الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الشيخ محمد بهجة البيطار
قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [التوبة: 73].
العلم والرفق والصبر:
لا بد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما، ولا بد من العلم بحال المأمور والمنهي، والرفق في ذلك مطلوب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا كان العنف في شيء إلا شانه) وقال: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف)؛ ولا بد أن يكون الداعي إلى الله حليماً صبوراً على الأذى، فإن لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح، ولهذا أمر الله الرسل - وهم أئمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بالصبر، كقوله لخاتم الرسل: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف: 35] وقال: ﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [هود: 115].
فلا بد إذاً من هذه الثلاثة: العلم والرفق والصبر، العلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده، وإن كان كل من هذه الثلاثة مستصحباً في هذه الأحوال، وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعاً، - ذكره أبو يعلى في المعتمد، (لا يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر إلا من كان فقيهاً فيما يأمر به، فقيهاً فيما ينهى عنه، رفيقاً فيما يأمر به رفيقاً فيما ينهى عنه، حليماً فيما يأمر به حليماً فيما ينهى عنه).
وظائف الجماعة بالإجمال:
هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما ليس من خصائص الحكام والقضاة وأهل الديوان ونحوهم، وكثير من الأمور الدينية هو مشترك بين ولاة الأمور، فمن أدى فيه الواجب وجبت طاعته فيه، فعلى "المحتسب"[1] أن يأمر العامة بالصلوات الخمس في مواقيتها، ويتعهد الأئمة والمؤذنين، فمن فرط منهم فيما يجب من حقوق الإمامة، أو خرج عن الأذان المشروع ألزمه بذلك، واستعان فيما يعجز عنه بأولي الأمر؛ وكل مطاع يعين على ذلك.
(والجماعة) يأمرون بالجمعة والجماعة، وبصدق الحديث، وأداء الأمانات وينهون عن المنكرات من الكذب والخيانة وما يدخل في ذلك من تطفيف المكيال والميزان والغش في الصناعات والبياعات والديانات ونحو ذلك، قال الله تعالى:{ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم}؟ وقال في قصة شعيب: ﴿ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [الشعراء: 181 - 183] وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾.
ما يدخل في المنكرات:
يدخل في المنكرات ما نهى الله عنه ورسوله من العقود المحرمة مثل عقود الربا والميسر، وكذلك النجش - وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ومثل بيع الضرر، ومثل أن يباع الماكس بسعر، ويباع المسترسل الذي لا يماكس أو من هو جاهل للسعر بأكثر من ذلك السعر، وقد جاء بالحديث: (غبن المسترسل ربا)، ومثل ذلك الاحتكار لما يحتاج الناس إليه، وفي الحديث: (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون).
التصدق بالطعام المغشوش:
إن الطعام المغشوش من الخبز والطبخ والشواء، والجيد الذي خلط بالرديء وأظهر المشتري أنه جيد ونحو ذلك مما لا تفوت منافعه والاستفادة منه، يتصدق به على الفقراء، فإن ذلك أولى من إتلافه تأديباً لأصحابه، وإذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أتلف اللبن الذي شِيب للبيع، فلأن يجوز التصدق بذلك بطريق الأولى، فإنه يحصل به عقوبة الغاش وزجره عن العود. وعمر رضي الله عنه أتلفه لأنه كان يغني الناس بالعطاء.
الغش والتدليس في الديانات:
يجب إنكار الغش والتدليس في الديانات وإزالتهما، مثل البدع المخالفة للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة، من الأقوال والأفعال، مثل إظهار المكاء والتصدية (الصفير والتصفيق) في مساجد المسلمين، ومثل سب جمهور الصحابة وجمهور المسلمين، أو سب أئمة المسلمين ومشايخهم، وولاة أمورهم المشهورين عند عموم الأمة بالخير، ومثل التكذيب بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تلقاها أهل العلم بالقبول، ومثل رواية الأحاديث الموضوعة المفتراة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومثل الغلو في الدين بأن ينـزل البشر منـزلة الإله، ومثل تجويز الخروج عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل الإلحاد في أسماء الله وآياته وتحريف الكلم عن مواضعه، والتكذيب بقدر الله، ومعارضة أمره ونهيه بقضائه وقدره، ومثل إظهار الخزعبلات السحرية والشعبذة الطبيعية وغيرها، التي يضاهي بها ما للأنبياء والأولياء من المعجزات والكرامات، ليصد بها عن سبيل الله أو يظن بها الخير فيمن ليس من أهله.
وهذا باب واسع يطول وصفه، فمن ظهر منه شيء من هذه المنكرات وجب منعه من ذلك وعقوبته عليها إن لم يتب.
المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الثالثة، العدد الثالث، 1356هـ - 1937م
[1] المجلة: قد زال مع الأسف نظام "الحسبة" من أكثر (إن لم نقل) من جميع البلاد الإسلامية بالكيفية التي كان عليها يوم كان المسلمون يسيرون في مؤسساتهم العامة ودوائرهم الرسمية مع ما تقتضيه مصلحة الأمة وتعاليم الشريعة، ولو كان المسلمون اليوم أهدى سبيلاً مما هم عليه، يأخذون الحكمة شرقية وغربية، ويستجيبون لدعوة القرآن بالأخذ بما كان أهدى سبيلاً، لمزجوا نظام "الحسبة" الإسلامي، بنظام "البلدية" العصري، ببعض فروع الشرطة، "كاللجنة الأخلاقية" التي لها اسم بلا مسمى، كما في القانون "آداب عامة" بلا معنى، لما يحيط بهما من إهمال وسوء تأويل...
ألا حبذا لو أن رجال العهد الذي أسموه عهداً إنشائياً يأخذون بهذه الملاحظات القيمة، فيوجهوا للأمة والبلاد وجهة استقلالية إنشائية حقاً.
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك