02-22-2016, 05:08 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 359,116
|
|
إنما المؤمنون إخوة
إنما المؤمنون إخوة
إنما المؤمنون إخوة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
لما مات النجاشي وهو ملك الحبشة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- والذي أكرمه الله -عز وجل- بإكرام أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإيوائهم لما هاجروا إليه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "إن أخاكم النجاشي رجل صالح قد مات فقوموا لنصلي عليه".
انظروا يا عباد الله: هذا النجاشي لم يلقَ النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يحظَ برؤيته، وإنما آمن به على بُعد، وخدم الإسلام بما يستطيع وقدم ما يقدر عليه، لكن بقيت له هذه الأخوة التي تربط بين المؤمن والمؤمن ولو لم يرى أحدهم الآخر، ولو كان أحدهم في مشرق الأرض والآخر في مغربها.
هذه هي العلاقة التي يبنيها الإسلام بين أتباعه وهي نعمة عظيمة من الله امتنَّ بها على عباده (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)، فهذه الأخوة هي نعمة من الله ينعم بها على الصادقين من عباده فتكون علاقتهم لله وأخوتهم صادقة لا يريدون بها إلا وجه الله، ولا يطلبون بها إلا مرضاته، يشعرون بلذتها ويذوقون بسببها حلاوة الإيمان.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله".
انظروا لن تجد أيها المؤمن حلاوة الإيمان حتى تحقق هذه الأمور الثلاثة؛ أن يكون الله ورسوله أحب إليك من كل شيء، وأن تحب المسلم لا يحملك على محبته شيء من أغراض الدنيا، هذه المحبة خالصة لله؛ تحبه لأنك رأيته يطيع الله، تحبه لأنك رأيته يترك ما حرم الله، تحبه ليس لأنه يبتسم إليك ولا لأنه يعطيك ولا لأنه يضحك إليك ولا لأنه يؤنسك أو يجالسك، تحبه لأنه يحب الله ورسوله.
إذا فعلت ذلك وجدت حلاوة الإيمان في قلبك، وذقت طعم الإيمان في فؤادك، هذا أثر من آثار الأخوة الصادقة التي ينعم الله بها على بعض عباده فيجدون بها سعادة الدنيا ويجدون بها فوز الآخرة (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ).
سبحان الله! أهذه الأخوة إلى هذه الدرجة من المنزلة والمحل في دين الله وعند الله -عز وجل-؟!
اسمعوا يا عباد الله: "خرج رجل ليزور أخًا له في الله في قرية فأرصد على مدرجته ملكًا أي جاءه على صورة رجل فقال: إلى أين أنت ذاهب؟ فقال: إلى هذه القرية، قال وماذا تفعل بها؟ قال: أزور أخًا لي في الله، يعني لم أرد بذلك إلا وجه الله ليس لي عليه من حق إلا داعي الأخوة، قال هل لك من نعمة تربّها عليه؟ قال: لا، إلا أني أحببته في الله، قال: فإني رسول الله إليك أن الله يحبك بحبك إياه".
فانظروا إلى هذا المسلم: استطاع أن يصل إلى أعلى الصمات وأعلى النتائج بعمل واحد يحبه الله، وهو صدق الأخوة والمحبة لله.
إن هذا الأمر الذي جاءت الشريعة بتعظيمه والترغيب فيه وإجلاله وبيَّن منزلته وعظيم فائدته في الدنيا والآخرة قد أهملها الناس اليوم مع كل أسف فصارت العلاقة مبنية على المصالح والمصالح وحدها.
ولو كان مؤمنًا لا يزوره إلا لأن بينهم تجارة أو نسبًا أو مصلحة لا يقوم بحقوق الأخوة تجاهه، فلا يجيب دعوته، ولا يصله، ولا يرد عليه السلام أو يسلم عليه ولا يشمته، ولا يعوده إذا مرض، ولو يتبعه إذا مات إلا إذا كان في الدائرة الصغيرة الدنيوية، وهي دائرة المصالح أم دائرة الأخوة العميقة الباقية الممتدة إلى الآخرة التي قال الله فيها (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف:67].
تأتي يوم القيامة وكل من صاحبته، وكل من سامرته، وكل من جالسته أو آخيته يكون عدوًّا لك يشهد عليك، ويكون طعنة في بطنك وعنقك إلا من آخاك لله فإنك تجد ثمرة أخوته يوم القيامة.
(فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) [الشعراء: 100- 101]، يقولها الكافر يوم القيامة عندما يرى أن المسلم ينفع أخاه المسلم فيشفع له فينقذه الله به من النار، يقول الكافر (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) أي: يشفع لنا وينفعنا وينصرنا، هذه هي الأخوة وهذه هي منزلتها عند الله -عز وجل-.
فهلا يا عباد الله جددنا الأخوة في الله؟! وراجعنا علاقتنا ببعضنا هل هي علاقات مرتبطة باسم الله أو هي علاقات للمصالح وعلاقات لحوائج الدنيا وحدها.
النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما هاجر علم قدر الأخوة، وأثرها على بناء المجتمع، وعلى وحدة المؤمنين وتماسكهم، فماذا فعل عليه الصلاة والسلام؟ كانت له ثلاثة أعمال بدأ بها بعد هجرته، أما الأمر الأول فهو بناء المسجد، وأما الأمر الثاني فهو المؤاخاة بين الأنصار والخزرج، المؤاخاة بين المسلمين الأوس والخزرج والأنصار والمهاجرين، فكل رجل من الأنصار آخى رجلاً من المهاجرين من غير فرق بين حرهم وعبدهم غنيهم وفقيرهم من أجل أن يتعاضدوا ويتعاونوا ويتماسكوا ويتناصروا وتصبح حياتهم حياة حقيقية معتصمة بالله، وحققت هذه الأخوة مقاصدها.
فعبد الرحمن بن عوف آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فأخذ سعد أخاه عبدالرحمن إلى منزله وأجلسه فيه، ثم قال له: يا عبدالرحمن يا أخي إن لي بستانين اختر أحبهما إليك يكون لك، وإن لي زوجتين اختر أحبهما إليك أنزل لك عنها.
الله اكبر.. هذه هي الأخوة التي بناها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أصحابه جعلت هذا الرجل لا يكتفي بمجرد الضيافة والإكرام، بل يعرض عليه المناصفة في ماله وأهله، فماذا قال عبدالرحمن أمام هذا العرض المغري؟: هل كان طماعًا! هل فرَّق بين هذا الأخ وبين أهله! هل أخذ شيئًا من ماله؟!
قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلَّني على السوق، وكان عبدالرحمن رجلاً تاجرًا يحسن التجارة، فأخذ يتاجر في السوق في البيع والشراء حتى أغناه الله، ثم تزوج وتيسرت أموره حتى صار من أثرى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
تأملوا يا عباد الله هذه الأخوة التي بناها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أصحابه حتى جعل منهم متعاضدين متناصرين متماسكين متحابين.
هل تعرف أحدًا من إخوانك يحبك بهذه الدرجة؟ يؤثرك بهذه الطريقة التي فعلها سعد بن الربيع مع عبدالرحمن بن عوف؟!
إن هذا العصر وهذا اليوم يُعتبر أندر من الكبريت الأحمر، وما ذلك إلا لأن الناس لم يعظموا أمر الله، ولم يستمسكوا بدين الله.
أسأل الله بمنَّه وكرمه أن يجعل أُخوتي وإخوتكم لله، وأن يعيننا على بناء محبتنا على عرى الإيمان؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، أحمده سبحانه وأشكره وأثني عليه الخير كله وأستغفره، وأصلي وأسلم على الهادي البشير والسراج المنير محمد بن عبدالله وآله وصحبه ومن صار على منهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: لما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، قال عليه الصلاة والسلام: "ورجلان تحبا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه"، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- المحبة في الله سببًا من الأسباب الموصلة إلى ظل عرش الرحمن، يوم لا ظل إلا ظل عرشه، في ذلك اليوم الطويل الذي يبلغ طوله خمسين ألف عام وتدنو فيه الشمس من رؤوس الخلائق حتى ما يكون بينهم وبينها إلا ميل، ويسبح الناس في عرقهم، ويكون العرق بقدر إيمانهم حتى إن منهم من يلجمه العرق إلجامًا أي يكون العرق له مثل اللجام.
في ذلك اليوم لا ينفعك إلا عمل صالح تستحق به أن تكون في ظل عرش الرحمن ومن الأعمال الصالحة التي ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا العمل العظيم وهو المحبة في الله والأخوة بجلال الله.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي الذي رواه عنه ربه: "وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ"، هؤلاء الثلاثة تجب لهم محبة الله -عز وجل-؛ لأنهم فعلوا شيئًا من أجل الله لا يفعله أكثر الناس، يخلب أبصارهم بريق الحاجة والمصلحة، فلا يؤاخون إلا مَن يروا أن عنده حاجة له ومصلحة له.
هذا رجل فقير وذو نسب وضيع، لكنه ممن يؤثر ما عند الله يطيع الله ويترك ما نهى الله عنه، ينبغي لي أن أحبه ليس لأني أحتاجه، ولا لأني أرجو منه نفعًا قريبًا أو بعيدًا وإنما لأنه يحب الله، ولأنه يكثر مراضي الله، فأنا سأحبه لله وأتخذه أخًا في الله وأدخله بيتي لله وأزوره في بيته لله، وآكل من طعامه من أجل الله ويأكل من طعامي من أجل الله، هنا قد ضمنت لنفسك سهمًا في هذا العمل الصالح المبارك، الأخوة في الله والمحبة لأجلها.
أسأل الله بمنّه وكرمه أن يمنَّ عليَّ وعليكم بهذه الخصلة العظيمة المحبوبة لله -عز وجل
الشيخ صالح بن عبدالرحمن الخضيرى حفظه الله
المصدر: منتديات بيت حواء - من قسم: منتديات اسلامية,( على منهج أهل السنة والجماعة)
Yklh hglclk,k Yo,m
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|