09-07-2015, 07:27 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 358,792
|
|
مناقشة حكم الشيخ الألباني على حديث ( أن النبي قبّل بعض نسائه ولم يتوضأ )
الألباني حكم بين المتقدمين والمتأخرين:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فاللهم ارحم أئمة أهل السنة والحديث متقدمهم ومتأخرهم، واجمعنا بهم مع صحابة نبيك وصالحي السلف بمنك وكرمك يا ذا الرحمة والجود. اللهم آمين.
الأخوة الكرام:
###
المثال المطروح اليوم عن حديث الوضوء من القبلة ... وفيه من الخلاف ألوان وأشكال ..
وقد ذكر الإمام الترمذي هذا الحديث مستدلا به لباب " ترك الوضوء من القبلة " في كتاب الطهارة وذكر عقبه اختلاف الصحابة والأئمة فيه فقال في جامعه (1/133 ت شاكر):
ح رقم 86 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، وَهَنَّادٌ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، وَأَبُو عَمَّارٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، « أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ»، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هِيَ إِلَّا أَنْتِ؟ فَضَحِكَتْ.
وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّابِعِينَ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الكُوفَةِ، قَالُوا: لَيْسَ فِي القُبْلَةِ وُضُوءٌ.
وقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: «فِي القُبْلَةِ وُضُوءٌ»، وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ. وَإِنَّمَا تَرَكَ أَصْحَابُنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ لِحَالِ الإِسْنَادِ.
وسَمِعْت أَبَا بَكْرٍ العَطَّارَ البَصْرِيَّ يَذْكُرُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ المَدِينِيِّ، قَالَ: ضَعَّفَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ هَذَا الحَدِيثَ، وَقَالَ: هُوَ شِبْهُ لَا شَيْءَ.
وسَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يُضَعِّفُ هَذَا الحَدِيثَ، وقَالَ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَهَا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ»، وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَيْضًا، وَلَا نَعْرِفُ لِإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ سَمَاعًا مِنْ عَائِشَةَ، وَلَيْسَ يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا البَابِ شَيْءٌ. اهـ
فتبين من كلام أبي عيسى الترمذي أشياء:
الأول: أن هذا الحديث رواه غير واحد من أهل العلم من الصحابة والتابعين وهو قول الثوري وأهل الكوفة.
الثاني: أن قول غير واحد من الصحابة والتابعين ومعهم مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق بن ابراهيم الوضوء من القبلة.
ثم نقل أن هؤلاء لا يصح الحديث عندهم ونقل تضعيف يحيى القطان والبخاري لهذا الحديث.
الثالث: احتجاجه هو بالحديث للباب، ولم يذكر غيره فيه، ورواه عن ستة من شيوخه متفقين في روايته عن وكيع به.
فكأنه يرى أن ضعفه الذي نقله عن القطان والبخاري لا يسقط الاحتجاج بالحديث والعمل به عنده، لا سيما وهو مروي من وجوه عن جماعة من الصحابة والتابعين وعمل به الثوري والكوفيون كما صرح بنفسه.
وبهذا النقل .. يتبين أن الخلاف قديم ومن قبل المتقدمين من أئمة الحديث ..
بل جاء عدم الوضوء من القبلة عن ابن عباس بسند صحيح وأم المؤمنين كما سيأتي، وصح خلافه عن ابن عمر وابن مسعود رضي الله عن الجميع ..
فماذا فعل المتأخرون من أهل الصنعة ، بعيدا عن الفقهاء واجتهاداتهم ؟
جمهور المتأخرين صحح الحديث مطلقا ..
والألباني وإن كان صححه كذلك، إلا أن طريقته في التصحيح تخالفهم في الطريقة بما يظهر موافقته لمن أعل الحديث بتدليس حبيب بن أبي ثابت وحكم بانقطاع هذا الطريق بين حبيب وعروة بن الزبير ..
تعالوا نرى تحقيقه للحديث وكيف خرج بتصحيحه .. وكيف رد على بعض المتأخرين ..
التحقيق في كتابه الفذ " صحيح أبي داود الأم "
###
تحقيق وتخريج الشيخ لحديث الباب:
قال الشيخ -رحمه الله- في صحيح أبي داود - الأم (1/317) حديث رقم (172):
- عن عروة عن عائشة: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبّل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ.
قال عروة: فقلت لها: من هي إلا أنت؟! فضحكت.
(قلت: حديث صحيح، وعروة: هو ابن الزبير، وقد صححه ابن التركماني والزيلعي وقال: " وقد مال ابن عبد البر إلى تصحيح هذا الحديث، فقال: صححه الكوفيون وثبتوه لرواية الثقات من أئمة الحديث له ").
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا وكيع: ثنا الأعمش عن حبيب عن عروة.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ وعروة: هو ابن الزبير، كما جاء منسوباً في بعض الروايات الصحيحة في هذا الإسناد وغيره، كما يأتي بيانه.
ومع ذلك؛ فإن لهذا الإسناد علةً تمنع من الحكم عليه بالصحة؛ إذا ما تجردنا عن العصبية المذهبية، وحكمنا فيه القواعد الحديثية المحكمة.
وهذه العلة: هي عنعنة حبيب بن أبي ثابت؛ فإنه موصوف بالتدليس، وصفه بذلك ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما، ولذلك قال الحافظ في "التقريب": " ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس ".
وعلى ذلك أورده في كتابه "طبقات المدلسين " في المرتبة الثالثة، وهي مرتبة مَن أكثر من التدليس فلم يَحْتَجَّ الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقاً، ومنهم من قبلهم؛ كأبي الزبير المكي.
كذا ذكر في المقدمة، ثم قال (ص 12) : " حبيب بن أبي ثابت الكوفي تابعي مشهور يكثر التدليس، وصفه بذلك ابن خزيمة والدارقطني وغيرهما، ونقل أبو بكر بن عياش عن الأعمش عنه أنه كان يقول: لو أن رجلاً حدثني عنك ما باليت إن رويته عنك؛ يعني: وأسقطه من الوسط ".
وقد ذهل عن هذا كله بعض المحققين من المعاصرين؛ فقال: إنه " لم يعرف بالتدليس "!
هذا هو علة هذا الإسناد، ومرجع ذلك أنه منقطع، وقد أعله بذلك البخاري وغيره كما يأتي.
وقد أُعل بعلل أخرى جرى حولها جدل طويل بين المتقدمين والمتأخرين، كان للعصبية المذهبية حظ وافر في ترجيح الصحة والضعف، وشرح ذلك مما يطول به الكلام جدّاً، فمن شاء الوقوف على ذلك؛ فليراجع "الجوهر النقي في الرد على البيهقي " (1/123- 127) ، و "نصب الراية" (1/71- 75) ، وتعليق المحقق أحمد محمد شاكر على "سنن الترمذي " (1/133- 139) ، وعلى "المحلى"
(1/245- 246) . وقد جنح هؤلاء كلهم إلى تصحيح الحديث؛ وهو الحق كما سيأتي بيانه، مع ذكر بعض العلل المشار إليها.
ثم قال المصنف عقب الحديث:
" هكذا رواه زائدة وعبد الحميد الحِماني عن سليمان الأعمش ".
قلت: حديث زائدة لم أقف عليه! وأما عبد الحميد الحِمَّاتي- وهو ابن عبد الرحمن أبو يحيى-؛ فأخرج حديثه الدارقطني (ص 50) من طرق شتى عنه قال: نا الأعمش ... به ولفظه: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصبح صائماً، ثم يتوضأ للصلاة، فَتَلْقَاهُ المرأة من نسائه، فيقبِّلها ثم يصلي. قال عروة: من ترينها غيرك؟ فضحكت.
ورواه من طريق علي بن هاشم وأبي بكر بن عياش عن الأعمش ... به دون ذكر الصوم.
ثم أخرجه هو، والترمذي (1/133) ، وابن ماجه (1/181) ، وأحمد (6/210) من طرق عن وكيع ... به؛ إلا أن أحمد وابن ماجه قالا: عروة بن الزبير ... فعيًنا وبيَّنا ما أُبهم في رواية الآخرين؛ وقد ذكرنا آنفاً ما يؤيد- من المعنى- أنه عروة بن الزبير.
ولذلك قال الزيلعي (1/72) : " أخرجه ابن ماجه بسند صحيح "!
كذا قال! وفيه ما علمت من التدليس. ثم قال: " وقد مال أبو عمر ابن عبد البر إلى تصحيح هذا الحديث؛ فقال: صححه الكوفيون وثبتوه؛ لرواية الثقات من أئمة الحديث له، وحبيب لا ينكر لقاؤه عروة؛ لروايته عمن هو أكبر من عروة وأقدم موتاً.
وقال في موضع آخر: لا شك أنه أدرك عروة. انتهى "!
قلت: وهذا كلام صحيح قويم؛ لولا أن حبيباً عرف بالتدليس كما سبق؛ فلا بد من الوقوف على تصريح بالسماع في هذا الحديث لتزول شبهة التدليس؛ لاسيما وأن الترمذي قال عقب الحديث: " وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث، وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة ".
وقال ابن أبي حاتم في كتاب "المراسيل " عن أبيه: " أهل الحديث اتفقوا على ذلك [يعني: على عدم سماعه منه، قال] واتفاقهم على شيء يكون حجة ". كذا في "تهذيب التهذيب ".
فتصحيح هذا الإسناد لذاته- كما فعل ابن التركماني والزيلعي وغيرهم- ليس بصحيح! ومن العحيب أن هؤلاء ومخالفيهم لم يتعرضوا لهذه العلة- علة التدليس - لا طعناً ولا دفعاً؛ بل سودوا صحائف كثيرة في إيراد علل أو دفعها؛ والحديث في منجىً منها، وذهلوا جميعاً عن العلة الحقيقية فيه، والمعصوم من عصمه الله!
لكن هذه العلة لا تقدح في صحة الحديث؛ لأن حبيباً لم يتفرد به، فقد تابعه هشام بن عروه عن أبيه عروة بن الزبير؛ فقال الدارقطني (50) : حدثنا أبو بكر النيسابوري: نا حاجب بن سليمِان: نا وكيع عن هشام بن عروهَ عن أبيه عن عائشة قالت: قبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض نسائه، ثم صلى ولم يتوضأ؛ ثم ضحكت.
وهذا إسناد صحيح: أبو بكر النيسابوري ثقة إمام مشهور.
وحاجب بن سليمان ثقة عند النسائي وابن حبان وغيرهما، ولم يتكلم فيه أحد إلا الدارقطني من أجل هذا الحديث.
وبقية رجاله ثقات مشهورون رجال الستة. قال الدارقطني عقبه: " تفرد به حاجب عن وكيع، ووهم فيه، والصواب عن وكيع بهذا الإسناد: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقبّل وهو صائم. وحاجب لم يكن له كتاب، إنما كان يحدث من حفظه "!
ورد عليه الزيلعي- تبعاً لابن التركماتي- بما خلاصته: أن حاجباً ثقة، وتوهيمه بمجرد مخالفته للأكثرين لا يجوز؛ لأنه جاء بزيادة غير منافية لروايتهم.
قلت: ويؤيد ذلك: أن الحماني روى الحديث عن الأعمش، وجمع فيه بين التقبيل وهو صائم، وبين الصلاة بعد ذلك كما سبق. فالظاهر أن هذا هو أصل الحديث، فروى بعضهم منه التقبيل وهو صائم، وبعضهم ترك الوضوء من التقبيل؛ وكل ثقة، فما رواه هذا لا يعارض رواية ذاك وبالعكس.
ومما يدفع دعوى الدارقطني هذه: أن حاجباً لم يتفرد به؛ بل تابعه أبو أويس: حدثني هشام بن عروة ... به.
أخرجه الدارقطني أيضا: حدثنا الحسين بن إسماعيل: نا علي بن عبد العزيز الوَراق: نا عاصم بن علي: نا أبو أويس ... به، ولفظه:
أنها بلغها قول ابن عمر: (في القبلة الوضوء) . فقالت: كانْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّل وهو صائم ثم لا يتوضأ.
وهذا يؤيد ما ذكرت آنفاً أن أصل الحديث: الجمع بين القضيتين.
وهذا إسناد حسن صحيح؛ وأبو أويس: اسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي؛ وهو ثقة تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، وأنه يخالف في بعض حديثه، وهو هنا لم يخالف أحداً؛ بل وافق وكيعاً في رواية هذا الحديث عن هشام ابن عروة.
وبقية رجاله ثقات؛ ولم يستطع الدارقطني أن يتكلم عليه بشيء غير قوله: " ولا أعلم حدث به عن عاصم بن علي هكذا غير علي بن عبد العزيز "!
قلت: وهذا لا شيء؛ فإن علي بن عبد العزيز: هو البغوي، وهو إمام مشهور، والدارقطني نفسه يروي عنه كثيراً، وقد قال فيه: " ثقة مأمون ".
فمثله لا يتوقف في قبول ما تفرد به؛ بل ينظر فيما يخالفه فيه غيره من الثقات، فلعله يكون أحفط منهم وأرجح رواية، كما قال بعض المحققين.
وأما عاصم بن علي؛ فيكفي فيه أنه من شيوخ البخاري في "صحيحه ".
وقد تابعه آخرون عن هشام بن عروة عن أبيه: عند الدارقطني وغيره؛ وفيما ذكرنا كفاية لمن أنصف.
وقد جاء الحديث عن عائشة بإسناد آخر صحيح؛ فقال ابن التركماني- وتبعه الزيلعي-: " قال أبو بكر البزار في "مسنده ": حدثنا إسماعيل بن يعقوب بن صَبِيح: حدثنا محمد بن موسى بن آعْيَنَ: حدثنا أبي عن عبد الكريم الجَزرِيِّ [عن عطاء] عن عائشة: أنه عليه الصلاة والسلام كان يقبِّل بعض نسائه ولا يتوضأ.
وعبد الكريم روى عنه مالك في "الموطأً"، وأخرج له الشيخان وغيرهما، ووثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم.
وموسى بن أعين مشهور، وثقه أبو زرعة وأبو حاتم، وأخرج له مسلم. وابنه مشهور، روى له البخاري.
وإسماعيل روى عنه النسائي ووثقه، وأبو عوانة الإسفراييني، وأخرج له ابن خزيمة في "صحيحه "، وذكره ابن حبان في "الثقات ".
وأخرج الدارقطني هذا الحديث من وجه آخر عن عبد الكريم. وقال عبد الحق بعد ذكره لهذا الحديث من جهة البزار: لا أعلم له علة توجب تركه، ولا أعلم فيه مع ما تقدم أكثر من قول ابن معين: حديث عبد الكريم عن عطاء حديث رديءٌ؛ لأنه غير محفوظ. وانفراد الثقة بالحديث لا يضره ".
وقال الحافظ ابن حجر في "الدراية" (ص 20) : " رجاله ثقات ".
وإسناده عند الدارقطني (50) هكذا: حدثنا عثمان بن أحمد الدُّفاق: نا محمد بن غالب: نا الوليد بن صالح: نا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم الجزري ... به.
وهذا إسناد صحيح.
وأما الدارقطني؛ فقد أعله- على طريقته في إعلال كل إسناد لهذا الحديث، ولو بدون حجة ناهضة- فقد قال: " يقال: إن الوليد بن صالح وهم في قوله: عن عبد الكريم؛ وإنما هو حديث غالب "!
يريد ما ساقه قبل هذا بإسناده إلى جَنْدَل بن وَالِق: نا عبيد الله بن عمرو عن غالب عن عطاء عن عائشة ... به. قال: " غالب: هو ابن عبيد الله؛ متروك " إ!
أقول: إن عجبي من الدارقطني لا يكاد ينتهي؛ فكيف يجرز [كذا] رد رواية الثقة أو تخطئته بمجرد قوله: "يقال: إن الوليد بن صالح وهم "؟! ليس هذا من الممكن أن يقال في كل حديث مهما كان شأن رجاله في الثقة والعدالة؟!
فإن الوليد هذا متفق على توثيقه، واحتج به الشيخان، ولم يتكلم فيه أحد بضعف في روايته.
ثم إن الأغرب من ذلك: أنه يخطئه بمخالفة من هو دونه في الثقة والحفظ بدرجات؛ وأعني به، جندل بن والق، الذي جعل (غالب بن عبيد الله المتروك) مكان (عبد الكريم الجزري) ! وإليك ترجمته من "تهذيب التهذيب ":
" ذكره ابن حبان في "الثقات ". وقال مسلم: متروك. وقال البزار: ليس بالقوي ".
فكيف يجوز ترجيح رواية من هذا شأنه على رواية الثقة اتفاقاً؟! يضاف إلى ذلك أنه لم ينفرد بهذا الإسناد؛ بل تابعه محمد بن موسى بن أعين عن أبيه عن عبد الكريم؛ كما سبق في رواية البزار.
وبالجملة؛ فهذا الحديث صحيح لا شك فيه؛ ولو لم يكن له من الأسانيد إلا هذا لكفى حجة؛ فكيف وله طرق أخرى كما سبق؟! وله طرق أخرى وشواهد؛ فراجعها في "نصب الراية".
انتهى من تحقيق وتخريج الألباني ..
وقبل أن أعلق .. أحب أن أرى تعليق الأخوة الأفاضل .
والسؤالات المطروحة للنقاش:
هل اعتبر الألباني إعلال الأئمة المتقمين أم أهمله ؟
هل اتبع الألباني أحكام المتأخرين تقليدا أم انتقدهم؟
هل الإعلال للحديث يمنع تصحيحه من طرق وأوجه أخرى أم لا يمنع؟
وهل الإعلال منع العمل به أم لا ؟
وهل الاستشهاد والمتابعات لهذا الحديث تامة أم قاصرة ؟
وبوركت أيمانكم.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|