التهنئة بالعيد وصفة اللهو المباح فيه
الشيخ صلاح نجيب الدق
التهنئة بالعيد:
إن العيد مناسبة مباركة يجمع الله بها شمل المسلمين ويؤلف بين قلوبهم، فيَلقى بعضهم بعضًا في مصلى العيد أو في المساجد، أو في الطرقات وفي الأسواق، فيتصافحون ابتغاءَ وجه الله تعالى، وطمعًا في مغفرته، واتباعًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
روى أبو داود عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلمين يَلتقيان فيتصافحان إلا غُفر لهما قبل أن يَفترقا))؛ (حديث حسن)، (صحيح أبي داود للألباني حديث 4343).
وهل هناك أفضل من مغفرة الله لذنوب العباد؟! وما أجملَ أن يهنِّئ المسلمون بعضهم بعضًا بالعيد؛ اقتداءً بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم! فإن هذه التهنئة بهذه المناسبة الطيبة المباركة من مكارم الأخلاق التي حثنا عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذه التهنئة أثرٌ كبير في تقوية الروابط الاجتماعية بين المسلمين، ونشر روح المحبة بينهم.
قال ابن حجر العسقلاني: كان أصحاب النبي إذا التقَوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: "تقبل الله منا ومنكم"؛ (إسناده صحيح)، (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ2 صـ517)، (تمام المنة للألباني جـ1 صـ355).
صفة اللهو والغناء المباح:
إن الله تعالى هو الذي خلق الإنسان ويعلم ما يصلح شأنه؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].
لقد أباح الإسلام للناس أن يرفِّهوا عن أنفسهم؛ بشرط أن لا يُخرجهم اللهو عن طاعة الله تعالى، فقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يَضحكون والإيمانُ في قلوبهم أقوى من الجبال الرواسي.
روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل أبو بكرٍ وعندي جاريتان من جواري الأنصار (فتاتان صغيرتا السِّن) تُغنِّيان بما تقاولَت الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليسَتَا بمغنِّيتَين، فقال أبو بكرٍ: أمزاميرُ الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم! وذلك في يوم عيدٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا بكرٍ، إن لكل قومٍ عيدًا، وهذا عيدنا))؛ (البخاري حديث 952/ مسلم حديث 892).
وقد جاء في رواية عند البخاري عن عائشة أن أبا بكرٍ رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منًى تُدفِّفان وتضربان؛ (البخاري حديث 987).
قال ابن الأثير:
"تغنيان" أراد بالغناء هاهنا: أنهما كانتا تُنشِدان شعرًا قيل يوم بعاث، ولم يُرِد الغناء الذي هو ذِكر الخنا والفُحش والتعرُّض بالنساء، وما يسميه أهلُ الخنا: الغناء؛ (جامع الأصول لابن الأثير جـ8 صـ455).
إن مثل هذا اللهو والغناء العفيفِ لا حرَج فيه، وأما الغناء الذي يُحرِّك النفوس ويبعَثها على اللهو والمجون بكلام يشبَّب فيه بذِكر النساء ووصف محاسنهن وذكر الخمور والمحرمات، فلا خلاف تحريمه؛ (تفسير المراغي جـ21 صـ74).
إن اللهو الذي يشتمل على اختلاط الرجال بالنساء من غير المحارم، يُفضي إلى ما لا تُحمد عقباه، ولذا فقد نهى عنه الشرع الحنيف.
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك