![قديم](ibbye-hajj/statusicon/post_old.gif)
09-07-2015, 07:27 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 360,492
|
|
(015)أثر فقه عظمة الله في الخضوع له-ومن المسؤول؟:
وكأني بالقارئ المسلم الذي قد اصطلى بنار تلك السموم التي سلطها على تلهية كثير من المسلمين، وأوقعوهم في حبائل الشيطان، وابتعدوا عن الله تعالى ودينه حتى قست قلوبهم، وأحسوا بالندم على ما أصابهم من إفساد قساة القلوب الذين كانوا من أهم أسباب غفلتهم عن ذكر الله وتعظيمه، والخشية منه والخشوع له والاطمئنان إلى جنابه، كأني بالقارئ يقول: ومن المسؤول عنا وعن بُعدنا عن ربنا ووقوعنا فيما نحن فيه من غفلة واتباع للقدوات السيئة التي اجتالتنا عن فطرنا السليمة التي خلقنا الله عليها؟
والجواب: إن المسئولية عامة شاملة:
أولها: المسئولية الفردية:
فكل إنسان عاقل مختار بلغه شرع الله مسؤول مسؤولية كاملة عن نفسه، ولا يسأل عن عمل غيره. قال تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124)}. {النساء} وقال تعالى: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (16)}. {الطور} وقال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه(8)}.{الزلزلة}
فلا ينال أحد ثواب مَن عمل خيراً غيرُه، ولا يعاقب أحد على عمل مَن عمل شرا غيرُه، قال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى (41)}.{النجم} وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ(12)}.{العنكبوت}
إلا أن دعاء الولد الصالح لأبيه ينفعه، لحديث أبي هريرة؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة) ـ ومنها: (أو ولد صالح يدعو له). {مسلم (11/71).}
فالواجب على كل مسلم أن يسعى إلى اتخاذ الأسباب التي تقربه إلى ربه، ومنه لين قلبه وخشوعه له، وطلب الشفاء لقلبه من القسوة والران، ولا يستجيب لمن يدعوه إلى خطوات الشيطان ومعاصي الله تعالى.
ثانيها: كل من كلفه الله مسئولية عن غيره من أرباب الأسر وولاة الأمر: مهما كبرت مسئوليتهم أو صغرت، هم مسئولون عن أنفسهم وعمن كلفهم الله تعالى رعايتهم، فكل ولي أمر مسئول عن عمله، وهو يشمل ما كلفه الله إياه من تلك الرعاية، لأنه مسئول عنه شرعاً، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(6)}. {التحريم}
والذي يبدو من هذه الآية أن معناها أعمَّ مما قد يفهمه البعض من ظاهرها من كلمة {أهليكم} فلرب الأسرة أهله، ولكل ولي أمر أهله؛ لأن كلاً منهم مسئول عن رعيته، ولعل القرطبي رحمه الله أشار إلى هذا المعنى إشارة مختصرة في تفسير الآية المذكورة، إذ قال: "فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة، ويصلح أهله إصلاحَ الراعي للرعية. ففي صحيح الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلمقال: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم...).. الحديث.{الجامع لأحكام القرآن (18/194) والحديث في صحيح البخاري (1/303) ومسلم (12/168).} ويؤخذ هذا المعنى من كلامه من وجهين:
الأول: تشبيهه لإصلاح الأهل بإصلاح الراعي للرعية.
الثاني: استدلاله بالحديث الدال عموم الرعاة ورعاياهم، وللكاتب رسالة خاصة في بيان بعض معاني الحديث الذي هو من جوامع كلمه صلّى الله عليه وسلم بعنوان "المسئولية في الإسلام".
فولاة أمور المسلمين مسئولون عن رعيتهم، في اتخاذ الأسباب التي تقرب رعاياهم إلى الله، ومحاربة الأسباب التي تبعدهم عن ربهم، وهم يثابون على ما يعملون بأنفسهم من الخير، ويثابون على ما يعملونه من الخير لرعاياهم؛ لأنه من عملهم، فإذا تعاطو عكس ذلك فهم آثمون إثمين كذلك.
ودليل ذلك في كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلم أما القرآن فقد دل عليه قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)}.{العنكبوت}
فالآيتان وإن كانتا تتعلقان بالكفار ومن يضلونهم، تتناولان كل من أضلَّ غيره من كافر أو مسلم، فقد نفى الله تعالى في الآية الأولى حمل المضِلِّين أوزار من أضلوهم، وكذَّبهم في ذلك، ثم عاد في الآية الثانية، فأثبت عليهم حَمل أوزار أخرى مع أوزارهم التي باشروها؛ لأنهم تسببوا في أوزار من أضلوهم وتسببهم في ذلك كالعمل المباشر، وقد بيَّن ذلك الرسول صلّى الله عليه وسلم في حديث جرير بن عبد الله رضيَ الله عنه: (من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء). {مسلم (7/87).}
فما يحدث اليوم من الدعم المادي والمعنوي للفضائيات المفسدة للأفكار والعقول المتعمدة للكذب والمتسببة في قسوة القلوب، أو غيرها من وسائل الإعلام التي تدعو الناس إلى الأخلاق الفاسدة والشهوات المحرمة، وتفسد الأجيال الإسلامية بمناهجها المعدة أساساً من أعداء الإسلام، وبخاصة اليهود، هؤلاء يتحملون أوزارهم ومثل أوزار من أضلوهم إلى يوم القيامة.
فإذا لم يجاهد المؤمن نفسه باستمرار على تقوية إيمانه وكثرة ذكره لله والإخبات له، ألهاه الشيطان مع طول المدة عن ذكر الله واستجاب لوساوسه واتباع خطواته، فطال عليه الأمد وقسا قلبه تحمل وزره في ذلك، ولهذا عاتب الله المؤمنين على قسوة قلوبهم وعدم مجاهدتهم للمحافظة على خشوعها، وحذرهم من مشابهتهم أهل الكتاب الذين قست قلوبهم بسبب الغفلة عن مجاهدتها على الخشوع: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)}. {الحديد}
قال ابن مسعود رضيَ الله عنه: "ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} إلا أربع سنين". {مسلم (18/127). والآيات من سورة الحديد.}
وإذا كان هذا الزمن - أربع سنين - الذي قلَّ فيه خشوع بعض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلموقد كانوا يتلقون التزكية من قدوتهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فما بالنا اليوم مع قلة المزكين القدوات، وكثرة المفسدين الذين لا تخلو أي جهة من جهاتنا منهم، كزعيمهم الشيطان؟!
قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية: "وهذا فيه الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله تعالى، ولما أنزله من الكتاب والحكمة، وأن يتذكر المؤمنون المواعظ الإلهية والأحكام الشرعية في كل وقت، ويحاسبوا أنفسهم على ذلك، {وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ} أي: ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام، ثم لم يدوموا عليه، ولا ثبتوا، بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة، فاضمحل إيمانهم وزال إيقانهم {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} فالقلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تذكر بما أنزل له الله، وتناطق بالحكمة، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك، فإن ذلك سبب لقسوة القلب وجمود العين". انتهى.
الحلال بيِّن والحرام بيِّن:
فيجب على كل مسلم، أن يجاهد نفسه بزيادة إيمانه وقوة يقينه، ليكون من {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)} ( ). ويجب على أرباب كل أسرة أو ولاية أن يستجيبوا للأمر الإلهي: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً..}.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|