الصناعة الاستخراجية: امتداد أمامي حيوي للصناعات التحويلية
نايف عبوش
تُعتبر الصناعات الاستخراجية - النفطية منها والمعدنية - القاعدةَ الأساسية للصِّناعات التحويليَّة في الوطن العربي، بما حباه الله مِن مواردَ طبيعية، باحتياطيات زاخرة من النفط، والكبريت، والفوسفات، والبوكسايت، والبنتونايت، وغيرها من المعادن، وبجدوى اقتصادية وفنِّية معًا، ناهيك عن كون الوطن العربي بِرُقعته الجغرافية الإستراتيجية، يمثِّل سوقًا استهلاكيَّة ملائمة سكانيًّا وسوقيًّا، الأمر الذي وفَّر مناخًا مناسبًا للاستثمار في الصناعات التحويلية، كامتداد خلفي للصناعة الاستخراجية الأم، وبمعايير اقتصادية مقبولة.
وهكذا يلاحَظ أنَّ الصناعات التحويلية توطَّنتْ في الغالب بسبب ميزة الموقع، وارتفاعِ معاملات التشابك، بالقرب مِن بؤر الصناعة الاستخراجية للمادَّة الخام التي تستهلكها، مستفيدة مِن وفورات النَّقل، وخدمات البِنى التحتيَّة القائمة لها، وتراكم الخبرة الفنية؛ ممَّا حقَّق لها الكثير من الوفورات الإيجابيَّة، التي انعكست بإقلال كُلف الإنتاج، ورفع كفاءة الأداء، وارتفاع معدَّلات العائد على الاستثمار، والمنافسة في السوق بدرجة واضحة للعيان.
ونلاحظ على سبيل المثال أنَّ مصافي النفط تتوطَّن قرب مصادر إنتاج النفط، وصناعة أسمدة اليوريا، والبتروكيمياويات تتمركز عند مصادر التجهيز بالغاز الطبيعي، في حين تتوطَّن صناعة الأسمدة الفوسفاتية بالقرب مِن مناجم استخراج الصخور الفوسفاتية، كما تتوطَّن صناعة إنتاج حامض الكبريتيك، ومطاحن إنتاج الكبريت الزراعي، بالقرب مِن مناجم استخراج الكبريت الخام، أو مناطق استخلاصه مِن النفط والغاز، وهكذا.
ولأنَّ الطلب المحليَّ والعالميَّ على مُشتقَّات الصناعة الاستخراجية في تزايد مستمِر، فلا شك أنَّه سيؤدِّي إلى ازدياد الاستثمارات في الصِّناعات التحويليَّة لمواجهة الطلب المتزايد؛ ممَّا ينعكس أيضًا في حالة مِن الازدهار العمراني ومشروعات البنية الأساسية، والمرافق العامَّة، التي تشهدها مجمعات هذه الصِّناعات، والأنشطة اللاحقة المترابطة معها، ناهيك عن استيعاب أعداد إضافيَّة مِن العاملين الجدد في هذه الصناعات؛ ممَّا يساعد على امتصاص نِسبة كبيرة مِن البطالة السائدة في سوق العمل العربية.
وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ الصناعة الاستخراجية العربية من النفط، والكبريت، والفوسفات، والبنتونايت، والحديد، والبوكسايت، باعتبارها صناعةً إستراتيجية رائدة - قد أسهمت في دَعْم ومساندة القاعدة الصناعيَّة العربية؛ حيث تعتبر ركنًا أساسيًّا فيها، بما توفِّره لها مِن المواد الأولية الأساسية اللازمة للإنتاج؛ حيث توسَّعتْ مجالات استعمالات مخرجاتها المتنوعة التي تُغطِّي معظم مناحي الحياة المعاصرة، وفي مختلف النشاطات الزراعية، والصناعية، والبناء، والتشييد، وغيرها.
كما أسهمت هذه الصِّناعات بتشابكاتها الشديدة، في خلق قيمة مضافة جديدة، شكَّلتْ أحد روافد الدَّخل القومي لاقتصادات الأقطار العربية المنتجة؛ حيث أسهمت في زيادة الصَّادرات غير النفطية؛ مما أدَّى إلى تحسينٍ نِسبي في الميزان التجاري، وساعد في توطين التكنولوجيات الحديثة في الصِّناعة الاستخراجية، والصناعة التحويلية العربية، مِن خلال التعامل مع كبريات الشركات العالميَّة المتخصصة في توريد التقنيات، الأمر الذي أفرز خبرةً فنِّية وطنيَّة، وأُطر تقنية محلية بدرجة عالية مِن الاستيعاب، والتشغيل، والتطويع، لكافَّة مفاصل الحزمة التكنولوجية الموردة.
ولعلَّ مِن أهم المزايا الاقتصادية لهذه الصناعات، قدرتَها على إمداد العديد من الصناعات الوسيطة، والنِّهائية اللاحقة، بالمواد الخام الأولية، ونصف المصنعة، التي تشكِّل المدخلات الأساسية لهذه الصناعات؛ ممَّا يمنحها درجة عالية مِن الاستقلالية الذاتية، بتكامل حلقاتها الإنتاجية في نفس القطاع الصِّناعي داخل البلد المنتج، وتحريرها من التبعية للخارج.
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك