الإتقان في نطق بعض ألفاظ القرآن (2)
بيان أحكام الاستعاذة
محمود العشري
الاستعاذة: هي اللَّجَأ والتحصُّن، فإذا قلتَ: أعوذ بالله، فكأنك تقول: ألجأ إلى الله، وأتحصَّن وأعتصم به تعالى، وهي من العبادات القوليَّة التي ينبغي أن يُفرَد الله تعالى بها كغيرها من العبادات، وجملةُ القول فيها: أنه لا يُستعاذ إلا بالله وحدَه، فمَن استعاذ بغيره تعالى فقد أشرك.
وصيغة الاستعاذة ما جاء به التنزيل: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، وهذا هو المختار والمشهور عند جميع القرَّاء، وهذا هو الذي عليه عامَّة الفقهاء أيضًا، غير أنَّه قد جاءت بعضُ الصيغ التي فيها زيادةٌ على الصيغة المذكورة أو نقصٌ، عن أئمة القراءة، وأهل الأداء.
• حُكمها من حيث الوجوبُ والاستحباب: الجمهور على أنَّها مطلوبة على سبيل الاستحباب، وغير الجمهور على أنها مطلوبة على سبيل الوجوب، ويبدو - والله أعلم - أن الدليل في جانبِ غير الجمهور؛ لأنَّ الأصل في الأمر - الواردِ في سورة النحل - الوجوب، ما لم توجَد قرينةٌ تَصرفه عنه، وليس ثَمَّةَ قرينة، فبقي على الأصل.
وأمَّا عن موضع الاستعاذة فهي تكون قبل القراءة، ويكون معنى الآية: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98]؛ أي: إذا أردتَ قراءة القرآن فاستعِذ بالله...
• حكم الاستعاذة من حيث الجهرُ والإخفاء: لا خلاف بين أهل الأداء في الجهر بالاستعاذة عند افتِتاح القراءة، وعند الابتداء برُؤوس الأحزاب إذا كانت القراءةُ جهرًا بحضورِ مَن يسمَع، أما إذا كانت القراءة سرًّا؛ فإنه يُسِرُّ بها، وإذا قرأ خاليًا جهرًا أو سرًّا فإنه يُسرُّ بها، وقراءتها في الصلاة السرِّية أو الجهرية تكون سرًّا، أما إذا كانت القراءة في جمعٍ بالدور، فيجهَر المبتدئ، ويُسِر سواه، والله أعلم.
أحكام اقتران الاستعاذة بأول السورة:
إذا شرَعتَ في القراءة بأول السورة، فباستِثناء سورة براءة، يجوز لك أربعةُ أوجه:
1 - قَطع الجميع: أي الوقوف على الاستعاذة، ثم على البسملة، ثم الابتداء بأول السورة.
2 - قطع الأول ووَصل الثاني بالثالث: أي الوقوف على الاستعاذة، ووَصل البسمَلة بأول السورة.
3 - وصل الأول بالثاني وقطع الثالث: أي وصل الاستعاذة بالبسملة، ثم الوقوف، ثم الابتداء بأول السورة.
4 - وصل الجميع: أي وصل الاستعاذة بالبسملة بأول السورة.
وأما سورة براءة فيجوز لك فيها وجهانِ؛ وهما:
قطعُ الجميع؛ أي: الوقوف على الاستعاذة، ثم الابتداء بأول السورة من غير بسملة.
والوجه الثاني: الوصل؛ أي: وَصل الاستعاذة بأول السورة في نفَسٍ واحد.
أحكام اقتران الاستعاذة بغير أول السورة:
إذا ابتدأ القارئ من أثناء السورة فهو مخيَّر بينَ الإتيان بالبسملة بعد الاستعاذة وبين تركِها؛ على حسب الطريق الذي يَقرأ به؛ فإن أتى القارئ بالبسملة جاز له الوجوهُ الأربعة السابقة التي في أول السورة، وإن لم يأت بالبسملة جاز له وجهان فقط؛ وهما قطع الجميع؛ أي: الوقوف على الاستعاذة، ثم الابتداء بأول الآية، ووصل الجميع؛ أي: وصل الاستعاذة بأول الآية، ووجه القطع أولى؛ خاصة إذا كان أولَ الآية لفظُ الجلالة، أو كلمةُ (رب)، أو ضميرٌ يعود عليه، أو اسمُ الرسول؛ لما في وصلِه بالاستعاذة من البشاعة وإيهامِ رجوع الضمير إلى الشيطان، أو إيهام كونِه صفةً للشيطان.
وسورة براءة يُخيَّر القارئ عند الابتداء مِن أثنائها بين أن يأتي بالبسملة أوْ لا؛ كغَيرها من السُّور، وأما عن وجه عدم كتابة البسملة في أولها فمحلُّ اختلاف؛ والأكثرون على أنَّه لسبب نزولها بالسيف، وذهب البعضُ إلى احتمال كونها من الأنفال، والأول أشهرُ؛ لروايته عن ابن عباس وعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهما.
س: ما الذي يترتب على القارئ إذا قطَع قراءته ثم عاد إليها؟
س: ما الذي يلزَم الجماعةَ إذا قرَؤوا آية واحدة؟
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك