المحافظة على ارتفاع الإيمانيات بعد مواسم الطاعات
نجوى شاهين
من رحمة الله -تعالى- بعباده أن يرسل لهم المنح، ويوفر لهم الأعطيات ويمنحهم الهبات، ومن هذه النفحات أنه وهبنا مواسم الخير ودلنا عليها، وهي تجعل المسلم يراجع أعماله، ويحاسب نفسه، ويتذكر ذنوبه، ويرجع إلى الله -تعالى- ويتوب إليه، فهي مواسم للخير والتنافس، وتجديد التوبة، وزيادة الإيمان، وإيقاظ وتنبيه للغافلين.
ومن أهم هذه المواسم موسم الحج، الذي فيه مغفرة الذنوب، والعودة لمن أحسن في الحج بذنب مغفور وحج مبرور، وسعي مشكور وعمل متقبل مبرور، والعودة من الحج بصفحة ناصعة البياض فبعد الحج ميلاد جديد، مع بداية عام جديد، فبعد أن يتم محو السيئات ومغفرة المعاصي، فتفتح صفحة جديدة تعطي المسلم دفعة لزيادة الطاعات، والاستمرار في عمل الصالحات، فهل نسودها بالعودة للذنوب وارتكاب المعاصي!.
ولم يحرم المولى - سبحانه وتعالى - غير الحجاج من هذه المنح، وتلك الهبات، بل في شهر الحج، وفي العشر الأوائل منه، منح الله - عز وجل - عباده جميعا، ووهبهم أيضا العشر الأوائل من ذي الحجة وهي موسم عظيم لاغتنام الأجر، والتسابق في الخيرات والتنافس في الطاعات في العشر المباركات.
ومع اجتهاد العبد في العبادة في العشر الأوائل، ومع التشمير في الطاعة، يزداد إيمانه، خاصة الحاج الذي حاول أن يكون حجه مبرورا، وأعد النفقة الطيبة من المال الحلال، واختار الرفقاء الصالحين، واجتهد أن يبتعد عن كل ما يغضب الله -تعالى-، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، ومع الإخلاص، والتخلق بالأخلاق الفاضلة، يشعر بأنه فعلا قد غفرت ذنوبه، وقوي إيمانه، ووصل إلى درجة عالية من التقوى والخوف من الله - تعالى -.
وبعد انتهاء هذا الموسم العظيم لغفران الذنوب، قد تفتر الهمة، ويضعف الإيمان، والسؤال الذي يحتاج للبحث عن إجابة، هو كيف نحافظ على ارتفاع الإيمانيات بعد موسم الطاعة؟
يكون ذلك بجهاد النفس، ونحاول أن نلزمها تقوى الله - تعالى -، ونجعلها تسير في طريق الاستقامة، ونبعدها عن طريق الخطايا، ويكون ذلك بفعل بعض هذه الخطوات، ومن أهمها:
المداومة على ذكر الله -تعالى- دائما، ففي العشر الأوائل تدربنا على الإكثار من ذكر الله - تعالى -، كما ورد في التوجيه النبوي الشريف أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر فيها بكثرة التسبيح والتحميد والتكبير كما جاء في الحديث عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد))[رواه أحمد، وصحّح إسناده الشيخ شاكر].
فإذا كنا قد تعودنا على ذكر الله -تعالى- في العشر الأوائل، سواء الحجاج أو غيرهم، فعلينا المداومة على ذكر الله -تعالى- حتى نصل لسكينة النفس، وراحة البال، وطمأنينة القلب، ونبتعد عن الأمراض النفسية، ونظل سائرين على طريق الاستقامة، قال -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[سورة الرعد 28].
المواظبة على تلاوة كتاب الله -تعالى-، فهو مائدة الرحمن، ودستور المسلمين، وهو الهادي إلى الصراط المستقيم، ويبعد المسلم عن طريق الغواية، وينبغي أن نحيا في ظلاله، و ألا نهجره، ونحاول نكثر من تلاوته وتدبره، والعمل به، والتحاكم إليه والاستشفاء به، ويمكن لإظهار الجدية والتمسك به فعليا، الارتباط بحلقة تحفيظ للقرآن الكريم، ففيها تشجيع على القراءة، وتعلم التلاوة الصحيحة، والتدبر.
المحافظة على أداء الصلاة في مواعيدها، قال -تعالى-: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ)[البقرة 138].
فالصلاة توقظ المسلم دائما، وتجعله قريبا من الله -تعالى-، وتبعده عن ارتكاب المعاصي: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت 45].
التمسك بالعلاقة مع الأصدقاء الصالحين، وملازمة الجلساء الناصحين، فهم خير معين على السير في طريق الاستقامة، والثبات على درجات الإيمان العالية التي اكتسبناها في موسم الحج، والصديق الصالح هو من يقف مع صديقه وقت الضيق، ويعينه على الخير، ويدله عليه، ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر.
الابتعاد عن إشغال النفس بأمور غير مفيدة، ويمكن إشغال وقت الفراغ، بأمور نافعة ومفيدة، مثل القراءة في الكتب النافعة، والاستماع لدروس نافعة، أو المشاركة في أعمال البر والخير، والارتباط بجمعيات خيرية تقدم المساعدة للفقراء والمحتاجين، ولإشغال النفس أيضا يمكن الاستماع لدروس العلم، وحضور المحاضرات النافعة، أو متابعة الفضائيات المفيدة، وعدم إضاعة الوقت في الإسراف في فضائيات تقسي القلب، وتبعد العبد عن ذكر الله -تعالى-.
التخلق بالأخلاق الحميدة التي تدربنا عليها في موسم الحج، فكل مسلم اجتهد في العشر الأوائل من ذي الحجة في الإكثار من ذكر الله -تعالى-، وحاول واجتهد أن يتخلق بالخلق الحسن، ويبتعد عن الأخلاق السيئة، ويحسن التعامل مع الناس، فهذه الأمور يحتاج إلى استمرارها، ويجاهد نفسه لكي يتخلق بالأخلاق الفاضلة.
محاولة إيقاظ النفس دائما، وجهادها لتلازم تقوى الله -تعالى-، وتداوم على فعل الصالحات، وتبتعد عن المنكرات، وذلك بتذكيرها أن الموت قريب، وأن الذي ينفع في القبر، وعند الحساب هو العمل الصالح، قال - تعالى -: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[88، 89 الشعراء].
فينبغي أن نستعد دائما للموت بالإكثار من الأعمال الصالحة، ولكي تستمر النفس على درجة عالية من الإيمان، يمكن أن نوقظها دائما بالمرور على القبور، أو تذكرها، أو بزيارة المرضى، أو رؤية أصحاب الحوادث والمصابين بالإعاقة وعدم الحركة، ويتمنى أحدهم لو يكون في صحة جيدة، ليقوم بأداء الصلاة والسجود، أو يتمنى أن يكثر من عمل الصالحات؛ فهو يندم على التفريط في جنب الله، وتاب وأناب واستغفر، ولكنه ضعفت صحته، ولا يتمكن من فعل العمل الصالح، فكيف بنا، وقد وهبنا الله -تعالى- الصحة والعافية فلماذا نقصر، ونتكاسل عن فعل الطاعات ونداوم على فعل الصالحات؟.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك