02-12-2016, 12:31 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 357,251
|
|
فتح الرب اللطيف في تخريج ما في المختصر من الضعيف
يتوفر هذا الكتاب في رواق مركز نجيبويه في معرض الدار البيضاء للنشر والكتاب لهذا العام؛ وقد قدم له الشيخ الأستاذ محمد بتار ولد الطلبة الشنقيطي بمقدمة قال فيها:
إن مختصر العلامة خليل بن إسحاق المالكي رحمه الله هو لب الفقه المالكي وجوهره، ومادته وعنصره، جمع فيه المؤلف أمهات المذهب باختصار دقيق وترتيب أنيق، فأقبل عليه المالكية شرقًا وغربًا من طلبة دارسين وشيوخ مدرسين وشارحين ومحشين، حتى وُضِعَ عليه أكثر من ستين تعليقًا بين شرح وحاشية، وكان كتابَ الدرس الفقهي الأول في المذهب منذ أواخر القرن العاشر الهجري.
وبما أن المؤلف أوضحَ في مقدمة كتابه أنه وضعه مبينًا لما به الفتوى، وشرَحَ اصطلاحه في عرض الأقوال عند عدم تبين الأقوى؛ كان جزء كبير من اهتمام مَن تعرضوا للتعليق عليه موجهًا إلى فحص المعتمد، وترجيح ما خفي على المؤلف فيه المستند.
ومن طريف ما ألف في هذا الجانب النقدي عن المختصر الجزء اللطيف الموسوم بـ«فتح الرب اللطيف في تخريج ما في المختصر من الضعيف» للعلامة القاضي طالبنا بن الوافي الشهير بـ«سنبير قاضي أروان».
وقد كنت أسمع من شيخنا أدام الله نعمته حديثًا عن هذا الكتاب، ومما يروى في شأنه عن ابن عمه العلامة القاضي محمد عبد الرحمن بن السالك العلوي رحمه الله أنه كان لا يرى طريقة مؤلفه مناسبة لأنه يرد على الشيخ خليل بما اعتمده المتأخرون، وقد ذكر العلامة محمد عبد الرحمن طرفًا من ذلك في كتابه «عون المحتسب»؛ فقال ضمن كلامه على المختصر: «وقد قام عليه بعض المتأخرين، وألف فيما ضعف من مختصره ،وتتبع الأبواب وجمع في ذلك مؤلفًا، ولا أحب ذلك». اهـ( ).
وقال لي مرة إنه ينبغي التعرض لتعقباته على المؤلف ليُعرَف المسلَّم منها وغيره.
ثم اطلعت في هذه الأيام على نسخة مرقونة من هذا الكتاب بعث بها إليَّ الشيخ الدكتور أحمد بن عبد الكريم نجيب مؤسس «مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث»، ومديره العام لقصد مراجعته وتحقيق وتوثيق ما ذكر العلامة محمد عبد الرحمن في شأنه.
ووقفت أثناء مراجعتي لهذا الكتاب على بعض الأمثلة لما نقله العلامة محمد عبد الرحمن في «عون المحتسب» عن شيخه العلامة محمد المختار بن أحمد فال، وهو قوله عن صاحب المختصر: «... حتى إني أجده في توضيحه يعترض المسألة ويتبعه فيها في مختصره».اهـ( ).
ومن تلك الأمثلة قوله في باب الحج: (إن فرغ سعيه).
فقد تبع ابن الحاجب فيما اعترضه عليه في التوضيح ونصه في مختصر ابن الحاجب: (فإن كمل سعيه ابتدأ الطواف على المشهور) قال الشيخ خليل في التوضيح: فيه نظر؛ لأنه يقتضي أن المشهور إذا ذكر بمجرد الفراغ من سعيه أنه يبتدئ والذي في المدونة أنه إنما يبتدئ إذا طال أمره بعد إكمال سعيه أو انتقض وضوؤه. والقول بالبناء وإن فرغ السعي، ذكره بعضهم، ولعله يرى ذلك قريبًا( ).
وقوله في باب الوكالة: (وغير النظر).
تبع فيها ابن الحاجب وقد اعترضها عليه في التوضيح ونصها في مختصر ابن الحاجب: «فلو قال: بما لي من قليل وكثير مضى في جميع الأشياء إذا كان نظرًا، إلا أن يقول: نظرًا أو غير نظر».
قال الشيخ خليل في التوضيح: وفيه نظر؛ إذ لا يأذن الشرع في السفه، وينبغي أن يضمن الوكيل؛ إذ لا يحل لهما، والله أعلم( ).
