الاختلاف والتباين
نظمي خليل أبو العطا موسى
- الاختلاف والتباين سنة من سنن الله في الخلق، حيث بنيت الحياة على ذلك فخلق الله الذكرَ والأنثى، والليل والنهار، والذكي والغبي، والعاقل والبهيم، والصحراء والماء، والأرض والسماء، والجميل والقبيح، وفي الدنيا المؤمن والكافر، والفقير والغبي، والكريم والبخيل والمخلص والغدار، وعبد الله وعبد لدرهم والدينار، والانتهازي والخير، وفي كل موقف دنيوي تجد الموافق والمعترض والمهتم والغافل.
من الحقائق السابقة نرى أن وجود المعارضة ظاهرة صحية، وإذا حاولنا استبعاد المعارضين فإننا نقلص نطاق الممارسة السياسية وبهذا السلوك نقلل حيوية الشعب وفاعلية الحكم، وهذا ما حدث في الاتحاد السوفيتي السابق عندما تصور منظروه أن بإمكانهم القضاء على التمايز الفطري والاختلاف الحيوي بين عباد الله، فانهار الاتحاد السوفيتي وهو يملك ترسانة حربية نووية قادرة على هدم الكرة الأرضية بمن عليها عشرات المرات لأن ايديولوجيته كانت تحمل في بنائها عوامل الانهيار الذاتي والفناء العاجل.
فمن أراد شعبا أو أسرة أو مؤسسة بلا معارضة فلن يجد ذلك فدفع الناس للناس من عوامل أصلاح الأرض قال - تعالى -: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة: 251].
- المعارضة الصحية:
- المعارضة التي نعنيها في الكلام السابق في المعارضة الصحية البناءة الفاعلة الخيرة، تلك المعارضة التي بنيت معارضتها على أسس شرعية وعلمية واجتماعية بعيدة عن الهوى والتعصب، هي معارضة وفق أهداف محدود واضحة نبيلة من خلال برامج للإصلاح واضحة نبيلة ومدروسة تديرها تنظيمات علنية شرعية تعلم بإخلاص لتحقيق تلك الأهداف.
هذا النوع من المعارضة الصحية هو ما يحتاج إليه في مسيرتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتعليمية والتقنية والتقويمية.
نحتاج إلى هذه معارضة سياسية تتعاون بإخلاص مع الحاكم ومؤسسات الدولة لتحقيق الأهداف المعلنة والواضحة من قبل الدولة، معارضة تحقق المعروف بالمعروف وتنهى بالمعروف وتنهى عن المنكر بالمعروف.
في ظل هذه المعارضة يتحقق الأمن والأمن والعدل والحرية والرفاهية، وهذا ما نراه من المعارضين الشرفاء، والكتاب الشرفاء النبلاء في مقاصدهم وغاياتهم وأساليبهم، هذا النوع من المعارضة هو الضمان الحقيقي لأمن الحاكم والمحكوم والوطن، هذا النوع من المعارضة الأمينة الشريفة هي ما يجب أن نتعاون جميعا لبنائها وتنميتها ودعمها بكل طاقاتنا لأنها الجهاز المناعي القوي لبنياننا ضد الإمراض الإدارية والممارسات غير الصحيحة.
- نصيحتي للشرفاء:
من هنا انصح كل شريف مخلص يحترم نفسه أولا: بأن يشكر الله لنعمه عليه، وخاصة نعم الدين والعلم والعقل، ثانيا: انصح له أن يرقب المعارضة الصحية الشريفة الفاعلة وعضدها ويساعدها وينميها ويزكيها ويقويه أن حتى إذا جاء يوم الأمانة، يوم اختيار ممثلي الشعب في البرلمان أعطى صوته لهذا الشريف، فالشريف لا يختار إلا الشريف كما قال ربنا: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً) [الإسراء: 84].
- التعرف الواجب:
من هنا يجب أن نقر أن و نسمع لكل معارض، ونسمع لكل أن يعرض بضاعته علينا حتى نتعرف الشريف من الوضيع في معارضته، ونرى المخلص من المغرض، والصحيح من السقيم، والنافع من الضار، وأن يعلم كل واحد منا إن الطريق ليست معبدة، ولا مليئة بالسذج ولأغبياء والجهلاء، بل هناك من يعلم ويفهم ويرصد ويراقب ويدقق ويختار بأمانة.
المعارضة المَرَضية (بفتح الميم والراء):
هؤلاء هم الطرف الآخر لمعادلة المعارضة، صنف من الناس يتخذون من الحرية متكأ لنشر أحقادهم وسوء تربيتهم وسمومهم وكتاباتهم المفرقة، يتخذون من جو الحرية سبيلا لتحقيق مأرب دنيوية متدنية وتصفية حسابات كانا هم فيها المخطئون، هذا الصنف من المعارضة هم أعداء النجاح والبناء، هم الإيدز الاجتماعي والطاعون السياسي، والملوثات المسرطنة في كل مجتمع، هذا الصنف منهم الماكر المغتر بقدراته الظان أنه ذكي، ومن غبائه لا يعلم أن مجموع ذكاء الأمة أعلى من ذكاء أي فرد في الأمة.
هؤلاء هم بؤر الفتن في كل مسيرة وكل تجمع وكل أمة، وقد حذرهم الله وحذرنا منهم بقوله: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال: 25]، من هنا وجب علينا النصح لهم بالمعروف، و الأخذ على أيديهم لأننا وهم في سفينة واحدة فإذا أخذنا على أيديهم نجونا ونجوا معنا وإذا تركناهم يفسدون هلكوا وهلكنا معهم والعياذ بالله.
- النزاع والفشل:
المعارضة الصحية تؤدي إلى البناء والعافية والنجاح، والمعارضة المَرَضة الخبيثة تؤدي إلى الفشل وذهاب الدول والقوة، قال - تعالى -: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].
قال المفسرون: وتذهب ريحكم أي تضيع دولتكم وقوتكم وهيبتكم علينا أن نرصد دعاة النزاع والفشل والفتنة حتى إذا جاء يوم الاقتراع وضعناهم في سلال المهملات لا في صناديق الانتخابات.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك