12-04-2022, 06:24 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 358,792
|
|
فضل صلاة الجماعة
فضل صلاة الجماعة
الشيخ طه محمد الساكت
لا اله الا الله
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَ نَاسًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، فَقَالَ: " لَقَدْ هَمَمْتُ أَنَّ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْهَا فَآمُرَ بِهِمْ فَيُحَرِّقُوا عَلَيْهِمْ بِحُزَمِ الْحَطَبِ بُيُوتَهُمْ، وَلَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا لَشَهِدَهَا" يَعْنِي صَلَاةَ الْعِشَاءِ.
المفردات:
فقد ناسًا في بعض الصلوات: أي لم يجدهم بين جماعة المصلين.
لقد هممت: أي والله لقد قصدت وأردت، والجملة جواب قسم مُقَّدر، أكَّده باللام وقد، وصرَّح بالقسم في رواية البخاري، فقال: "والذي نَفْسِي بيَدِهِ"؛ أي بتقديره وتدبيره.
أخالف إلى رجالٍ: آتيهم من خلفهم، أو في غيبتهم، والمراد أنه يذهب إليهم بغتةً، والتعبير بالمضارع في قوله: "يتخلفون عنها" يشير إلى أن تخلُّفهم عن الجماعة صار عادة لهم، والجملة صفة الرجال، واقتصر على الرجال؛ لأن صلاة الجماعة مؤكدة في حقهم دون النساء والأطفال.
فآمر بهم؛ أي: فآمُر ناسًا آخرين بتحريقهم، فعل مضارع معطوف على أخالف ومفعوله محذوف، والباء داخلة على محذوف أيضًا، وقد دل على هذا الحذف قوله: "فيحرِّقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم"، والتحريق أبلغ من الإحراق، والتعبير بحُزم الحطب يشير إلى الاهتمام بأن يحطب الحطب؛ أي يجمع قبل أن يُحْزَم حُزَمًا، وعند البخاري: "والَّذي نفسي بيدِه لقد همَمْتُ أنْ آمُرَ بحطبٍ فيُحطَبَ ...".
عظمًا سمينًا؛ أي: عظمًا عليه بقية لحم أو قطعة لحم، وعند البخاري: "عَرْقًا سَمِينًا" بفتح العين وسكون الراء، والمعنى واحد، يُقال عَرَق العظم واعْتَرقه وتَعَرَّقه: إذا أخذ عنه اللحم بأسنانه.
لشهدها؛ أي: لحضرها، والضمير عائد إلى الصلاة التي تخلف عنها، وهي صلاة العشاء التي بَيَّنها الراوي بعد إبهامها في قوله: بعض الصلوات، وفي بعض الروايات أنها صلاة الفجر، وفي بعضها أنها صلاة الجمعة، وفي بعض الروايات: "يتخلفون عن الصلاة" من غير تَعْيين، وكل ذلك صحيح ولا منافاة بين الروايات لتعدد الواقعة.
خلاصة المعنى:
أنه صلوات الله وسلامه عليه يُقسم وهو الصادق المصدوق أنه قصد وكاد يعزم أنه يستخلف أحدَ أصحابه لينوب عنه في الإمامة، ويذهب إلى رجال تهاونوا في صلاة الجماعة، فتخلفوا عنها مرارًا، فيحرِّق عليهم بيوتهم جزاءَ تخلُّفهم عن الجماعة وتهاونهم بها، مع أن أحدهم لو عرف أنه سيجد في المسجد طعامًا حقيرًا كالعظم السمين ونحوه، لَما تخلَّف عن صلاة الجماعة، فهذا العظم أهم عنده من الصلاة جماعة وأعظم لضعف إيمانه، وإثارة الأمر الحقير التافه على شعيرة من شعائر الإسلام العظيمة، وهي صلاة الجماعة.
ودلَّ الحديث على تأكيد طلب الجماعة وعنايته صلى الله عليه وسلم بها؛ حيث توعَّد هذا التوعد الشديد على تركها، ومن أجل هذا الوعيد ذهب أحمد وداود وغيرهما إلى أنها فرض عين على كل قادر عليها في غير الجمعة، وبالغ داود ومن تبِعه، فجعلها شرطًا في صحة الصلاة، وذهب الجمهور إلى أنها ليست فرض عين، ولكن اختلفوا هل هي سنة أو فرض كفاية، وأجابوا عن هذا الحديث بأن المتخلفين كانوا منافقين، وسياق الحديث تقتضيه، فإنه لا يظن بالمؤمنين من الصحابة أنهم يؤثرون العظم السمين على حضور الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمختار أنها سنة مؤكدة للأحاديث الكثيرة الصريحة في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفَذِّ؛ أي المنفرد، فإن أفعل التفضيل يقتضي مشاركة صلاة الفذ لصلاة الجماعة في الفضل وأصل الثواب، وإن كانت صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد بخمس أو سبع عشرين درجة، ولا شك أن هذا الفضل لا يقتضي الوجوب، وإنما يقتضي تأكيد سنة الجماعة، ويبيِّن فضلها العظيم وخيرها.
بعض ما يؤخذ من الحديث:
ومما يُؤخذ من الحديث أَخْذ المجرمين على غرة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هَمَّ بعقوبة التحريق في الوقت الذي عهد منه الاشتغال فيه بصلاة الجماعة، فأراد أن يبغتَهم في الوقت الذي يتحققون أنه لا يطرقهم فيه أحدٌ.
كما يؤخذ من تقديم الوعيد والتهديد على العقوبة، ولا ريب أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزج اكتُفي به عن الأغلظ من العقوبة.
ويؤخذ منه تفقُّد الإمام أحوالَ رعيته، والأَخْذ على أيدى الشاذين المتهاونين، وعقوبتهم بالمال[1].
بعض حكم الصلاة جماعة:
وللصلاة جماعة حِكَم عالية، وأسرار بليغة، وحسبنا منها أنها توثِّق الروابط بين المؤمنين، وتزيد في التأليف والمحبة والتعاون بينهم؛ حيث يقف الفقير بجانب الغني، والرئيس بجانب المرؤوس، فيشعر الناس بالمساواة، وأنه لا فضل لكبير على صغير، ولا لغني على فقير، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى، وإذا كانت الصلاة صلة بين العبد وربه، فإنها صلة بين المؤمنين بعضهم وبعض، بها يتراحمون وبها يتعاونون، وبها يكون بعضهم أولياءَ بعض، وكفى بهذه الولاية سعادة شاملة كاملة في الدنيا والآخرة.
بعض المراجع:
• البخاري: كتاب الأذان، باب: وجوب صلاة الجماعة.
• القسطلاني (ص 24، ح 2)، وقال في آخر الشرح: وبقية المباحث المتعلقة بالحديث تأتي في محالها إن شاء الله ... ثم قال: وأخرجه أيضًا في الأحكام والنسائي في الصلاة.
• فهارس البخاري ص 51، وزاد على القسطلاني: الخصومات في باب إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت بعد المعرفة....
[1] قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث: قال بعضهم في هذا الحديث دليل على أن العقوبة كانت في أول الأمر بالمال؛ لأن تحريق البيوت عقوبة مالية، وقال غيره: أجمع العلماء على منع العقوبة بالتحريق في غير المتخلف عن الصلاة والغال من الغنيمة، واختلف السلف فيهما، والجمهور على منع تحريق متاعها، والغَالُّ مِن الغنيمةِ: هو من كتم ما غَنِمَه أو بعضه، ويحرق وجوبًا رحله؛ في صحيح مسلم: كتاب الجنة ونعيمها وأهلها، باب جهنم أعاذنا الله منها، والشطر الثاني: "نساء.. إلخ في الموطأ فيما يُكره للنساء لُبسه من الثياب حـ 3 ص 103، السيوطي حـ 6 ص 261، شرح الزرقاني على الموطأ.
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|