنات الزائدة والضارَّة؛ ممَّا يؤدِّي إلى الاسترخاء المناسب لنومٍ مثاليٍّ.
نصائح لنوم سليم:
• اتباع سنة النبيِّ صلى الله عليه وسلم من قول الأذكار الواردة عند النوم.
• تعديل درجة حرارة الغرفة لتكون مناسبةً؛ بحيث لا تكون عالية ولا منخفضة.
• الهدوء وتجنُّب الضوضاء يساعدان الجسم على استعادة نشاطه، ولا تساعد الضوضاء على الدخول في النوم العميق الذي يريح الجسم.
• أن يكون ضوءُ غرفة النوم خافتًا وعدم النوم في الضوء القويِّ.
• تجنُّب النظر المتكرِّر إلى ساعة المنبه؛ لأنَّ ذلك قد يزيد التوتُّر ومِن ثَمَّ الأَرَق.
• تجنُّب تناول الوجبات الغذائيَّة الثقيلة قبل النوم بحوالي (3 – 4) ساعات.
• تجنُّب جميع أنواع المشروبات التي تحتوي على كافيين؛ لأنها تؤثِّر سلبًا على النوم.
• تجنُّب التدخين؛ إذ فيه النيكوتين وهو أحد أنواع المنبهات، فتدخين السيجارة يؤدِّي إلى اضطراب النوم والنوم المتقطِّع.
تلك لمحة سريعة عن النوم، وإبراز للجوانب التي كشفها العلم الحديث بعد أنْ شرعها الإسلام من أربعة عشر قرنًا.
__________________
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|