وقد قال العلامة محمد عبد الرحمن بعد نقله عن شيخه محمد المختار لهذه الملاحظة: ثم إني بحثت فعرفت أنه إنما يتبعه فيها؛ لأنه عرف أن مدركه فيها أقوى من مدركه هو في اعتراضه. اهـ( ).
وخلال قراءتي للكتاب تبين لي أن تعليقات القاضي العلامة سنبير تنقسم إلى أربعة أقسام لا يومئ عنوان الكتاب إلا إلى واحد منها، وهي حسب ترتيبها في الكثرة:
- تضعيف بعض الأقوال التي يذكرها المؤلف.
- تبيين الراجح من ما يذكره من التردد والخلاف.
- مناقشة بعض التجوزات اللغوية في صياغة المسائل.
- تحرير بعض مسائل المختصر من غير ترجيح ولا تضعيف.
وجل اعتماد المؤلف في مادة كتابه على شرح ابن مرزوق الذي يبدو أنه اطلع على (عمامته) النادرة، وعلى شرح ابن غازي وشرح الأجهوري والفيشي والشبرخيتي والخرشي وحاشية الحطاب.
ورغم أني كنت أتوقع أن يقتصر نظر المؤلف - حسب ما يلوح من عنوانه- على تبيين ضعف ما ظاهر المختصر كونه معتمدًا فقد حاولت تتبع جميع المسائل التي تعرض لها المؤلف من أصولها فعلقت منها على ما تبين لي فيه قوة ما ذهب إليه المصنف إما بالرجوع إلى نقله على المسألة من التوضيح أو إلى تعقب بعض المحققين من المحشين على تضعيف الشراح الذين هم عمدة المؤلف في التضعيف.
وحرصت على ذكر المسألة التي أتعرض لها معزوة إلى أصلها دون تعليق عليها ليكون الحكم فيها لمن تقدم من العلماء المحققين لا لمن تأخر من الطلبة المتسورين.
ومن ما لفت نظري في هذا الكتاب أن المؤلف قد يصرح بضعف قول ذكره المؤلف بعدما صدر بالمعتمد؛ كقوله في باب الطهارة (وظاهرها العفو)، وقوله: (والأرجح السلب بالملح)، وقوله في فصل استقبال القبلة (ولو صلى أربعًا لحسن واختير)، وقوله في باب الخيار (والاستحسان أخذ المجيز الجميع). وقوله في باب الرهن: (وَأُفْتِيَ بِعَدَمِهِ فِي الْعِلْمِ):
كما يدرج في الضعيف ما هو مشهور مبني على ضعيف كما في قول المصنف في فصل الفوائت: (وإن نسي صلاة وثانيتها صلى ستًّا)
ولا شك أن المؤلف رحمه الله لم يتعرض لكثير مما صرح العلماء بتضعيفه من مسائل المختصر، ومنها المسائل التي قد تدخل على المالكية من المذهب الشافعي بسبب تبعية صاحب المختصر لابن الحاجب في مختصره – فقد صرح البناني في فصل الصداق من حاشيته بأنه ينسج على منواله غالبا( )- وتبعية ابن الحاجب في مختصره لابن شاس –لأن مختصر ابن الحاجب اختصار لجواهر ابن شاس( )- وتبعية ابن شاس الغزالي.
ولعل هذه المسائل وغيرها تشكل مادة كتاب (التوفير لما أهمل القاضي سنبير) للعلامة محمد عبد الله بن انضوضه المحجوبي الولاتي والذي جد أهل مركز نجيبويه في طلبه أثناء عملهم على إخراج هذا الكتاب؛ عسى الله أن ييسر الحصول عليه والاستفادة منه في فرص لاحقة.
أما في مراجعة الكتاب وتصحيحه فقد اعتمدت على النسخة الأصل التي أدخل منها الكتاب مع نسختين مصورتين محفوظتين في مكتبة شيخنا أدام الله نعمته، وقد اعتمد على الأصول التي يرجع إليها المؤلف نظرًا لكثرة الأخطاء في النسخ المعتمدة.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يعلمنا علمًا من لدنه، وأن يديم علينا ما عودنا من نعمه، وأن يجازي القائمين على مركز نجيبويه عن المذهب المالكي وغيره من التراث الإسلامي وطلبته غير الجزاء.
محمد بن بتار بن الطلبه
النباغية
20 ذي القعدة 1436هـ
[IMG][/IMG]
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|