في قولهم لمن سيزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم: بلغه سلامي ؟

[منتدى اهل الحديث]

بسم الله الرحمن الرحيم




*قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
(...وبهذا نعرف ضلال بعض العوام الذين يقولون لمن قدم إلى المدينة: سلم لي على الرسول صلى الله عليه وسلم.
كأنه حي يبلغه السلام !

وهذا غلط؛ لأنه إذا قال: سلم لي.
إن قصد أنه يسلم على الرسول نيابة عنه.
فهذا توكيل في طاعة لم يرد التوكيل فيها.
وإن أراد أنه ينقل سلامه.
فنقول:نقل الملائكة لسلامك= أشد طمأنينة، وأقوى أمنا، وأسد أمانة).

انتهى من تعليقه رحمه الله رحمة واسعة على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم شريط23/وجه أ

-وقال في فتاوى"نور على الدرب":(بدعة).

-وفي فتاوى اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله رحمة واسعة:(بدعة). انتهى




* ولم أجد أحدا من غير المعاصرين قال بتحريم التوكيل في السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم.



* وأما قول الشيخ ابن عثيمين بأنه توكيل في طاعة لم يرد التوكيل فيها.


-فيقال: بل أصله وارد؛ فقد جاء التوكيل في السلام في الصحيحين وغيرهما في أحاديث عدة.


-والمحرمون يسلمون بأنه يشرع السلام على النبي صلى الله عليه وسلم عند زيارته[دون شد رحل]، وهم يسلمون أيضا بأن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية، وبما جاء في بعض الأحاديث من أنه صلى الله عليه وسلم يرد على المسلم سلامه[والله أعلم بكيفية ذلك الرد].

-والتوكيل في السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فرع عن الأصول العامة؛ مشروعية السلام، ومشروعية التوكيل فيه"1"، ومشروعية التعاون على البر، ثم مشروعية السلام على النبي صلى الله عليه وسلم.


-وفرق بين أن تكون صورة أصلية أو صورة مسألة تتوافر الدواعي على نقلها/وصورة جزئية من فرع ومسألة لاتتوافر الدواعي على نقلها."2"


*ثم إنه قد جاء عن بعض السلف شيء في هذا الباب.


1/فقد روي عن التابعي الخليفة عمر بن عبدالعزيز التوكيل في السلام على النبي صلى الله عليه وسلم. "3"

-قال تقي الدين السبكي في كتابه"شفاء السقام" ص58:(استفاض عن عمر بن عبدالعزيز)، ونقل عن ابن أبي عاصم إثباته.


-قلت: ولم أجد له سندا ثابتا، وإنما وجدت له طريقين عند البيهقي في"شعب الإيمان"3869،3870، وفي كل من السندين جهالة.

-وهذا لفظ الموضع الثاني:
عن يزيد بن أبي سعيد المهري قال:(قدمت على عمر بن عبدالعزيز إذ كان خليفة بالشام، فلما ودعته قال: إن لي إليك حاجة؛ إذا أتيت المدينة سترى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأقرئه مني السلام).


-وقد نقل أثر عمر بن عبدالعزيز هذا: ابن الجوزي في"مثير الغرام" وغيره وسكتوا عليه.
-وقد ضعفه من طريقيه ابن عبدالهادي في "الصارم المنكي".
فالله أعلم هل وقف السبكي له على طرق أخرى وفيها محل الشاهد ؟



2/ قال محمد بن المنكدر:(دخلت على جابر بن عبدالله[الصحابي المشهور] وهو يموت، فقلت له: أقرئ رسول الله مني السلام)."4"


-وهذا الأثر قد يدفع علة المانعين من جهتين؛
إما أنه دليل على أن الأصل في باب التوكيل في السلام= الإطلاق في جواز ما كان حال الموت كالذي يجوز حال الحياة، ما لم يأت دليل على التفريق،
أو أنه يرد اعتراض المحرمين على المجيزين بنصوص من نحو:صلوا علي حيثما كنتم، أو قولهم: تبليغ الملائكة كاف.




3/روي نحو أثر جابر؛فعلا أو إقرارا عن بعض التابعين؛ كعبدالأعلى بن عدي"5" وأبي الزاهرية وعبدالله بن أبي بلال الخزاعي."6"



* وأما القول بأنه يكفيه نقل الملائكة، فهذا عليه أجوبة؛ منها أنه لايلزم من الأفضلية تحريم ما دونها، وأن مشروعية الأعلى لاتمنع مشروعية الأدنى معها"7".
وهناك أجوبة أخرى قوية لكن تحتاج تفصيلا لايحتمله المقام، ويكفي الجوابان السابقان. والله أعلم



* وقد نص على جواز التوكيل في السلام على النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الفقهاء القدماء وغيرهم، منهم:

-الموصلي في الاختيار لتعليل المختار.

-أبواليمن ابن عساكر في"إتحاف الزائر"ص56.

-النووي في كتبه: الإيضاح والمجموع والأذكار.

-ابن الجياب الأندلسي[شيخ لسان الدين ابن الخطيب].

-ابن الهمام في فتح القدير.

-السمهودي في وفاء الوفا.

-الشرنبلالي في مراقي الفلاح.

-اللبدي في حاشيته على نيل المآرب.

-وهو ظاهر كلام العلامة المحقق ابن عبدالهادي في"الصارم المنكي".



*واللفظ الذي يذكره أكثرهم هو:(السلام عليك يارسول الله من فلان بن فلان).




* وخلاصة ما يترجح في هذه المسألة التفصيل:

أ. إن لقي الأخ أخاه، فأخبره أنه سيزور المسجد النبوي للصلاة فيه، وأنه إذا فرغ سيزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم[على الوجه المشروع]، فقال له: أوصيك يا أخي بأن تبلغه سلامي.
فهذا جائز. ولاوجه للتحريم مطلقا،بله التضليل والتشديد.

ب. وإن كان يلتزم ذلك بانتظام ويتكلف البحث عمن يظن أنه سيزوره قبر النبي صلى الله وسلم، أو كان يوكل ظنا منه أنه أمر مشروع لذاته راتب، أو أنه لايجزئ عنه التسليم من بعيد.
فهذا داخل تحت باب البدع.


والله أعلم والحمد لله

----------------------------------------
"1" وبعض الفقهاء يجعل باب التوكيل في السلام أصلا يقيس عليه توكيلا في باب آخر. انظر:حاشية الشربيني على الغرر البهية1/247


"2" تنبيه: ليس معنى عدم توافر الدواعي على نقل شيء ما أن لاتكون المسألة منتشرة أو مهمة.
فقد يكون من أسباب عدم الاهتمام بتناقلها شدة وضوحها أو عدم طروء شبهة في حكمها، مثلا: نقل أكل أهل بلد ما الخبز. والله أعلم
[وانظر:قصة الحضارة لديورنت30/178]


"3" وقد لاينتبه كثيرون لوجود ميزة لقول عمر بن عبدالعزيز على غيره من أقوال التابعين؛ لكونه-مع علمه"خليفة"،"عدلا".
-ممن أشار إلى ذلك ابن العربي في"القبس"1/423
-وذلك لأن كونه خليفة مظنة لتميزه على غيره من أهل العلم في أمرين:
1/في الانتشار.
وهي قرينة مقوية-خاصة إن لم يعلم من معاصريه مخالف-، بل الانتشار أحد أركان الإجماع السكوتي.
2/في الاستشارة.
كما هي عادة أمثاله؛ يكون لهم مستشارون من أهل العلم، ويحصل له منهم ما لا يحصل لغيره
-بل بالغ بعضهم فخص قول عمر بن العزيز-دون سائر التابعين- بكونه حجة.
-وبعضهم ينسب هذا القول إلى الإمام أحمد، لكن المشهور الثابت عن أحمد وغيره من الأئمة أن قول التابعي-مطلقا- ليس حجة.
-وأما ما حكاه أبو المعالي[صاحب كتاب"النهاية"،وهو حنبلي] في كتاب الاجتهاد عن أحمد أنه استثنى قول عمر بن عبد العزيز من قول بقية التابعين فجعله حجة دونهم= فقد قال الحافظ المحقق ابن رجب في كتابه"مناقب أحمد"[بواسطة"تحبير التحرير" للمرداوي 3991]:(لا أعلم ثبوته عنه، ولا رأيته بإسناد إليه).
وكذلك استغربه ابن تيمية. كما في"المسودة" 863
- وقد ثبت عن أحمد إطلاق عدم الاحتجاج بقول التابعي. انظر-مثلا-:"مسائله" برواية تلميذه أبي داود1790.


"4" رواه أحمد في المسند والزهد وابنه عبدالله في العلل والطبري في تهذيب الآثار. وهو أثر ثابت. والله أعلم

"5" وقيل:هو صحابي، وصحح المزي وغيره من المحققين أنه تابعي.


"6" انظر:المنامات لابن أبي الدنيا 160


"7" وكم في الشرع والواقع من التنويع الذي يكون فيه ترك للأعلى.
ولو ادعينا المنع= للزم من ذلك لوزام لايقول بها أحد، مثلا:سيلزم من هذا التأصيل أن يقال-ولاقائل به-: لايشرع لأحد أن يشد الرحل للصلاة في المسجد النبوي أو الأقصى إذا كان شد الرحل إلى المسجد الحرام مثله في المشقة أو أيسر منه أو كان في مكة.
وكذا ألفاظ التلبية في الحج والعمرة؛ منها الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنها ما دونها مما ورد عن الصحابة. وكلها مشروع
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك