08-28-2015, 10:28 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 357,251
|
|
(010)أثر فقه عظمة الله في الخشوع له-أعظم رحمة الله بخلقه رسالته الخاتمة
وإن أعظم رحمة منحها الله تعالى البشر في هذه الدنيا، وفي الآخرة لمن قَبِلَها واهتدى بها، وحيه الذي أنزله لهداية عباده، ورسله الذين كلفهم تبليغهم، وآخر ما أنزله من الوحي وأكمله القرآن الكريم، وآخر الرسل وخاتمهم محمد صلّى الله عليه وسلم، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً (3)} {المائدة}
هذا اليوم هو يوم هذه الأمة التي ختم فيه رسله برسولها محمد صلّى الله عليه وسلم، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنْه، قال صلّى الله عليه وسلم: (وأنا خاتم النبيين) {متفق عليه}
قال تعالى مبيناً أن وحيه رحمة لمن آمن به: {قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(203)} {الأعراف}
رحمة الرسول صلّى الله عليه وسلم بأمته:
فرسالته تعالى رحمة كوحيه لكل من اهتدى بهما، وإنما خصَّ المؤمنين بكونه رحمةً لهم لانتفاعهم به، بخلاف الكافرين، وكان الرسول صلّى الله عليه وسلم، شديد العطف والرحمة والرأفة بأمته، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} {الأنبياء}
وكان صلّى الله عليه وسلم، لشدة حرصه على إيمان الناس كلهم بما جاء به من عند ربه، وشفقته عليهم، يحزن حزناً شديداً على عدم استجابتهم، خوفاً عليهم من سوء عاقبتهم عند ربهم، ولهذا كان الله تعالى يسليه بما ينزل عليه من آياته، مثل قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ(33)} {الأنعام} وقال تعالى: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70)} {النمل}
وقوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً(6)} {الكهف}
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية الكهف: {بِهَذَا الْحَدِيثِ} يعني القرآن {أَسَفاً} يقول: لا تهلك
نفسك أسفاً.... أي لا تأسف عليهم, بل أبلغهم رسالة الله, فمن اهتدى فلنفسه, ومن ضلَّ فإنما يضل عليها, ولا تذهب نفسك عليهم حسرات".
وكان يحزنه صلّى الله عليه وسلم، ويعظم عليه ما يصيب أمته المؤمنة من مشقة وعنت، كما قال تعالى عنه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} {التوبة}
وتأمَّل شدة رحمته صلّى الله عليه وسلم، ورأفته، على أمته، التي تضمنها حديث جابرٍ قال: قال رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلم: (مثَلِي ومثَلُكُمْ كَمَثَل رجُلٍ أَوْقَدَ نَاراً فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَراشُ يَقَعْنَ فيهَا وهُوَ يذُبُّهُنَّ عَنهَا، وأَنَا آخذٌ بحُجَزِكُمْ عَنِ النارِ، وأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ منْ يَدِي) {مسلم}
رحماء بينهم:
والمؤمنون يهتدون بهدي رسولهم صلّى الله عليه وسلم، ويقتدون به، فتمتلئ قلوب بعضهم لبعض رحمة وشفقة، كما قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ...(29)} {الفتح}
وقد ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، لقوة تراحمهم فيما بينهم مثلا، كما روى ذلك النُّعْمَان بن بشِيرٍ رضي الله عنْهـما قال: قال رسولُ اللَّه صلّى الله عليه وسلم: (مثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَداعَى لهُ سائِرُ الْجسدِ بالسهَرِ والْحُمَّى) }صحيح البخاري (1/101) وصحيح مسلم (16/119).}
ذم الرسول صلّى الله عليه وسلم من فقدت قلوبهم الرحمة:
ولقد أنكر الرسول صلّى الله عليه وسلم، على من فقدوا الرحمة من الأعراب الذين يأنفون عن تقبيل صبيانهم وذمَّهم على ذلك، كما روت عائشة رضي الله عنْهـا قالت: قدِم ناسٌ مِن الأَعْرابِ عَلَى رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلم، فقالوا: "أَتُقبِّلونَ صِبيْانَكُمْ؟" فقال: (نَعَمْ) قالوا: "لَكِنَّا واللَّه ما نُقَبِّلُ" فقال رسولُ اللَّه ‘: (أَوَ أَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّه نَزعَ مِنْ قُلُوبِكُمْ الرَّحمَةَ) {البخاري في كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله، رقم5652 ومسلم (15/64).}
وفي حديث جرير بن عبد اللَّه رضي الله عنْه قال: قال رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلم: (مَنْ لا يرْحَم النَّاس لا يرْحمهُ اللَّه) {متفق عليه وهو صحيح مسلم (15/65).}
تُرى هل يليق بعاقل من البشر عَلِمَ عظمة الله في رحمته الشاملة لخلقه كلهم في الدنيا ولعباده المؤمنين في الآخرة، وآثار تلك الصفة في تراحم خلقه فيما بينهم، هل يليق بمخلوق من العقلاء، ولا سيما من آمن بالله وباليوم الآخر، أن يفقد قلبه الرهبة من ربه وخشيته والإخبات والخشوع له، بل وغاية حبه له؟!
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|