العلم قبل الفتوى
عبد الإله جاورا أبو الخير
الحمد لله الذي جعل العلم منارةً للعالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيدنا محمد رسول، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن هذا الدين الحنيف علم وعبادة مقيَّدٌ بعلوم الشريعة الإسلامية السمحة، وموكَّل على رجال رسخوا في العلم رسخًا.
وها نحن اليوم في عصر تصدَّر فيه كثيرٌ من طلبة العلم للفتوى عبر القنوات الفضائية والإذاعات ومواقع التواصل الاجتماعي، مستدلين بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المروي عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بلِّغوا عني ولو آيةً، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرَجَ، ومَن كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوَّأْ مقعدَه من النار))؛ رواه البخاري.
فقد أخذوا طرف الحديث ألا هو ((بلِّغوا عني ولو آيةً))، ونسوا الطرف الآخر ((مَن كذب عليَّ متعمِّدًا فليبتوَّأْ مقعدَه من النار)).
إننا اليوم نرى كتابات ونسمع صوتيات عبر القنوات الفضائية والإذاعات ومواقع التواصل الاجتماعي، تجرَّأ بعض الشباب للإفتاء، فلو كانت تلك المسألة في زمن سلفنا الصالح لضربوا من أجلها أكبادَ الإبلِ أو لجمعوا علماء الملَّة قبل إصدار الفتوى، ونريد أن نبين حقيقة الفتوى حتى لا يضل الناس عن الصراط المستقيم.
مفهوم الفتوى في الشريعة الإسلامية:
"الفتوى هي إخبار العالم حكم الله للناس سواء في دينهم أو دنياهم".
مفهوم المفتي:
"المفتي هو العالم المسلم المسؤول عن إجابة حكم الله للمستفتي".
مفهوم المستفتي:
"المستفتي هو السائل الذي جهل حكم الله، ويريد معرفته عن طريق المفتي".
أقسام الفتوى:
الفتوى تنقسم إلى قسمين:
1- فتاوى كتابية: وهي ما تصدر من هيئة الإفتاء عن طريق الكتابة؛ لإجابة سؤال المستفتي.
2- فتاوى شفهية: وهي ما تكون مشافهةً بين المفتي والمستفتي.
أهمية الفتوى:
إن للفتوى مكانةً عظيمةً؛ لذا قامت بعض الدول الإسلاميَّة بإنشاء دور للإفتاء، واختاروا علماء متخصصين لإرشاد العوامِّ إلى الصواب، وليس الفتوى لكل مَن هبَّ ودبَّ.
خطورة الفتوى بغير علم:
الفتوى بغير علم حرام؛ لأنه قول على الله بغير حق، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33].
ويقول أيضًا: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النحل: 116، 117].
ومن علامة فساد المجتمع الإسلامي اتخاذ الناس الجهلة علماء، فيُفتون ويفتنون؛ فتضل الأُمَّة بغير علم؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا))؛ رواه البخاري ومسلم.
وهذا الذي نشاهده اليوم عبر مواقع التواصُل الاجتماعي حتى نشروا الفتنة بين الناس، فأحلُّوا ما حرَّم الله، وحرَّموا ما أحلَّ الله اتِّباعًا لهواهم أو حُبًّا للشهرة أو طمعًا في المناصب، وقَطَّعوا الأرحام، وفرَّقُوا بين الزوجين والأحباب.
شروط المفتي:
إذا كان للفتوى منزلة عظيمة في الإسلام؛ فلا شكَّ أن يكون لمن يقوم بهذه المهام الكبرى مكانة شريفة؛ لذلك يجب أن تتوفر في المفتي بعض الشروط:
1- أن يكون المفتي مسلمًا.
2- أن يكون عالمًا بكتاب الله، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
3- أن يكون عارفًا باللغة العربية.
4- أن يتحقق في المسائل قبل الإصدار.
5- أن يكون مُلِمًّا بالمذاهب الفقهيَّة خصوصًا المذاهب الأربعة.
6- أن يكون مُدرِكًا للوقائع والنوازل.
محذورات المفتي:
على المفتي أن يحذر بعض الأمور؛ منها:
1- الاستعجال بإصدار الفتوى.
2- أن يفتي في أرض قوم، وهو لا يعرف عاداتهم وتقاليدهم.
3- أن يُفتي بهوى النفس أو بما يهواه الناس.
ما يجب على المستفتي:
يجب على المستفتي أن يتقي الله فيما يسأل، وألا يسأل من أجل إشعال الفتنة بين الناس أو لضرب آراء العلماء بعضهم على بعض؛ وإنما يسأل عما أشكل عليه من أمور دينه أو دنياه تعبُّدًا لله سبحانه وتعالى.
نصائح للمفتي:
على المفتي أن يُخلِص في عمله ابتغاءً لوجه الله، والصبر في ميدان الفتوى، ويحرص على نفع الأُمَّة، ويعلم أن الفتوى من أهم المراتب في الدين.
ختامًا:
نسأل الله أن يلهم علماء المسلمين الصواب، ويأخذ بنواصيهم إلى الحق، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك